من المتوقع أن يصوّت أكراد العراق يوم الاثنين المقبل لصالح مساعي الاستقلال التي تخشي الدول المجاورة والقوى الغربية من أن تقسم البلاد وتشعل شرارة صراع عرقي وطائفي أكبر في المنطقة.
ويزيّن العلم الكردي بألوانه الأحمر والأبيض والأخضر تتوسّطه شمس ذهبية متوهجة السيارات والمباني في أنحاء المنطقة الكردية التي تتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق. وتقول لوحات "حان الوقت-نعم لكردستان الحرة".
ورفض مسعود البرزاني رئيس كردستان العراق منذ 2005 جهود الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا لتأجيل الاستفتاء. كما تجري تركيا مناورات عسكرية على الحدود مع العراق للتأكيد على مخاوفها من أن انفصال أكراد العراق قد يغذي التمرد على أراضيها.
وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، الجمعة 22 سبتمبر/أيلول، في تصريحات بثها التلفزيون إن الاستفتاء يمثل تهديداً للأمن القومي التركي، وإن أنقرة "ستفعل ما يلزم" لحماية نفسها. لكنه لم يسهب.
لكن هوشيار زيباري، وهو مستشار كبير للبارزاني، قال لرويترز: "تلك هي الخطوات الأخيرة من السباق النهائي وبعدها لن نتزحزح".
ورغم أنه غير ملزم، يرى كثير من الأكراد في الاستفتاء فرصة تاريخية لتقرير المصير بعد قرن من اتفاقية سايكس-بيكو التي رُسمت فيها بريطانيا وفرنسا الحدود في الشرق الأوسط ووزعت 30 مليون كردي بين إيران وتركيا وسوريا والعراق.
وقال زيباري إن تأجيل الاستفتاء دون ضمانات بإمكانية إجرائه على أساس ملزم بعد التفاوض مع بغداد سيكون "انتحاراً سياسياً للقيادة الكردية ولحلم الاستقلال الكردي".
وتابع أنها "فرصة قد لا تسنح لجيلي مرة أخرى".
ويهدد الاستفتاء بتفجير صراع عرقي في مدينة كركوك الغنية بالنفط التي تقع خارج الحدود المعترف بها لمنطقة كردستان وتطالب بغداد بالسيادة عليها. وتضم المدينة عربا وتركمانا لكن الأكراد يمثلون غالبية السكان.
ولطالما أعلنت تركيا عن مسؤولية خاصة في حماية التركمان. وبعض التركمان العراقيين شيعة وينتمون لأحزاب سياسية قريبة من إيران.
وقال زيباري: "نتوقع متاعب ممن يعارضون الاستفتاء، لكننا مصرّون على عدم التورّط في أي عنف. لا نريد أن نعطيهم ذريعة للتدخل أو التشكيك في صحة التصويت".
كركوك والنفط
تسببت التوترات بين حكومة كردستان وبغداد في تجميد إيرادات النفط التي يعتبرها الأكراد الدعامة الأساسية لدولتهم المستقبلية. ويتهم الأكراد منذ فترة طويلة بغداد بوقف مدفوعات الميزانية المخصصة للمنطقة بينما رفضت بغداد صفقات النفط التي أبرمها الأكراد دون موافقتها.
وقد يهدد صراع إقليمي إمدادات النفط من الحقول الواقعة في كردستان وفي شمال العراق والتي ينقلها خط أنابيب عبر تركيا إلى الأسواق العالمية.
وقتل كردي واحد على الأقل في اشتباكات وقعت قبل الاستفتاء في كركوك ونصبت نقاط التفتيش الأمنية في أنحاء المدينة للحيلولة دون وقوع المزيد من أعمال العنف.
وتخشى الحكومة المركزية في بغداد وجيران العراق وقوى غربية من أن يقسم التصويت البلاد التي شهدت صراعاً عرقياً وطائفياً مدمراً منذ الغزو الأميركي في 2003 للإطاحة بصدام حسين.
كما يمكن أن يقوّض جهوداً يتعاون فيها العرب والأكراد لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية الذي لا يزال يتحصن قرب كركوك ويعمل عبر الحدود مع سوريا بعد طرده من معقله في مدينة الموصل شمال العراق.
وأي صراع حول كردستان العراق ستكون له تداعياته في أنحاء الشرق الأوسط لاسيما في سوريا وتركيا وإيران. واتفقت أنقرة وبغداد وطهران أمس الخميس على إجراءات لمواجهة الخطط الكردية.
كما هدّدت تركيا التي ترتبط بعلاقات تجارية وسياسية وثيقة مع الإقليم خاصة في مجال الطاقة بفرض عقوبات.
وأدانت الولايات المتحدة الاستفتاء ووصفته بأنه "استفزازي ويقوض الاستقرار" وحثت على استئناف المفاوضات. جاء هذا بعد أسبوع من التراشق اللفظي بين القيادة الكردية وبغداد حيث صوت البرلمان على رفض الاستفتاء.
والمزاج العام يبدو مواتياً للاستفتاء لكن كثيرين خاصة من غير الأكراد قالوا لرويترز إنهم يشكون في حكمة إجراء التصويت في الوقت الراهن.
وقالت كريمة عطية وهي عجوز عربية عاشت كل حياتها في كركوك "عشنا دوما في سلام ولا نريد مشاكل.. لا أؤيد الاستفتاء".
وتساور البعض مخاوف من أن الاستفتاء قد يقوي شوكة نخبة سياسية مترسخة في منطقة عانت طويلاً من الانقسام السياسي. ومثل البارزاني قوة عاتية لأكثر من عقدين أفلت فيهما الشمال من الاضطرابات التي طالت معظم أرجاء العراق.
ويشير آخرون إلى فجوة بين الأجيال.
وعانت الأجيال الكبيرة من أكراد العراق من حملة الأنفال التي نفذها صدام حسين في الثمانينات وتريد أن تقطف ثمار كفاحها من أجل الاستقلال الوطني.
يقول محمد وهو باحث في السليمانية في الثلاثينات من عمره: "يعتقد (أباؤنا وأمهاتنا) أن عدم التصويت بنعم خيانة.. قتل أبناؤهم وأقاربهم على يد حكومة بغداد في الماضي ويرون في الاستفتاء نوعاً من الثأر".
ويحق لأكثر من 5.2 مليون شخص التصويت في الاستفتاء.