عندما توجد الحرب يوجد الجنس، نظل طيلة الوقت نلعن الحرب ونحارب الجنس ونحن لهما مشتاقون، يا لنفوس البشر تندثر الدماء على الأرض ويمارسون الجنس فوقها! يبحثون عن الشهوات والدماء تلطخ كل جبين، حتى كاد قلبي يؤمن بأن العنف والوحشية غريزة من غرائز البشر!
أريد أن أذكركم بمقال سابق بعنوان "هل جهاد النكاح زنا مشروع في الإسلام؟"، ومن خلال هذا المقال قد طرح البعض مجموعة من الأسئلة، وكان أهمها: ماذا عن قوله تعالى: "أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين"، واتخذ البعض هذه الآية وحلل من خلالها جهاد النكاح، وهل إباحة ملك اليمين يعادل ما يسمى جهاد النكاح اليوم؟!
من المؤكد "لا"، فملك اليمين بعيدة كل البعد عما يسمى جهاد النكاح، فقد جاء الإسلام والعبودية راسخة فى المجتمع، وأخذ الإسلام في عتق الرقاب بالتدريج، وكان من ضمن هذا أنه إذا استمتع السيد بملك يمينه وأنجبت منه الولد تصبح حرة بعد وفاته، وكانت ملك اليمين يستمتع بها سيدها وليست مباحة للجميع، ولا يوجد ما يسمى جهاد النكاح أيام الرسول وأصحابه، فلم يُذكر بتاتاً أن امرأة مسلمة جاءت إلي مكان الحرب وعرضت نفسها لكي يستمتع بها الرجال، فالإسلام جاء ليطهر القلب والجسد وليس لينجسهما.
فكان من واجب السيد على ملك يمينه أن يطعمها من طعامه وأن يكسيها من ثيابه، وأن يعاملها معاملة حسنة، فملك اليمين ليست أداة للشهوة وإنما هي إنسانة تحتاج إلى تلبية رغباتها، وكان الاستمتاع بملك اليمين لا يتم من دون رضاها وإنما بالموافقة والرضا التام، فكان كل منهما يستمتع بالآخر، وليس الأمر كما يتخيله البعض بأنها عملية من الإجبار والاغتصاب كما تُعرض على شاشات السينما.
وكيف للإسلام أن يحلل أن المرأة تكون مباحة لأكثر من رجل؟! حيث إن الإسلام جاء لكي ينهي تعدد الأزواج عند المرأة، وجعلها ملكاً لرجل واحد، وكان في ذلك حكمة عظيمة ومنها عدم اختلاط الأنساب، فكيف يحلل أن المرأة المسلمة تعرض نفسها على الرجال ليستمتعوا بها وتكون مباحة لأكثر من رجل؟
ويغفل عن البعض أن المرأة لديها غرائز مثلها مثل الرجل، فهي في النهاية بشر، ولديها احتياجات، ولكن البعض يتعامل مع المرأة علي أنها كائن غير بشري، جاءت من الفضاء الخارجي، لكي تكون طوع للرجل، فتضحي في النهاية مفعولاً بها، مسلوبة الإراده، مسلوبة التعبير عن احتياجاتها، مفرغة من الداخل، دون مشاعر، عواطف، احتياجات..
فمِلك اليمين إذن لديها غرائز واحتياجات، وتحتاج من يلبي هذه الاحتياجات، ففي النهاية هي بشر أيضاً، فكان لإباحة الرجل الاستمتاع بملك اليمين رحمة من الله، وحتى لا يعم الفساد في الأرض، تخيل معي لو أن الإسلام لم يعتنِ بملك اليمين ويلبي لهنّ فطرتهن، فكان من الأرجح أن يعم الفساد في المجتمع الإسلامي عندما تسعى مِلك اليمين إلى تلبية غريزتها عن طريق إقامة علاقات محرّمة لنعود مرة أخرى إلى ما كنا عليه في الجاهلية، حيث إن الإسلام جاء ليصلح وليس ليفسد، لذلك وضع الله -عز وجل- ضوابط لضبط النفس البشرية من الوقوع في الفساد.
الإسلام جاء رحمة للعالمين وليس للمسلمين فقط، فقد اعتنى بالنفس البشرية، وسعى إلى تلبية احتياجاتها، ولكن بضوابط وحدود؛ حتى تكون هذه التلبية تتجلى فيها معاني الإصلاح للنفس وليس لفسادها، ولكن ما نجده الآن من ترهّات نسمعها ونشاهدها من أفواه من يدّعون أنهم مسلمون، عار على الإسلام والمسلمين، فجهاد النكاح -كما ذكرت سابقاً- هو "زنا"، فنحن الآن نعيش في زمن لا يوجد فيه ملكات يمين كما كان في السابق.
اليوم لا توجد عبودية، واليوم لا يوجد ملك يمين، فمن يفسرون بعض الآيات على أهوائهم حتى يرضوا أفعالهم الخبيثة فنحن لا شأن به، أضحك كثيراً عندما أجد بعض الشباب الذين يفسرون هذه الآية بأن المرأة تستطيع أن تهب نفسها كملك يمين بقولها "زوجّتك نفسي" للرجل دون عقد ودون شهود ودون مهر، معللين بذلك بأن زواج المتعة كان مباحاً فى زمن الرسول وأصحابه فيما يخص مِلك اليمين.
فإذا كان زواج المتعة مباحاً حقاً في الإسلام، فلما إذن قد أقر الإسلام منظومة الزواج، التي قال فيها عز وجل في كتابة الكريم: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (سورة الروم: 21)؟ فأين المودة والرحمة القائمة في الزواج القائم على المتعة؟! وأين الأسرة التي هي أساس المجتمع الإسلامي؟! وأين النسل وتنشئة الأبناء في الزواج القائم على المتعة؟! وهل جاء الإسلام لكي يرفع من مكانة المرأة أم أن يجعلها أداة للشهوة تباع وتشترى بغرض الاستمتاع بها؟! وكانت آية "وما ملكت أيمانهم" لها حالتها الخاصة في ذلك الوقت ولا يجوز إباحة الخاص للعام.
وما أود أن يصل إليه القارئ أن الحرب والجنس لا يجتمعان في الإسلام، هل أحد يستطيع أن يصف لي واقعة زمن الفتوحات والحروب التي خضها المسلمون ضد الكفار وحدثت فيها حالات من الاغتصاب والاعتداءات الجنسية؟! لا أحد يستطيع ذلك؛ لأن الإسلام قد وضع مبادئ إنسانية في أثناء الحروب، وهي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتلوا صبياً ولا امرأةً ولا شيخاً كبيراً ولا مريضاً ولا راهباً ولا تقطعوا مثمراً ولا تخربوا عامراً ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرة إلا لمأكل ولا تغرقوا نحلاً ولا تحرقوه" (أخرج البيهقيُّ بسنده عن أبي عمران الجوني).
فكانت هذه مبادئ الإسلام في الحرب عكس ما نراه الآن في الحروب والدساتير الدولية من قتل واغتصاب واعتداءات جنسية وذبح الأطفال وقتل الشيوخ والتمثيل بالجثث وتعذيب الرجال والاعتداء عليهم واغتصاب النساء حتى الموت، والعالم يشاهد ولنا في مسلمي بورما عبرة وموعظة، ولنا في فلسطين وسوريا والعراق والهرسك والبوسنة وغيرهم آية.
ولكن، عندما ننظر إلى الطرف الآخر في عصور الاحتلال والاستبداد والحروب حتى يومنا هذا، كيف كانت الحرب والجنس يعيشان معاً؟ عندما يأتي إليك المحتل يسحب خلفه مجموعة من العاهرات حتى يمارس الجنس معهم فوق دماء الأبرياء، وكم من سجن من سجون الاحتلال والاستعمار يتم فيه ممارسات جنسية من اعتداءات على الأسرى واغتصاب النساء والرجال معاً، ولنا في سجن أبو غريب عبرة، فكانت الجنديات الأميركيات تغتصِب الفتيات العراقيات وتمارس معهن أنواع الاعتداءات الجنسية كافة؛ بل تجعلهم يحترفون مهنة البغاء.
وليس الاحتلال فقط، فكم من سجن من سجون بلادنا العربية تتم فيه حالات من الاغتصاب والاعتداءات الجنسية لكل من يعارض النظام من ذكر وأنثى؟!
لقد جاء الاحتلال الفرنسي والاسباني ونشر في بلاد المغرب العربي البغاء، وعندما جاء الإنكليز إلى مصر كانوا يروجون لمهنة البغاء وكانت الجنود الإنكليز يمارسون الجنس مع العاهرات.
مع كل هذه الانتهاكات والاعتداءات، يأتي لنا بعض السفهاء يتجرأون على الإسلام وعلى رسول الله، وهم ليسوا سوى خنازير وعبّاد للمال والجاه والسلطان، نحن في زمن من يقول كلمة الحق يصبح شيطاناً ومن يقول الباطل يضحي بطلاً!
يتحدثون في كتب التاريخ عن فوائد الاحتلال ولم يذكروا نجاستهم، لم يذكروا لنا ما كان وراء كل محتل من فساد وكوارث وممارسة تجارة المخدرات والبغاء والسلاح حتى أصبحت بلادنا مصابة بالعفن، وعندما نناشد العامة بأهمية الرجوع إلى الإسلام فهو الحل الوحيد لإصلاح هذه الأمة يخرج علينا بعض القردة والخنازير يحاربون الإسلام بكل ما أوتي لهم من قوة فيخرجوا علينا ببعض الترهّات والافتراءات، ومع الجهل يضحي الحق باطلاً والباطل حقاً.
الحرب والجنس يجتمعان معاً عند أبناء القردة والخنازير، ومن يقول غير ذلك فهو من نسل هؤلاء أيضاً.. فلا وجود للجنس والحرب في الإسلام، هذا الدين الذي جاء ليصلح البشرية، ليس من العقل أن يأتي لنا بما يفسدها ولكننا لأنفسنا مفسدون وظالمون.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.