"إن سمحوا لي بقيادة السيارة، فهذا يعد إنجازاً".. بهذه الكلمات، قللت شابة سعودية من التفاؤل بشأن قرار سلطات بلادها السماح للنساء بقيادة السيارات.
تقول عبير أبو طالب، التي تعمل في مجال العلاقات العامة، إن الأمر كله "بيد الأهل أو الزوج"، وفي حال رفضهم، فلن يتغير شيء.
أبو طالب، ليست إلا واحدة من العديد من السعوديات اللاتي يخشين ألا يتغير واقع حياتهن بعد القرار، وذلك في حال رفض أسرهن قيادة السيارة؛ خشية تعرضهن للتحرش، أو الحوادث المرورية التي تزداد وتيرتها في المملكة.
وكان الملك سلمان بن عبد العزيز قد سمح، الثلاثاء 27 سبتمبر/أيلول 2017، للنساء في السعودية بقيادة السيارة بدءاً من العام القادم، عبر إصداره قراراً بتطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة ، على الذكور والإناث على حد سواء.
ولقي القرار، الذي وُصف بالتاريخي، ترحيباً محلياً دولياً واسعاً، كما ثمنت هيئة كبار العلماء قرار الملك، الذي "يتوخى مصلحة بلاده وشعبه في ضوء ما تقرره الشريعة الإسلامية".
إلا أن عبير تقول لـ"عربي بوست"، إن العديد من الفتيات لا يزلن تحت وصاية أسرهن وأزواجهن، ولا يمكن لهن كسر تلك الوصاية وقيادة السيارة بتلك السهولة.
وأضافت أنه على الرغم من الخطوات التي تبديها الحكومة السعودية لتحرير المرأة من القيود الاجتماعية، إلا فإن "الوقت لا يزال مبكراً جداً للجلوس خلف مقود السيارة"، فحتى لوسمحت الأسرة أو الزوج للمرأة بقيادة السيارة، فإنها ستواجه الأهوال بمجرد ركوب السيارة، والانطلاق بها في الشوارع السعودية، حسب تعبيرها.
وتتوقع أن يطارد المتحرشون بسياراتهم النساء، وقد تتعرض بعض السيدات لحوادث مميتة، إذا حاول البعض إيذاءهن، حسب قولها.
وأردفت قائلة: "نعم.. لا يزال الوقت مبكراً".
هل تصدُر قوانين لحماية المرأة وهي خلف مقود السيارة؟
وتضمَّن الأمر الملكي بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، دراسة الترتيبات اللازمة لإنفاذ تلك الخطوة.
ونَص القرار على أن تُشكل لجنة على مستوى عالٍ من وزارات: (الداخلية، والمالية، والعمل والتنمية الاجتماعية)؛ لدراسة الترتيبات اللازمة لإنفاذ ذلك، وعلى اللجنة الرفع بتوصياتها خلال 30 يوماً من تاريخه، ويكون التنفيذ اعتباراً من 24 يونيو/حزيران 2018، ووفق الضوابط الشرعية والنظامية المعتمدة، وإكمال ما يلزم بموجبه.
قد يفسر العديد من القانونيين مصطلح الترتيبات اللازمة لقيادة المرأة للسيارة بالسعودية، والتي وردت في نص القرار، بأنها القوانين التي تحمي المرأة في أثناء قيادتها، فلا بد من وجود قوانين رادعة للمتحرشين على سبيل المثال، أو التشدد في تطبيق الإرشادات المرورية التي تكفل سلامة الجميع.
وهو الأمر الذي يؤكده المحامي السعودي سعيد زهران، حين قال لـ"عربي بوست"، إنه في حال عدم وجود قوانين تحمي المرأة في أثناء قيادتها من المتحرشين، أو التهاون في تطبيق القواعد المرورية، فلا بد من "الاستعداد لسماع قصص مُحزنة عن الحوادث البشعة التي ستودي بحياتهن"، حسب قوله.
وأضاف أنه في هذه الحال، من حق الأسرة أو الزوج رفض قيادة المرأة للسيارة؛ خوفاً عليها من العواقب.
وقال إنه لا تزال البيئة السعودية "غير مهيّأة تماماً" لقيادة المرأة للسيارة، ولا بد من تطبيق هذا القرار بشكل تدريجي؛ حتى يطمئن الجميع بأن الأمور ستكون على ما يرام، فحتى إن السائقين الرجال سيفزعون عند مشاهدة فتاة تقود سيارتها بجانب أحدهم في الطريق؛ خشية تعرضه لحادث جراء خبرتها المحدودة بكيفية التصرف في الشوارع والطرق العامة.
من هم الأكثر فرحاً؟
ينظر العديد من السعوديين إلى قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة بأنه مظهر من مظاهر التغريب والترف، خاصة أن كثيراً من العائلات السعودية من ذوي الدخل المتوسط والأقل ينتمون إلى المحافظة والتدين.
إلا أن النخب الثرية والطبقات البرجوازية هم الأكثر استفادة من السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارات؛ لكونهم اعتادوا مواكبة حياة المجتمعات الأكثر تحرُّراً، وتبني أسلوب حياة مختلف.
وبينما تتوقع رانيا السعداوي ألا تتمكن صديقاتها من قيادة السيارة للأسباب السالف ذكرها، إلا أنها هي شخصياً إحدى الفتيات التي تنتمي إلى الطبقة الميسورة، وهي سعيدة بهذا القرار، حيث إنها موعودة بشراء سيارة فارهة بمجرد سريان الأمر الملكي.
وتؤكد رانيا السعداوي أنها تمتلك سيارة رياضية فارهة بمدينة دبي، التي تقضي فيها عدة شهور بالسنة.
إلا أن الفرحة بهذا القرار التاريخي دفعت والدها للتعهد بشراء سيارة أخرى لها من طراز فارهٍ.
وقالت السعداوي لـ"عربي بوست"، إن الأمر بالنسبة لأسرتها يبدو طبيعياً، وقد "حان الوقت لكي نقود سيارتنا بأنفسنا، ولا حاجة لنا للاعتماد على السائق".
أما الحديث عن المخاطر التي قد تتعرض لها الفتاة جراء قيادتها للسيارة، فإنها علَّقت عليها قائلةً إنه من المفترض أن الدولة "توفر الحماية الكافية لنا"، حسب قولها.