لم أكن أتوقع حجم القداسة التي يبديها أتباع عبد الملك لشخصيته المهترئة، ولم أكن أتوقع أيضاً أن يفتديه أحد بأبيه وأمه وروحه وكل ما يملك دفعة واحدة، فعلها شيخ جاوز العقد السادس من عمره خلال تقرير لقناة المسيرة، القناة المسيّرة من خبراء في صناعة الوهم والتدليس، من ضاحية بيروت الجنوبية.
حتى ما قبل انقلاب الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول، لم يكن عبد الملك سوى شاب مفعم بالحماس، تحركه نزعته المذهبية المقيتة، ونزوته السلالية التي ترى أحقيتها في الحكم الإلهي، وفي حكم الشعب اليمني.
أصبح الحلم حقيقة، وانتشرت الرايات البيضاء المنادية بموت الأميركان، في شوارع صنعاء، وعدد من المحافظات، إنها ثورة عارمة فتحت شهوة الانتقام، وباب الكراهية على مصراعيه، فأصبحت الثورة المزعومة، حركة تاريخية تمتد إلى اليوم الذي قُتل فيه الحسين بن علي بن أبي طالب، وأصبحت أيضاً امتداداً جغرافياً لمشروع بدأ من قُم وبغداد ودمشق وبيروت، ووصل صنعاء بعد ساعات المغرب، لقد انتصر الحوثي على هيبة الدولة، وانتصر القميص المتسخ على البدلة العسكرية والشرف العسكري، وانتصر عبد الملك على الشعب.
أجل.. انتصر على الشعب باسمهم، يوم أراد له المخلوع صالح ذلك، ويوم أرادت له أنظمة إقليمية أن يظهر بمظهر المنتصر، وهو لم يعِ بعد أنه مجرد دمية في مسرح واسع، بينما كان يظن نفسه قدّيساً.
كان المخلوع صالح يمارس قداسة من نوع آخر، يختزل الوطن في شخصه، ثم يبدأ القطيع بالهتاف لهذا الوطن المريض وافتدائه، كان يقول لهم: إن البلد بدونه سيذهب للهاوية، فيصرخون ملء حناجرهم: ما لنا إلا علي، دعاهم مؤخراً للنزول إلى ميدان السبعين ثم قال لهم إنه سيحشد الآلاف منهم للحرب، فهتفوا له كثيراً، وبين هتاف السبعين، وتقديس أتباع عبد الملك له، تجد الجاهلية، ودعواتها النتنة، طريقها للوصول إلى حيث تريد.
لا يهم ذلك أيها الشيخ العاجز، أما وقد افتديت عبد الملك بأبيك وأمك، وكل ما تملك، دعني أسألك بعض ما يعتلج في داخلي، ألا تشعر بالخزي والعار وأنت تقدم أمك وأباك فداء ليعيش عبد الملك، هذا الحوثي الذي أفسد في الأرض طولاً وعرضاً؟ ثم هل يحتاج هذا الحوثي أيضاً لكل هذه القداسة حتى يريق دماء الناس باسم الله، وآل البيت؟
علماً أن الكثير من الطغاة أراقوا دماء الملايين من الناس، لكنهم لم يحتاجوا لقداسة من أحد، كانوا مجرمين في قرارة أنفسهم، ويعرفون أن القداسة لن تضيف شيئاً لمقامهم، أمام ملايين اللعنات التي تنهال عليهم حتى بعد مماتهم، فلمَ لا يفعل الحوثي ذلك، ويحفظ لأتباعه ما بقي من احترام آبائهم وأمهاتهم لهم؟ أي غباء هذا الذي يجعل شخصاً بكل قواه العقلية يصفق لمجنون؟! إنه زمن لم نرَه من قبل.
وبينما كان هذا الرجل يصيح بنبرة عالية، من إحدى مناطق صنعاء، ويقدم نفسه ووالديه فداء للسيد، كان الشاب محمد السامي في مدينة تعز، لا يزال يعاني من صدمة فقد والديه دفعة واحدة قبل أشهر، جراء قذيفة ملعونة أطلقها أتباع عبد الملك وصالح على منزله ليلاً، لتضفي ظلاماً مضاعفاً لظلام الليل المخيّم على تفاصيل المدينة المقاومة.
ما الذي حملك على ما صنعت لتهتف بحياة والديك فداء للكهنوت، وقد ابيضت لحيتك، ووهن عظمك؟! هل تعلم أن عبد الملك وعصابته لم يكونوا شيئاً مذكوراً، لولا عصابة صالح التي دفعت بمراهقته إلى الواجهة ليتصدر المشهد المأساوي؟ وهل تعلم أن هذا المعتوه لا يمتلك حتى شخصية مستقلة تجعله يبتعد عن تقليد حسن نصر الله في خطاباته التي تخلو من حرف القاف؟ وهل تعلم أن هذا الحوثي الذي يدفع بكم لقتال اليمنيين، لم يزُر جبهة قتال واحدة مذ أعلن الحرب، ولا يعرفه معظم أنصاره إلا عبر خطاباته من وراء حجاب؟ وهل تعلم أن عبد الملك لا يزال مختبئاً في جحره، بينما يزج بأتباعه وأنت أحدهم إلى مصارعهم؟
وإذا كان عبد الملك نكرة لم يصبح معرّفة إلا من خلال سجله الإجرامي على امتداد اليمن الحزين، وبارع في القتل والتدمير كحليفه صالح، ومأجور لا يمتلك حتى قراره، هل يستحق أن تفتديه بأبيك وأمك وكل ما تملك؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.