السلطات السعودية تعتقل الداعية السعودي المعروف الدكتور سلمان العودة، والسبب تدوينة قصيرة للرجل دعا فيها للمّ شمل البيت الخليجي والمصالحة مع قطر، والمعروف أن مَن تسبب في الأزمة هو الوحيد الذي يملك مفتاح حلها، المملكة العربية السعودية صاحبة التاريخ والمساحة والتعداد السكاني، وهي الشقيقة الكبرى للجميع.
سلمان العودة في السجن بسبب تدوينة، وقيل بعض من العلماء من أبرزهم عوض القرني، ويبدو بحسب جريدة الوطن السعودية أن الحصيلة قابلة للزيادة.
فالصحيفة في خبرها تتحدث عن خلية إرهابية يقودها علماء سعوديون مموّلون من قطر، في حلقة أخرى من حلقات مسلسل قطر وتهمة الإرهاب الممل جداً، الذي تنقصه الحبكة الدرامية السياسية كما تنقصه أشياء كثيرة جداً، يتجاهلها النظام السعودي عن عمد وقصد.
أولها التاريخ الذي يتحدث عن مملكة وأمراء قاموا بصناعة تنظيم القاعدة وتمويله، وهو تنظيم إرهابي بحسب القوانين الدولية وتلك الحرب الأفغانية إبان تسعينيات القرن الماضي حين كان الجهاد مباحاً سياسياً ودينياً.
ثانيها أنه لا يحق للمتهم قبل تبرئة نفسه من قانون جاستا أن يتهم أي طرف آخر بتمويل الإرهاب ودعمه، وهو لم يسلم منه حتى الآن، وثالثها وهو الأهم على ما أظن إذا كان النظام السعودي ممثلاً بجيله الجديد الذي يقوده الأمير المدلل قائد الحزم سابقاً، وولي العهد اليوم والمهيأ للعرش غداً محمد بن سلمان، إذا كان الأمير يرغب في تغيير هوية المملكة، كما تحدث بذلك حليفه غير المؤتمن على أسراره تيلرسون، فما ذنب قطر والعودة ورفاقه من العلماء؟ وحملته ضد قطر وضد علماء المملكة ما هي إلا جزء من القصة وأمر دُبّر بليل فكشفته التسريبات والتصريحات، أن السعودية راغبة في تغيير منهجها وهويتها وطريقتها في السياسة ونظرتها الدينية وتسير في طريق التطبيع مع الكيان المغتصب، وذلك أمر مفروغ منه فيما يبدو من التحركات الأخيرة على المستوى السياسي، والحديث يجري عن اتصالات بين ولي العهد ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
كلها أمور لا يمكن أن يوافق عليها علماء السعودية في بلد تحكمه الشريعة والمشورة، وتوصف بأنها دولة دينية وتسير الحياة فيها بتلك الطريقة، فالفتاوى فوق القوانين، وكلمة العالم مسموعة أكثر من السياسي.
وقد ظلت الأنظمة المتعاقبة على المملكة السعودية تسعى جاهدة للسيطرة على علماء المملكة وضمهم تحت عباءة السلطان، ومَن يغرّد منهم خارج سرب النظام يكون مصيره السجن، وتهمة الإرهاب والتشدد جاهزة ومجهزة، ويا لها من تهمة ومن هدية سياسية ثمينة، تلعب بها الأنظمة أيما لعب.
هو صراع بقاء، وصراع حرية، وصراع هوية بين علماء أحسوا بالحرج اجتماعياً ودينياً وسياسياً، وبين أمير شاب يسعى لبناء مجد على حساب كل شيء حتى ولو كان الوطن نفسه.
صراع يسعى "بن سلمان" لحسمه مبكراً ويبدو ماضياً في طريقه، الجميع فيه خاسر كحال الحصار الذي فرضه على قطر، وقد خسرت المملكة فيه أيما خسران، والجميع فيه متهم بالإرهاب، وتصيبه سهام "بن سلمان" حتى ولو كان يسعى لخدمة الأمة جمعاء.
إنه فعلاً كقول الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش ذات يوم من تاريخ لن تنساه أميركا والعالم، خلال هجمات الحادي من سبتمبر/أيلول: "من كان معنا فهو مع الديمقراطية والحق ومن ليس معنا فهو إرهابي"، كذلك فعل الشاب الأمير.
الداعية الدكتور سلمان العودة الفقيه سجين الكلمة ليس الأول ولن يكون الأخير، فالسجن يجمع كل الأصوات المعارضة لما يحدث.
وبلاد الحرمين التاريخ والحضارة والمركزية والقوة الاقتصادية تسير نحو المجهول، فمن يُسدي للنظام السعودي الحالي نصيحة؟ ومَن يدله على أقصر الطرق نحو السلامة؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.