5 ملايين شخص يشرفون على مجاعة كبيرة وعمليات قتل وتعذيب في سجون سرية، هكذا سلَّط تقرير أميركي الضوء مؤخراً على انتهاكات الإمارات، كاشفاً عن محاولات هذه الدولة الخليجية للنأي بنفسها عن الجرائم التي تقع هناك، وتحميل المسؤولية للسعودية.
أكبر شهيد أحمد هو مراسل الشؤون الخارجية للنسخة الأميركية لـ هاف بوست بمكتبها في العاصمة واشنطن، قال في مقال له بالمدونة، إن بعض الحكومات الموالية للولايات المتحدة الأميركية، تواجه تهماً بتعريض مئات المدنيين للاحتجاز القسري في ظروف شديدة الصعوبة، في واحدة من أشد البلاد فقراً في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تهم التورط بالتعذيب الذي يشمل تقييد الأشخاص إلى بعض الأسياخ المحمية، والحرق بالنار، ناهيك عن الغارات الجوية التي أسفرت عن مقتل الآلاف في المدارس، والمستشفيات والأسواق.
كل ذلك، حسب شهيد، مع عرقلة تسليم المساعدات، إذ يشرف أكثر من 5 ملايين شخص على مجاعة كبيرة، بالإضافة إلى معاناتهم من وباء الكوليرا بصورة لم يسبق لها مثيل من قبل، إذ يصيب المرض العشرات يومياً.
السعودية تعترف
وبينما اعترفت المملكة العربية السعودية علناً بمسؤوليتها عن الأزمة في اليمن بسبب حملتها العسكرية التي استمرت عامين ونصف العام، حسب التقرير، فإن حليفها الرئيسي في تلك الحملة، وحليف الولايات المتحدة الأميركية، دولة الإمارات العربية المتحدة، تجنَّبت العار المرتبط بهذه الحملة أو المساءلة عن الدور الذي وصفه المسؤولون الأميركيون بأنه ينطوي على مئات الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي، كما أنه خلق فراغاً أمنياً يمكن أن تستغله وتستفيد منه الجماعات المتطرفة كالقاعدة، أو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو أي من الجماعات المسلحة الأخرى.
دولة خليجية جيدة
يلفت مراسل هاف بوست، إلى أنه يوم الخميس 28 سبتمبر/أيلول 2017، أصدر الخبير العسكري وليام هارتونغ من مركز السياسة الدولية أول تقرير شامل عن العديد من الطرق التي تشارك بها دولة الإمارات العربية المتحدة في زيادة معاناة اليمن.
ويهدف هذا التقييم إلى سد الفجوة في النقاش المتزايد، حول مدى حكمة الخيارات السياسة الأميركية في البلاد.
وقال هارتونغ، إن دور الإمارات في حرب اليمن لم يحظ بالاهتمام المفروض. وأضاف، إنهم متحمسون جداً للحفاظ على صورتهم كدولة خليجية جيدة.
وقد سمحت كل من إدارتي أوباما وترامب بالتدخل في اليمن من خلال مهمتين أميركيتين منفصلتين، ولكن متشابكتين بصورة ما.
وتُعد إحدى هذه المهمات صغيرة نسبياً، وتتمثل في الوجود المتغير للطائرات الأميركية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، وقوات العمليات الخاصة، التي تستهدف المتشددين المرتبطين بشبكات الإرهاب الدولية، وغالباً ما تقوم بالتنسيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة، كما حدث في الغارة التي تمت بعد فترة وجيزة من تنصيب الرئيس دونالد ترامب.
والثانية تتمثل في الدعم الأميركي للائتلاف الإماراتي السعودي، الذي يقاتل في المقام الأول المقاتلين الحوثيين المتحالفين مع إيران، ويتمثل الدعم في توفير التزود بالوقود الجوي للطائرات القاذفة، والاستخبارات، بما في ذلك الدفاع عن الأراضي السعودية من الهجمات التي تأتي عبر الحدود.
في عهد ترامب، أذن المسؤولون بمزيد من الضربات الأميركية المضادة للإرهاب في اليمن، وبحثوا توسيع الدعم للتحالف الإماراتي السعودي رغم جرائم الحرب المزعومة.
العمليات الأكثر إثارة للجدل
يربط تقرير هارتونغ دولة الإمارات العربية المتحدة بالعديد من الجوانب الأكثر إثارة للجدل في سجل التحالف، منذ دخولها لأول مرة في اليمن، في مارس/آذار عام 2015، بدعوة من الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والمعترف بها دولياً.
ويسلط التقرير الضوء على المسؤولية الأميركية في تجهيز وتمكين دولة الإمارات العربية المتحدة من التصرف بالطريقة التي تقوم بها الآن.
ويلاحظ، على سبيل المثال، أن الإمارات العربية المتحدة تقوم بتدريب وقيادة ما لا يقل عن خمس كتائب يمنية، لا تنطوي تحت لواء حكومة البلاد، مما يضر بفرص الاستقرار على المدى الطويل.
كما أنها تسهم من خلال سفن أميركية مسلحة في الحصار الذي يفرضه الائتلاف على اليمن، الذي يقول المراقبون الدوليون إنه يحول دون وصول المساعدات إلى السكان المدنيين اليائسين، ويمنع من تسليم الرافعات التي اشترتها الولايات المتحدة بهدف المساعدة في تفريغ مواد الإغاثة في الميناء اليمني الأساسي.
ويشير التقرير أيضاً إلى ارتباط الإمارات ارتباطاً لا ينفصم بحملة القصف المفرط التي أساءت بصورة رئيسية إلى سمعة الائتلاف.
ووقفاً لما كتبه هارتونغ، فإن الإمارات أنفقت أكثر من مليار دولار منذ عام 2009 على شراء أنواع مختلفة من القنابل الأميركية الصنع، التي تستخدمها في اليمن، وتعد قواتها الجوية هي المتلقي الرئيسي للتزود بالوقود الجوي الأميركي.
لماذا تحمل السعودية العار وحدها؟
حسب شهيد فإن نتائج التقرير تجعل من الصعب تصديق الكلام الذي كان شائعاً في واشنطن، حتى بين منتقدي الحرب: أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقوم بالشيء الصحيح، وهو استهداف تنظيم القاعدة والمتشددين الآخرين، وأن انتهاكات الحملات الجوية هو خطأ من المملكة العربية السعودية.
ويقول المدافعون عن حقوق الإنسان، مثل كيت كيزر من مشروع السلام اليمني، إن الإمارات تستحق أن تنال حصتها من اللوم، لأنه من المعروف أنها تقوم بضربات جوية فوق اليمن بمساعدة وبأسلحة أميركية، ولم يوفر التحالف أي وسيلة لمعرفة ما إذا كانت القنابل التي تقتل المدنيين تم قصفها من قبل طائرات سعودية أم إماراتية.
حاولت الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس باراك أوباما أن تنأى بنفسها عن الائتلاف السعودي الإماراتي، إذ لجأت في وقت ما إلى تعليق بعض شحنات الأسلحة التي كانت من المفترض أن تتسلمها المملكة العربية السعودية. لكنها حافظت دائماً على العلاقات.
أما بالنسبة لمبيعات الأسلحة الأميركية إلى الإمارات منذ بدء الحرب، فإنها حسب هارتونج تشير بصورة واضحة لمحاولة مساعدة هذه الحليفة الأميركية في عملياتها المثيرة للجدل في اليمن.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني إلى هاف بوست، أشار هارتونغ إلى أربع صفقات رئيسية بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، تتعلق بالقنابل والصواريخ، منذ مايو/أيار لعام 2015، مضيفاً: "أقول إن هناك ارتفاعاً حاداً في الأسلحة الأميركية ذات الصلة بالحرب اليمنية منذ بدايتها".
ويتابع: "نحن لا نعرف على وجه اليقين -خاصة بعد أن رفض كل من البنتاغون والإمارات العربية المتحدة التعليق- كم من هذه الصفقات قد تم تسليمها بالفعل حتى الآن. ولكن هناك بالتأكيد نية لزيادة قدرة دولة الإمارات على إلحاق الأذى، وأن أنواع الأسلحة المعروضة مصممة خصيصاً لنوع الحرب التي تقاتلها في اليمن".
هل يعلم الأميركيون بالتعذيب الذي تمارسه الإمارات باليمن؟
ويأتي تقرير هارتونغ في الوقت الذي يواصل فيه بعض أعضاء الكونغرس الأميركي ومجتمع حقوق الإنسان تقدير الادعاءات الرئيسية بالتعذيب من قبل القوات الإماراتية والميليشيات المدعومة من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي صدرت في تقارير منفصلة من وكالة أسوشيتد برس وهيومان رايتس ووتش، في يونيو/حزيران 2017.
وأثارت التحقيقات سؤالين رئيسيين: هل كان المسؤولون الأميركيون على علم بانتهاكات حقوق الإنسان من قبل حلفائهم أو هل شاركوا فيها؟! وهل تلتزم دولة الإمارات العربية المتحدة بالقانون الدولي والأميركي بشأن معاملة المحتجزين؟
قبيل صدور هذا التقرير، أشار الخبيران القانونيان ريان غودمان وأليكس مورهيد إلى أنه في حال وجود أدلة على تعمُّد الإمارات العربية المتحدة إساءة معاملة المعتقلين، من شأن ذلك أن يعود بعواقب قانونية وخيمة على حكومة الولايات المتحدة وبعض المسؤولين ذوي الصلة.
وقد أرسل عضوا مجلس الشيوخ، السيناتور جون ماكين، من الحزب الجمهوري عن ولاية أريزونا، والذي يرأس متابعة العمليات العسكرية الأميركية، والسيناتور جاك ريد، من الحزب الديمقراطي عن ولاية رود أيلاند، العضو البارز في لجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ، إلى وزير الدفاع جيمس ماتيس، بعد صدور التقرير، وطلبا إجراء مراجعة فورية.
وصرَّح المتحدث الرسمي باسم البنتاغون، الميجور أدريان رانكين غالواي من خلال رسالة إلكترونية أرسلها إلى هاف بوست، يوم الخميس، أن البنتاغون لا يرى طائلاً من وراء هذه الادعاءات، وقد استجاب ماتيس لطلب عضوي مجلس الشيوخ.
وكتب المتحدث في رسالته "قبل إجراء أي مراسلات بين وزارة الدفاع ومجلس الشيوخ حول هذا الموضوع، أجرينا تحقيقاً مبدئياً حول العمليات والأنشطة الواردة في تقرير الأسوشيتيد برس، وعلى الأخص تلك الادعاءات التي تشير إلى بعض المسؤولين الأميركيين الذين تغاضوا أو غضوا الطرف عن الانتهاكات التي تعرض لها المعتقلون. إلا أن وزارة الدفاع الأميركية لم ولن تتسامح في إساءة معاملة المحتجزين".
وأضاف: "لم تتلق أي أسانيد موثقة تبرهن على صحة ادعاءات تقرير وكالة أسوشيتد برس للأنباء".
إلا أن المتحدث الرسمي باسم البنتاغون لم يرد على سؤال حول تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش المنفصل، والذي جاء فيه أن الإمارات العربية المتحدة تدير على الأقل منشأتين سريتين للاحتجاز، يُنقل إليهما المعتقلون من اليمن، ويعرض فيهما السجناء إلى الضرب الشديد والصعق الكهربي.
المسؤولية الأميركية؟
حتى وإن تبددت المخاوف التي تشير إلى تواجد الأميركيين أثناء حدوث انتهاكات لحقوق المعتقلين، إلا أن مخاوف المسؤولين الأميركيين لا تزال مستمرة فيما يتعلق بالتعذيب غير القانوني وغيره من الانتهاكات في شتى العمليات التي تقوم بها الإمارات العربية المتحدة في جميع أنحاء اليمن.
وهذه المخاوف يصعب إزالتها، بسبب ضعف التمثيل الدبلوماسي أو التواجد العسكري للولايات المتحدة في اليمن، لإجراء تحقيقات مع شركائها الذين قد يرتكبون مثل هذه الانتهاكات في سياقات تتشابه مع ما حدث في العراق وأفغانستان.
ويرى شهيد أن حقيقة أن استجابة ماتيس على هذا الموضوع استمرت طي الكتمان لشهور بعد الأحداث، تشير إلى الاستمرار العلني لارتباط الولايات المتحدة بهذه الاتهامات والشبهات.
وقد طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش، واتحاد الحريات المدنية الأميركي، وغيرهما من المنظمات الحقوقية الشهر الماضي، سبتمبر/أيلول 2017، كلاً من البنتاغون، ووكالة الاستخبارات المركزية، ومكتب التحقيقات الفيدرالية، بنشر بعض المراجعات التي أجروها حول اتهامات ارتكاب الإمارات العربية المتحدة لهذه الانتهاكات.
إلا أن مسؤولاً في منظمة هيومن رايتس ووتش قد صرَّح لهاف بوست، يوم الجمعة، أن المنظمة لم تحصل على أي استجابة حتى الآن.
هل تعلق الولايات المتحدة مبيعات الأسلحة؟
وقال هارتونج: "إنه أمر مشين ألا يُعلنوا أي شيء حتى الآن". كما أنه يوصي الولايات المتحدة أن تعلق مبيعات الأسلحة، وإمدادات الوقود، وكافة أشكال التعاون العسكري مع الإمارات العربية المتحدة على الفور، ريثما يتم التحقيق في اتهامات ارتكاب هذه الانتهاكات.
وكان أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بما فيهم المملكة العربية السعودية، قد وافقوا يوم الجمعة الماضي، على تدشين تحقيق مستقل من جهته حول الانتهاكات التي ارتكبتها جميع الأطراف.
وقال هارتونج: "كما هو بادٍ الآن، فإن الولايات المتحدة متورطة في جرائم حرب وفقاً لوجة نظر العديد من المنظمات المستقلة".
وأضاف: "لا يعد الأمر غير مقبول فحسب، بل يحمل نتائج عكسية تُقوض فكرة محاربة الإرهاب، ومواجهة إيران".