قبل ساعات من بدء عملية استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق، تترقب نسبة كبيرة من الأكراد هذه الخطوة التاريخية، التي يرون أنها جاءت بعد نضال استمر لعقود من أجل تقرير مصيرهم.
وفي المقابل، يترقب جيران الأكراد بقلق إجراء الاستفتاء المقرر الإثنين 25 سبتمبر/أيلول 2017، الذين حذروا من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تفكك العراق وربما تضر بقضيتهم(الأكراد) بدلاً من دعمها.
ويتحدى الأكراد مثل زعيمهم مسعود بارزاني، الرئيس الفعلي لإقليم كردستان، الحليف والعدو على حد سواء في هذه الخطوة، في وقت لا يهتمّ كثيرون من مؤيدي الاستفتاء بمخاوف الجيران أو المخاطر الشديدة التي تنبع من الجغرافيا السياسية الإقليمية، وعلى ما يبدو أنهم يشكلون أغلبية كبيرة في كردستان، وتبدو وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن النتيجة محسومة.
ويضع الكثيرون دعمهم في إطار قومي ضيق يتعلق بضرورة الانفصال عن الحكومة المركزية العراقية، وعن العرب عامة.
وتُعارض الحكومة المركزية العراقية الاستفتاء بشدة. وقد دعا البرلمان العراقي، هذا الأسبوع، العبادي لبذل كل ما في وسعه لوقف الاستفتاء، وصوَّتوا لصالح إقالة محافظ كركوك المتنازع عليها والمؤيِّد للانفصال، وذلك على خلفية قراره بالمشاركة في الاستفتاء.
وقد انعقد البرلمان الكردي لأوَّل مرة منذ عامين للتصويت لصالح الاستفتاء. وبقيادة الحزبين الرئيسيَّين والمتنافسين في الإقليم، وحظيت هذه الخُطوة بموافقة أغلبية ساحقة الجمعة 15 سبتمبر/أيلول.
وقال صالح حرمي، وهو مؤيد للاستفتاء من مدينة دهوك بإقليم كردستان، "قد يستغرق الأمر بعض الوقت لوقف ذلك. إن الناس بحاجة إلى تهدئة هذا الحديث قبل فوات الأوان".
فيما قال سيف زرار (30 عاماً) الذي يعمل في مجال الكهرباء للغارديان، "إن 25 سبتمبر/أيلول يعني بالنسبة لي نهاية الهجمات الكيميائية، ونهاية الفرار من ديارنا ونهاية استلام 30٪ من أجورنا فقط. حتى صدام لم يتوقف عن دفع أجورنا، رغم ما فعله بنا. لدي الكثير من الأصدقاء العرب، ولكن ما يفعله الساسة بالأكراد غير عادل. دعونا ننتهي من هذا ونمضي في حياتنا بشكل منفصل".
لكن زهير وهو موظف كبير في الحكومة الكردية، فيقول للغارديان متحدثاً عن نظام صدام حسين "قتلوا 11 فرداً من عائلتي، من بينهم والدي. كان عمري شهراً واحداً في ذلك الوقت. كيف يمكنني أن أعتبرهم إخوتي؟ إنهم يكرهوننا وليس لدينا شيء مشترك معهم".
تركيا تتخذ خطوات أمنية
وجدّدت تركيا التي بها أكبر عدد من السكان الأكراد في المنطقة، الأحد 24 سبتمبر/أيلول 2017، رفضها استفتاء الإقليم الكردي في العراق، قائلة على لسان المتحدث باسم الحكومة: "الدولة التركية تطالب بإلغاء الاستفتاء وليس تأجيله، لأن التأجيل يعني الرضا بإجرائه في وقت لاحق، ونحن لسنا راضين عن ذلك".
وقالت تركيا السبت 23 سبتمبر/أيلول 2017، إنها ستتخذ خطوات أمنية وخطوات أخرى رداً على الاستفتاء المزمع على الانفصال في المنطقة الكردية بشمال العراق الذي وصفته "بالخطأ الجسيم".
كما صوّت البرلمان التركي على تمديد تفويض بنشر قوات تركية في العراق وسوريا.
وردد محمد حسن (80 عاماً)، الذي كان يجلس في مكان قريب، صدى مشاعر لاقت قبولاً واسعاً في الشمال الكردي مع اقتراب الاستفتاء، وهي أن المعارضة الشديدة من أصدقاء المنطقة كانت بمثابة خيانة.
وقال للغارديان: "لقد فوجئنا جداً بهذا. الجميع تفاجأوا. لم نكن نعتقد أن الولايات المتحدة وبريطانيا ستكونان بهذا القدر من العدائية".
السفارة الأميركية تحذر
وقد حذرت واشنطن ولندن بالإضافة إلى باريس وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، من أن الاقتراع قد يكون له تأثير مزعزع للاستقرار في منطقة متقلبة بالفعل.
وحذرت السفارة الأميركية في العراق، الأحد 24 سبتمبر/أيلول 2017، رعاياها الأميركيين من اضطرابات محتملة أثناء عملية الاستفتاء على انفصال الإقليم الكردي شمالي العراق الإثنين.
وذكرت السفارة، في بيان لها، أنها تحذر المواطنين الأميركيين في العراق من أنه قد تكون هناك اضطرابات، في حال قامت حكومة الإقليم بإجراء الاستفتاء.
ولا تزال واشنطن ولندن تساندان وحدة "عراق ما بعد صدام"، تلك الوحدة التي لم تتمكن من تثبيت أقدامها في مواجهة الرعاة الإقليميين في السنوات الـ14 الماضية. وكادت كل من بغداد وأربيل أن تسقطا في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في أغسطس/آب 2014، مما يفضح الخلل الحاد في كلتا الحكومتين. وقد أسفرت السنوات الثلاث المؤلمة منذ ذلك الحين عن استعادة السلطة جزئياً في كلتا العاصمتين وأدت إلى تعزيز قواعد القوة الخاصة بكل منهما.
وقال براوا هاجر(28 عاماً) إن الإدانة الدولية ليست مفاجأة، ويمكن التغلب عليها.
وأضاف "من الطبيعي أن تكون هناك ردود فعل سلبية من تركيا وإيران وبغداد. نفس الشيء حدث مع كل دولة فى العالم سعت إلى الاستقلال فى البداية. لن نتخلى أبداً عن كركوك بأي ثمن، وأنا على استعداد لحمل السلاح للدفاع عن كردستان ضد أي تهديد من أي شخص".
كركوك موطن النزاع
إن القتال ضد داعش، الذي هُزم فيه تقريباً بجميع أنحاء العراق، أعطى لبارزاني قوة للدفاع عن الانفصال- قضية حياته وحياة والده مصطفى، وهو شخصية جليلة في الشمال الكردي الذي تمتع بالحكم الذاتي الجزئي في سنوات ما بعد صدام.
كما دفع بغداد إلى معارضة مثل هذه الخطوة بكل قوة، لما ستسفر عنه من زيادة تعقيد الصفقات المتعلقة بالعائدات وتقاسم النفط ويعرض مستقبل مدينة كركوك الغنية بالنفط، التي يطالب بها الأكراد والعرب على السواء، إلى الخطر، بعد أن أدرج في الاستفتاء على نحو مثير للجدل.
وفي إشارة إلى النزاع حول الحكم الذاتي الكردستاني بين بغداد وأربيل ، قال إياد جبرائيل (53 عاماً)، "كركوك هي مدينة الأكراد والتركمان، وكان الملا مصطفى برزاني مضطراً إلى الحرب فيها في 1974. الناس في أربيل عاشوا معاً. الناس في كردستان لا يفرقون بين الأكراد والتركمان والعرب. لطالما عشنا في سلام معاً. الآن من حقنا الطبيعي أن نطالب بكردستان مستقلة".
وقال عبد الرزاق خضر (60 عاماً)، وهو تركماني وصاحب متجر كباب تديره أسرته منذ الثلاثينيات "لقد عانى الناس في كردستان من مملكة العراق ومن نظام البعث والآن من هذه الحكومة في بغداد".
وأضاف "لقد حان الوقت لإجراء الاستفتاء لأن المجتمع الدولي والغرب يعرفان كردستان الآن، بينما في الماضي لم يكن أحد يعرف مكانها على الخريطة".
ورداً على التكهنات باستجابة بارزاني لتأجيل الاستفتاء فى اللحظة الأخيرة، قال إن ضمانات دولية ذات جدول زمني وجدول أعمال محددين فقط هي ما قد يبرر مثل هذه الخطوة. وأضاف، في إشارة إلى الاتفاق السري الذي جرى عام 1916 بين القوى العظمى لتحديد مناطق النفوذ في المنطقة، "لا يمكن أن يكون لدينا سايكس بيكو أخرى تعدنا بشيء وتفعل شيئاً مختلفاً في الصباح التالي".
وتوجّه السبت 23 سبتمبر/أيلول 2017 وفدٌ من حكومة إقليم كردستان إلى بغداد، لإجراء حوار مع الحكومة العراقية بالتزامن مع الاستفتاء المقرر على انفصال الإقليم.
وقال هوشيار زيباري، أحد كبار مستشاري زعيم إقليم كردستان مسعود بارزاني لرويترز، إن الوفد سيناقش عملية الاستفتاء لكن الاستفتاء سيمضي قدماً، مضيفاً أن المحادثات مع بغداد ستجري قبل الاستفتاء وخلاله وبعده.
وبعيداً عن آمال الشارع الكردي، فهناك قلق دولي واسع ومتصاعد من أن يبدو اليوم التالي للاستفتاء مختلفاً جداً، كما قال أحد المحللين البارزين، "ليس في الشكليات، ولكن بالتأكيد في الأمور الملموسة".
وقد عبَّر المبعوثون الغربيون عن قلقِهم من إمكانية إضرار الاستفتاء بمحاولة إعادة انتخاب حيدر العبادي رئيساً للوزراء في العراق، وأيضاً إمكانية أن يزيد قدرة إيران على دعم مرشحٍ أكثر عداءً للولايات المتحدة وحكومة إقليم كردستان.