تدرس إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطةً تهدف إلى إغلاق مكتب طالبان السياسي في قطر، وهي خطوةٌ أثارت احتجاجاً داخلياً غير عادي من جانب مسؤولي وزارة الخارجية الذين قالوا إنَّها ستقوِّض المصالح الأميركية في أفغانستان، وذلك وفقاً لما ذكره مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن أشخاص على اطلاعٍ على الأمر، قولهم إن مجموعة من المختصين في شؤون جنوب آسيا من وزارة الخارجية الأميركية أصدرت "مذكرة معارضة" داخلية يوم الجمعة، 29 سبتمبر/أيلول 2017، لحثِّ إدارة ترامب على إبقاء مكتب طالبان مفتوحاً وإجراء محادثات أكثر كثافة لإنهاء الحرب التي دامت 16 عاماً في أفغانستان.
وقال الأشخاص إنَّ المذكرة قد وقَّعها عددٌ قليلٌ من المسؤولين، وكان من بينهم بعض موظفي وزارة الخارجية الأميركية الذين انتهت عقودهم مع الإدارة يوم الجمعة ولم تُجدَّد.
شكراً: هكذا ردت الإدارة الأميركية
وردت الخارجية الأميركية على لسان هيذر نويرت، المُتحدِّثة باسمها قائلة: "إننا نشعر بالامتنان للعمل الجاد الذي بذله الفريق السابق في محاولةٍ لتعزيز السلام والمصالحة.
وأضافت "سيستمر مسؤولون موهوبون من داخل المنظومة في هذه الجهود".
واستدركت قائلة "إنَّ استعدادنا لدعم عملية المصالحة ليس موضع شك، ولكن رغبة طالبان في المشاركة في العملية بشكلٍ جاد هي التي في موضع شك".
وحثَّت المذكرة غير السريَّة كبار قادة الخارجية الأميركية على إبقاء مكتب طالبان مفتوحاً للمساعدة في ضمان أنَّ دفعةً جادة لخوض محادثات السلام لم يجر تجاهلها، في الوقت الذي ترسل فيه الولايات المتحدة 4 آلاف جندي أميركي آخر إلى أفغانستان في محاولةٍ لشق الطريق المسدود الذي وصلت إليه المعارك مع طالبان.
وقال الخبراء في المذكرة الداخلية إنَّ إغلاق مكتب طالبان في قطر قد يُقوِّض محاولات الرئيس الأميركي ترامب لإخراج الولايات المتحدة من الحرب التي أودت بحياة أكثر من 3500 شخص أميركي منذ عام 2001، وفقاً لما ذكره أشخاصٌ مطلعون على الخطوة.
وقال مسؤول أميركي سابق في مقابلةٍ صحفية: "إنَّ انقطاع الجهود التي تُركِّز بشكلٍ واضح على العملية السياسية يبدو أمراً مخالفاً لمصالح ترامب، كما أنَّها سياسة سيئة".
ومن المفترض أن تُستخدم ما تُسمَّى بـ"خطابات المعارضة" من قِبَلِ مسؤولي وزارة الخارجية الذين يشعرون أنَّ الآراء البديلة لا تجد آذاناً صاغية بصورةٍ عادلة من كبار القادة.
وفي العام الماضي، 2016، استخدم أكثر من 50 ضابطاً في الخدمة الخارجية هذه الخطابات من أجل انتقاد استراتيجية إدارة أوباما في سوريا. وفي وقتٍ سابق من هذا العام 2017، وَقَّعَ حوالي ألف ضابط خدمة أجنبية على خطاب معارضة احتجاجاً على أول حظر سفر أصدره ترامب على سبع دول ذات أغلبية مسلمة.
الرئيس الأفغاني يؤيد
وفتحت طالبان مكتبها السياسي في الدوحة في العام 2013، بدعمٍ من الحكومات الأميركية والأفغانية والقطرية.
وأعرب الزعماء السياسيون عن أملهم في أن تُمهِّد هذه الخطوة الطريق لإجراء محادثات سلام جادة بين طالبان والحكومة الأفغانية، لكنَّ المبادرة توقَّفَت سريعاً، ويقول بعض المسؤولين الأميركيين إنَّ مكتب طالبان كان مخيباً للآمال.
وفي الشهر الماضي، سبتمبر/أيلول 2017، كشف ترامب عن استراتيجية أفغانستان الجديدة، والتي من شأنها زيادة القوة العسكرية الأميركية في أفغانستان من حوالي 12 ألفاً إلى حوالي 16 ألف جندي في محاولةٍ لتعزيز القوات الأفغانية التي تكافح من أجل صد تقدُّم طالبان في جميع أنحاء البلاد.
وفي محاولةٍ لزيادة الضغط على طالبان، تبحث الإدارة حالياً إغلاق مكتب طالبان في قطر، وفقاً لما ذكره المسؤولون. وسوف تحتاج هذه الخطوة إلى دعمٍ من الحكومة الأفغانية التي تناقش هذه الفكرة مع مسؤولين أميركيين.
ولم تستجب سفارة أفغانستان في واشنطن على الفور للطلب بالتعليق.
وقال مُتحدِّثٌ باسم الرئيس الأفغاني أشرف غني مؤخراً إن الحكومة الأفغانية ترغب في إجراء محادثات سلام جادة.
وقال المُتحدِّث باسم وزارة الخارجية الأفغانية داوا خان مينابال: "إنَّنا نُشجِّع جميع التدابير التي تدعم عملية السلام في أفغانستان. ولكننا نريد أنَّ تؤدي هذه الجهود إلى نتائج عملية".
موقف قطر
وأكدت قطر أن المكتب قد عمل بموافقةٍ أفغانية وأميركية. وقال الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني، مدير مكتب الاتصالات التابع للحكومة القطرية: "بالنسبة لفتح المكتب، فإن أي قرار بشأن مستقبله يقع في يدِ كلٍ من الولايات المتحدة وحكومة أفغانستان".
وأضاف: "مهما كان القرار، ستظل قطر حليف أميركا الأقوى في المنطقة في العمل من أجل هزيمة الإرهاب وحلِّ النزاعات الدولية".
أما حركة طالبان، فقد قالت مؤخراً إن غلق مكتب الدوحة يضع حداً لفرصة التسوية السلمية للحرب، ويضع مسؤولية الاستمرار في حمامِ الدم في أفغانستان "مباشرةً على كاهلِ الغزاة وحلفائهم".
ولطالما كان حضور طالبان في قطر مصدر إزعاجٍ إقليمي عزَّز الخلاف الذي يظل دون حلٍ بين الدوحة وقوى إقليمية تتضمَّن المملكة السعودية ودولة الإمارات اللتين تريدان طرد قادة طالبان من الدوحة.
وفي يونيو/حزيران 2017، قطعت كلٌ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية مع قطر، متهمين جارتهم بدعم الإرهاب والتدخُّل في شؤونهم، فيما نفت قطر هذه التهم.
ويرى بعض المنتقدين أن مسؤولي طالبان في قطر، ومنهم 5 معتقلين سابقين في غوانتانامو كانت الولايات المتحدة قد أطلقت سراحهم في العام 2014 مقابل تسليم الجندي الأميركي بو بيرغدال، قد يُشكِّلوا تهديداً على القوات الأميركية في أفغانستان من خلال جمع الأموال لمقاتلي طالبان أو التخطيط لهجمات.
انقسام
ولأشهرٍ من الزمن، انقسمت إدارة ترامب إلى معسكرَين حول محادثات السلام، وقال مسؤولون سابقون وحاليون إن مجموعة "القتال ثم التفاوض" تدفع الولايات المتحدة بقوةٍ لمواصلةِ محادثات السلام مع طالبان الآن، رغم أن انتصارات طالبان في المعارك تمنحها قوةً سياسياً تفاوضياً أكبر. وأضاف المسؤولون أن مَن وقَّعوا المذكرة ينتمون إلى هذا المعسكر.
وقال مسؤولٌ أميركيٌ سابق: "هناك فريقٌ جديدٌ الآن يريد أن يحاول أن يفعل شيئاً جديداً". وأضاف: "زعزعة عملية السلام وطرد مفاوضي الدوحة ستكون طريقةً مؤسفةً لفعل ذلك".
ويريد معسكر "القتال ثم التفاوض"، الذي يتضمَّن الجنرال العسكري هربرت ريموند ماكماستر، مستشار ترامب للأمن القومي، أن يُسدِّد ضربةً عسكريةً لطالبان قبل متابعة مفاوضات جدية.
وقال مسؤولون في مجلس الأمن القومي، الذي يترأسه الجنرال ماكماستر، إن التدفُّق المحدود للقوات الأميركية الجديدة، بالتوازي مع تعهُّد ترامب بالإبقاء على قواتٍ في أفغانستان طالما هناك حاجةٌ لذلك، سوف يُقنِع طالبان بأنهم لن يتمكَّنوا من إحراز انتصار في ساحة المعركة.
وقال مُتحدِّثٌ باسم المجلس: "سيُوفِّر ذلك الشروط من أجل الهدف النهائي من استراتيجيتنا: تسوية سلامٍ بين حكومة أفغانستان وطالبان تحمي مصالحنا". وأضاف: "أولئك الذين يدعون دعم عملية سلام ينبغي ألا يُمنَحوا الحرية في جمع المالِ من أجل المقاتلين الذين يقتلون المدنيين الأفغان وعناصر قوات الأمن.
في المقابل، لابد أن يُوضِّحوا أنهم يسهمون بصورةٍ جوهريةٍ في الوصول إلى إنهاءٍ سلميٍ للصراع".
وقال مسؤولون أميركيون سابقون إن الاعتراضات الرسمية قد تساعد في إقناع إدارة ترامب بإيجادِ طرقٍ مختلفة للضغطِ على طالبان. وقال المسؤولون السابقون إن قراراً قد يُتَّخذ في وقتٍ قريبٍ هذا الأسبوع.