فضل وبركة حمل المكنسة للعارفين

استلقيت آخر اليوم أمام التلفاز مثقلة بإرهاق اليوم باحثةً عن ترفيه في المستوى، منقّبةً عما يثير فضولي ويستهويني منتقلةً بالريموت كنترول من قناة لقناة حتى استوقفني فيلم لجينفر لورانس في إحدى الفضائيات الأجنبية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/18 الساعة 02:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/18 الساعة 02:51 بتوقيت غرينتش

استلقيت آخر اليوم أمام التلفاز مثقلة بإرهاق اليوم باحثةً عن ترفيه في المستوى، منقّبةً عما يثير فضولي ويستهويني منتقلةً بالريموت كنترول من قناة لقناة حتى استوقفني فيلم لجينفر لورانس في إحدى الفضائيات الأجنبية.

لطالما سحرتني الموهبة التمثيلية الفذة لهذه الممثلة، أداؤها أسرَ استحواذي، فالبرغم من يفاعة سنها استطاعت أن تحجز لنفسها مكانة مرموقة في هوليوود، وتصبح من أغلى الممثلات أجراً في العالم.

أضافت هذه الجميلة أداء شغوفاً وعبقرياً لسجلها بتقمصها لدور جوي المقتبس من السيرة الذاتية "لجوي مانغانو" سيدة أعمال أميركية صنديدة، استطاعت أن تجتث نفسها من مرارة تجربة زواج فاشلة وفقر مدقع عبر اختراعها لمكنسة مبتكرة غزت كل البيوت الأميركية، ويسرت حياة الكثير من النساء.

قصة نجاح بدأت من الصفر لامرأة واجهت الكثير من العقبات والإحباطات بسبب وضعها الاجتماعي، واستطاعت أن تكنس حياتها من كل السلبيات، وتصبح مبتكراتها مضرب المثل لنجاح امرأة أميركية من عائلة متوسطة، أو أقل في مواجهة ظروف تنافس السوق.

وأنا أشاهد الفيلم وصلتني نوتيفيكايشن على الفيسبوك، كان لا بد أن أتفحصها لتقع عيني على عنوان مقال استرعى اهتمامي، قرأت هذا المقال الذي كان مفاده أن مجموعة من المهاجرين، منهم مهاجرون من دول إفريقية جنوب الصحراء، يكنسون أرصفة روما، كاتبين على قطع صغيرة من الورق المقوى عبارة "أحاول الاندماج في مجتمعكم بتنظيف شوارعنا"، وإلى جوارها كوب ورقي لتبرعات من يقدرون هذه المبادرة من أهل روما.

هذا العمل يمكنهم من الحصول على عشر يوروات مقابل ثلاثين يورو كانوا يجنونها من التسول.

وضعت الهاتف من يدي، أغمضت عيني لأغفو دون أن أحس، رأيتني أكنس بيتنا ليلاً ثم استيقظت من غفوتي على نغمات موسيقى الجينيريك باحثة عن هاتفي؛ لأستفسر من جوجل عن حلمي الغريب، هذا الأخير تفنن في الإجابة، تفسير حلم كنس البيت للعزباء، كنس البيت ليلاً نذير شؤم، حمل الصبي للمكنسة وكنسه يجلب الضيوف.. إلخ.

أبدعنا في إنتاج إجابات لتفسير أحلامنا، تفننا في توسيع دائرة كل ما يمكن أن يكون نذير شؤم، عرقلنا طريق نجاحنا بطفيليات فكرية أكل عليها الدهر وشرب، ونسينا أننا بنهي الصبي عن حمل المكنسة خوفاً من الضيوف نرسخ بطريقة غير مباشرة لثقافة التواكل واللامبالاة، ونزرع في روحه أن التنظيف وحمل المكنسة ليس من شأنه وأمر لا يخصه، ناهيك عن النظرة الميزوجينية التي سيكوّنها.

ليست هذه هي النقطة التي تثيرني الآن؛ لأن الحديث سيطول، وسيتطلب الاسترسال في تفاصيله صفحات وصفحات، أتحدث الآن عن علاقة صبي يحمل مكنسة في ظل موروث ثقافي متآكل يعزز أفضلية للذكر وتربية مختلفة.

تربية الأبناء، وخاصة الذكور تحتاج جهداً كبيراً حتى تتم تربيتهم تربية صحيحة تؤهلهم ليكونوا رجالاً قادرين على تحمل المسؤولية في المستقبل، فالرجولة تُبنى لبنةً لبنةً منذ ميلاد الطفل ومسؤولية فهمها فهماً صحيحاً تقع على الأسرة بالدرجة الأولى، ومن ثم وجب على الآباء والأمهات فهم الرجولة بالشكل الصحيح؛ لأن عدم استيعاب المعنى وترسيخه بشكل خاطئ في الأجيال القادمة منذ سنوات الطفولة الأولى يمكن أن تترتب عليه عواقب كارثية، فالرجولة ليست غلظة وبطشاً وتشدداً، وعظماء الرجال هم من يتحررون من الأنا الفردية وينغمسون في الـ"نحن"، لا يرون لحياتهم قيمة إلا إذا ارتبطت بحياة الناس والعمل على إسعاد من حولهم، فالرجولة سعة نظر، وعمق فهم، ورحابة صدر ولا ترى في حمل المكنسة عيباً أو انتقاصاً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد