أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي الخلاف مع كافة الأطراف الأخرى الفاعلة في الشرق الأوسط، الأسبوع الماضي، بعد أن أصدر بياناً يؤيد خطة الأكراد العراقيين بشأن إجراء استفتاء حول استقلالهم.
وتفرَّدت إسرائيل بالتصريح علناً عن دعمها لإقامة دولة مستقلة للأكراد، في حين يرى محللون ومسؤولون أن هناك اعتبارات أمنية تملي موقفها هذا، بينها إقامة جبهة ضد "التطرف الإسلامي"، وفق تقرير سابق لعربي بوست.
وقد وجد نتنياهو، الذي لم يؤيد إجراء الاستفتاء فحسب بل أيد أيضاً إقامة دولة كردية، سبباً استراتيجياً وجيها للقيام بذلك، حيث يمكن أن تساعد كردستان المستقلة إسرائيل في حربها ضد إيران، التي تمارس أشد أساليب القمع ضد مواطنيها من الأكراد.
ومع ذلك، بحكم التاريخ المتداخل والمشاعر المشتركة التي ينطوي عليها البيان، فإن السياسة الحالية قد تبدو غير ذات صلة، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
ويتضح أن علاقة الأكراد واليهود تمتد لعصور طويلة سابقة.
وترجع العلاقة في الواقع إلى ما قبل السبي البابلي. ويذكر التاريخ أن اليهود الأوائل في كردستان كانوا من بين قبائل إسرائيل الأخيرة التي تم ترحيلها من أراضيها في القرن الثامن قبل الميلاد. وقد أعجبها المكان هناك إلى حد كبير، حتى أن العديد من تلك القبائل فضّل البقاء في تلك المنطقة حينما غزا سيروس العظيم إمبراطور الفرس بابل وسمح لليهود بالعودة إلى أراضيهم.
وبعد مُضيّ 16 قرناً من الزمان، تعامل صلاح الدين، وهو من الأكراد، مع اليهود معاملة إنسانية بعد أن فتح القدس واستعان بطبيب يهودي يُدعى ميمونيدز ليكون طبيبه الخاص.
وفي العصر الحديث، رحلت حشود اليهود الأكراد إلى إسرائيل بعد إقامة الدولة اليهودية عام 1948، تاركةً المجتمع المدني الكردي يعاني الحرمان الشديد حتى أن بعض القادة ظلوا يندبون الهجرة اليهودية لعقود لاحقة.
لم تصبح العلاقة بين الدولتين أكثر دفئاً وحيوية إلا منذ الستينيات من القرن الماضي، حيث سارع كل من إسرائيل والأكراد إلى نجدة الآخر مراراً وتكراراً. وقد حاكى الأكراد جهود حشد التأييد في واشنطن على غرار الجهود التي تبذلها إسرائيل.
ورغم أن القادة الأكراد لم يتبنوا سياسة إسرائيل بصورة علنية خلال الفترة السابقة للاستفتاء خشية معاداة العالم العربي، إلا أنه يمكن رؤية العلم الإسرائيلي مرفوعاً خلال الحشود والتجمعات الكردية في أربيل وأنحاء أوروبا.
أسباب استقلال كردستان
ويحظى الأكراد بأصدقاء ومؤيدين في أنحاء إسرائيل، ومن بينهم 200 ألف يهودي كردي. ومع ذلك، يرى الجنرال المتقاعد تسوري ساجي البالغ من العمر 83 عاماً أن هناك أسباباً أكثر وجاهةً لرغبته في استقلال كردستان.
في شتاء 1966، قام قادة ساجي بإرساله في مهمة سرية عبر إيران، حليفة إسرائيل في ذلك الحين، لمساعدة الملا مصطفى برزاني ومتمردي البيشمركة التابعين له في كردستان العراقية. وكانت 6 سرايا عسكرية عراقية تستعد لسحق الأكراد حين يذوب الجليد. وشدد ساجي دفاعات مقاتلي برزاني المسلحين تسليحاً خفيفاً. وحينما انهارت تلك الدفاعات، نصح ساجي الأكراد بالسماح لأفضل السرايا العراقية بالمرور من أجل الوقوع في الفخ.
تم سحق السرية العراقية البالغ قوامها 5000 مقاتل، وأصبحت المعركة علامة فاصلة في التاريخ الكردي. وذكر ساجي أن ضباطاً عراقيين كانوا يفرون في سيارتين جيب ويلوحون بالأعلام البيضاء.
وعلى مدار السنوات، كان الأطباء الإسرائيليون يقيمون مستشفيات ميدانية للأكراد وقام جنودهم بتدريب مقاتلي البيشمركة بينما قدم لهم الموساد السلاح.
وبعد انتصار إسرائيل على جيرانها العرب عام 1967 والانقلاب الذي قام به البعثيون في العراق في العام التالي، أصبح العراق غير مرحب بمواطنيه من اليهود. وجاء دور بارزاني لتقديم المساعدة.
في أعقاب شنق 9 من اليهود في ميدان التحرير بالعاصمة بغداد عام 1969، سعى اليهود العراقيون إلى الفرار. وقدم الأكراد المساعدة لنحو 1000 منهم للفرار براً عبر إيران واستقلال الطائرات من هناك إلى إسرائيل.
وذكر أوفرا بينجيو، المؤرخ الكردي البارز والأستاذ الشرفي بمركز موشي ديان التابع لجامعة تل أبيب "كانوا يفرون على ظهور الحمير عبر الجبال".
وكان زامير شيمتوف البالغ من العمر 63 عاماً من بين الفارين ويعمل في الوقت الحالي طبيب أسنان في هيرزليا. وكان شيمتوف مراهقاً عام 1970 حينما حاول أفراد أسرته للمرة الأولى الفرار من العراق، ولكن تم اعتقالهم لمدة شهر، ثم حاولوا مرة أخرى، إلا أنه تم ابتزازهم في هذه المرة وسرقتهم واعتقالهم على يد الجيش وإعادتهم إلى بغداد، حيث تم استجواب والده بصورة وحشية، بحسب ما أورده شيمتوف.
وبعد إطلاق سراحهم في غضون شهرين، حاولوا الفرار للمرة الثالثة. وفي تلك المرة، أوصلهم سائق سيارة أجرة كردي إلى نقطة تجمع آمنة، حيث صحبهم مقاتل كردي في سيارته الجيب وعبر بهم الحدود إلى إيران.
بارزاني والساعة الذهبية
وذكر شيمتوف أنه بالقرب من نهاية الرحلة، عرض والده على المقاتل ساعته الذهبية تقديراً له على جهوده.
وذكر شيمتوف أن "الشاب أجاب قائلاً إنه مسعود بارزاني، ابن الملا بارزاني، وأن الملا إذا علم بأنني قبلت الساعة سيقوم بإعدامي. وكل ما أطلبه هو أن تذكرونا جيداً في المستقبل".
وبعد سنوات قليلة، خلف الشاب مسعود بارزاني والده كرئيس للحزب الديمقراطي الكردستاني. ومنذ 2005، أصبح رئيساً لكردستان العراق.
وذكر ساجي، الذي عاد لمساعدة البيشمركة ضد العراق عام 1974، أنه انتقل من مكان لآخر في كردستان خلال تلك السنوات، حيث تظاهر بأنه صحفي بريطاني. وقال: "كنت أزعج الأكراد في بعض الأوقات وأذكر أموراً سلبية عن إسرائيل. وكان ذلك يزعجهم للغاية. وكانوا يقولون إن الإسرائيليين واليهود هم أفضل شعوب المنطقة".
وذكر ساجي أن تلك المشاعر أثارت لديه شعوراً متبادلاً "فأصبحت كردياً وطنياً".
لم يكن وحده في ذلك. وتقول الرواية إن الجنود الإسرائيليين وعملاء الموساد بكوا حينما خدع شاه إيران الأكراد بالتوقيع على اتفاق الجزائر مع العراق، وهو الاتفاق الذي أدى إلى صدور قرار 1975 بشأن تسوية النزاع الحدودي الذي أنهى التمرد الكردي وأجبر البيشمركة على التراجع والانسحاب إلى داخل إيران.
واليوم، تتسع فجوة العزلة التي يعاني منها الأكراد بينما يتخذون خطوة يأملون بأن تحقق لهم حلمهم الوطني في إقامة دولة مستقلة.
ويعارض العراقيون إجراء الاستفتاء الكردي لأنهم يريدون الحفاظ على وحدة بلادهم. وتخشى إيران وتركيا من تصاعد الطموحات الانفصالية بين الأقليات الكردية لدى البلدين. ويخشى التحالف الدولي، بالإضافة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من أن يؤدي الاستفتاء إلى وقف الجهود العسكرية التي تستهدف القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ومع ذلك، يرى الخبراء أن نتنياهو ليس لديه ما يخسره جراء تأييد الاستفتاء.
وعلاوة على ذلك، تستهدف إسرائيل كسب حليف قوي محتمل في صراعها مع إيران.
وقال: "هناك علاقات وثيقة بين الأكراد العراقيين والإيرانيين. وتتمثل إحدى سبل خلق المتاعب لإيران في تشجيع الأكراد الإيرانيين على الاستقلال. ويشعر الإيرانيون بالذعر الشديد من أن تفعل إسرائيل ذلك، وأن تصبح كردستان المستقلة قاعدة للعمليات الإسرائيلية ضد إيران، اعتماداً على الأكراد الإيرانيين".
وقال بيتر جالبريث، الدبلوماسي السابق ذو الخبرة الواسعة في الشأن الكردستاني إنه بينما تتمثل سياسة الولايات المتحدة في محاولة الحفاظ على كيان عراقي موحّد، يتصرف الإسرائيليون بصورة أكثر عملية. "لماذا نفقد كل العراق، بينما يمكننا الحفاظ على جزء منه؟".
ورغم ذلك، يبدو أن المحللين والمواطنين الإسرائيليين يعتمدون على المناقشات الأخلاقية والعاطفية لدعم الأكراد، على غرار شيمتوف، طبيب الأسنان المولود في العراق.
وقال: "بلدانا حاربا ضد كل الأعداء حينما كان المحيطون بنا يريدون تدميرنا. وأرى أنه لو أن هناك أيَّ بريق أمل في الإسلام، فهو الأكراد". وأوضح أنه مدين لهم بحياته.
وأضاف: "لقد أنقذونا. وأحلم الآن بأن ينالوا الاستقلال وأن أذهب إلى إربيل وأحيي العلم أثناء عزف النشيد الوطني الكردي".