"نحن بالجامعة لا نرسل لفرنسا إلا الطلبة الأوائل، مستواك لا يؤهلك لذلك وستخجلنا أمام الفرنسيين" كلمات لم يستطع الزمن أن يمحوها من ذاكرة الشاب التونسي أكرم زيتون حين كان طالباً في كلية الهندسة بمحافظة صفاقس جنوب تونس منذ نحو 6 سنوات، عندما توجه بشكل عفوي كأي طالب طموح لأحد المديرين المشرفين على الكلية ليخبره برغبته في إتمام دراسته بالخارج ليفاجأ بتلك الكلمات التي تركت لديه جرحاً لم يستطع أن يكسر بداخله الطموح والثقة بإمكانياته ومؤهلاته.
وقد فاجأ زملاءه والمحيطين به منذ أيام بتدوينة "مثيرة" وقد شغل منصب مدير وحدة الأبحاث للطيران وعلوم الفضاء بإحدى أهم المؤسسات البحثية في بريطانيا ويستعد للبدء برسالة الدكتوراه في علوم الفضاء والطيران بجامعة كامبريدج.
أكرم كتب منذ أيام تدوينة عبر صفحته على "فيسبوك" جعلته حديث التونسيين ومثالاً للطالب التونسي الذي رفض أن يكون ضحية الأشخاص المحبطة للعزائم ويؤمن بقدراته وثقته في إمكانياته حين روى ذكريات كفاحه في مدرسة المهندسين بصفاقس وكيف ساهم "موقف مؤلم" بينه وبين أحد المسؤولين المشرفين على المعهد في تغيير مجرى حياته ومستقبله لكن بالإيجاب.
الفضاء والطيران حلم العمر
يقول أكرم لـ"عربي بوست" أن حلمه في أن يصبح مهندساً في مجال الفضاء والطيران ظل يراوده منذ الطفولة خاصة وأن والده تخصص في الهندسة ونقل له شغف هذا المجال ليكون من الأوائل في مدرسته الابتدائية بمحافظة قابس جنوب تونس لكن مرضاً ألم به في الثانوية أثر على مستواه الدراسي وجعله ينتقل من معهده النموذجي بصفاقس إلى أحد المعاهد العادية القريبة من منزله ورغم تراجع مستواه الدراسي بسبب توابع المرض غير أنه ظل عازماً على مواصلة حلمه والتغلب على مرضه ليتمكن من اجتياز امتحان الثانوية العامة ويكون من الأوائل ويتوجه للمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس حيث تخصص في مجال الهندسة الإلكتروميكانيكية.
الموقف الذي غير مسار حياته
في السنة الرابعة من مرحلة الهندسة وقبل سنة واحدة من نيل الشهادة توجه أكرم في 2013 لأحد المشرفين على إدارة المعهد ليسأل عن إمكانية وجود فرص للطلاب للدراسة في الخارج وتحديداً فرنسا ليفاجأ بالمسؤول وقد أجابه بشكل ساخر بأن الجامعة لا تمنح هذه الفرص إلا للأوائل المتميزين.
والمؤلم كما يقول هذا الشاب أن المسؤول بالجامعة حينها لم يكتف بتلك الإجابة بل أخبره بلهجة تهكمية أن الجامعة لا ترسل طلبة في مثل مستواه مخافة أن تخجلهم بين الفرنسيين وباللغة العامية "باش تحشمنا قدام الفرنسيس" الأمر الذي خلف قهراً وألماً ممزوجاً بالتحدي في نفس الطالب غير بعد ذلك مجرى حياته المهنية والدراسية.
يقول أكرم: "سألت نفسي في تلك اللحظات وقد تملكتني رغبة في البكاء حبستها حتى لا أظهر له ضعفي لماذا كان رده بتلك القسوة صحيح أني لم أكن من الأوائل لكني كنت طموحاً وسؤالي كان مشروعاً".
الشاب أكد أن تلك الكلمات وبالرغم من قساوتها غير أنها خلقت منه شخصاً آخر وكان طموحه بعذ ذلك أن يصل لهدفه دون مساعدة أي شخص وأن يعول على نفسه للوصول لحلمه وانطلق حينها في رحلة البحث عبر الإنترنت ومواقع الجامعات العالمية في بريطانيا وأميركا عن فرص التسجيل بها وبعد نحو 14 طلب تقديم تم قبوله بجامعة "كارديف" في بريطانيا في مجال الهندسة وعلوم الفضاء والطيران.
المثير في قصة هذا الشاب أنه فور تخرجه لم يذق طعم البطالة بل تهافتت عليه شركات أجنبية بتونس، اختار منها شركة عالمية في مجال النفط والغاز لكن كان دائماً هناك شي ما يخبره بأن مؤهلاته وطموحه أكبر من المنصب، والوظيفة التي وصل إليها وتعود في ذهنه تلك الكلمات للمسؤول بالجامعة كما يقول محدثنا.
في نهاية 2015 اتخذ أكرم قراراً نهائياً وحاسماً بالعودة لمقاعد الدراسة لكن هذه المرة بالخارج حيث قرر استكمال دراسة الماجستير في الخارج بعد قبوله في جامعة "كارديف" بالمملكة المتحدة حيث تخصص هناك في مجال علوم الفضاء والطيران وانتخب على الإثر كرئيس للطلبة هناك وكان دائماً من الطلبة الأوائل.
حالياً تسلم أكرم وظيفته كمدير الأبحاث بشركة عالمية ببريطانيا متخصصة في مجال الاستشارات والتطوير في مشاريع الأبحاث الخاصة بهندسة الطيران والفضاء ويواصل بالتوازي تسجيله في مرحلة الدكتوراه بجامعة كامبريدج في نفس التخصص.
ويشدد في ختام حديثه على أن دوافع كتابته لتجربته الشخصية التي مر بها في الجامعة لم تكن بهدف التشفي من أحد الذين أرادوا ذات يوم إحباط عزيمته فحولها دون أن يدري إلى حافز له للنجاح بل هي رسالة وقصة قد تكون ملهمة لكل الشباب التونسي الطموح بأن يتشبثوا بأحلامهم ويثقوا في إمكانياتهم وقدراتهم وأن يتركوا آراء الناس ومواقفهم جانباً.