لم تكن لهم دولة أبداً خلال العصر الحديث، ولكن خرج من بينهم من قاد العالم الإسلامي في أحلك لحظاته التاريخية الفاصلة، وحفر اسمه على خارطة الذاكرة الإسلامية والعربية حتى اليوم، وهو القائد "صلاح الدين الأيوبي" المعروف بـ"محرر المسجد الأقصى".
لكن ذاكرة التاريخ قد تتعثر كثيراً أمام خارطة السياسة، حيث خاض الأكراد الذين تقدر أعدادهم بين 25 إلى 35 مليون نسمة يتوزع غالبيتهم في الوقت الراهن بين 4 دول هي تركيا وسوريا وإيران والعراق، عدة حروب مع الحكومات المركزية في هذه الدول، راح ضحيتها الآلاف في محاولة لتحقيق حلمهم بالانفصال وتأسيس دولة مستقلة، ومازالت تلك المحاولات مستمرة.
ويعيش القسم الأكبر من الأكراد في تركيا (ما بين 12 إلى 15 مليون نسمة، حوالي 20% من إجمالي السكان)، ثم إيران (حوالي 6 ملايين، أقل من 10%) ثم العراق (4,69 مليون نسمة، ما بين 15 إلى 20%) وأخيراً سوريا (أكثر من مليوني نسمة، 15% من السكان)، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية اليوم الإثنين 18 سبتمبر/أيلول 2017.
ومؤخراً برز دور الأكراد في التطورات الإقليمية، إذ لعبوا دوراً هاماً في الصراعات الداخلية في العراق وسوريا، كان آخرها المشاركة في مقاومة تنظيم داعش. وفي الـ 25 من سبتمبر/أيلول الجاري 2017 يجرى استفتاء على انفصال كردستان العراق، والتي تحظى بحكم ذاتي بالفعل، عن الحكومة المركزية في بغداد.
من هم الأكراد؟
الأكراد قوم يسكنون المنطقة الجبلية الممتدة على حدود تركيا، والعراق، وسوريا، وإيران، وأرمينيا. ويعدون رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط، لكن لم تكن لهم أبداً دولة مستقلة في العصر الحديث، بحسب موقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.
يقول مؤرّخو الأكراد بأنّ الأكراد يمتدّون من العرق الآري؛ فهم من الميديين، كما يشير إلى ذلك نشيدهم الوطني الحالي إلّا أنّ المؤرّخ الكردي محمّد أمين زكي يشير إلى وجود أصلين للأكراد، والطبقة الأولى هي التي قطنت في المناطق سالفة الذكر ويطلق عليها الأكراد "كردستان الكبرى"، منذ فجر التّاريخ، والطّبقة الثانية هي الشعوب الهندوأوروبية الّتي هاجرت إلى كردستان في القرن العاشر قبل الميلاد وسكنوا فيها ومنهم الميديون. وامتزجت الطّبقتان معاً لتشكّلا الأكراد الحاليين.
معظم الأكراد يعتنقون الإسلام على المذهب السنّي الشّافعي، والقليل منهم على المذهب الشيعي. كما أنّ جزءاً منهم يعتنق الدّيانة المسيحيّة أو الأيزيديّة أو غيرها. وتنتشر في الأكراد الطرق الصوفيّة على اختلافها؛ ولكن أكثرها انتشاراً هي النقشبنديّة والقادريّة.
يتحدّث الأكراد اللغة الكرديّة بعدة لهجات منها اللهجة الكرمانجيّة الشماليّة، واللهجة الكرمانجيّة الجنوبيّة، واللهجة اللوريّة، واللهجة الزازكيّة، وغالباً ما يتحدثون العربية أو الفارسية أو التركية كلغة ثانية.
ما هي أصول الأكراد؟
تاريخياً، عاش الأكراد حياة قائمة على الرعي والزراعة في سهول الرافدين، وفي المناطق الجبلية المرتفعة الموجودة الآن في جنوب شرقي تركيا، وشمال شرقي سوريا، وشمالي العراق، وشمال غربي إيران، وجنوب غربي أرمينيا.
واليوم يشكلون مجموعة متميزة، يجمعها العرق والثقافة واللغة، رغم عدم وجود لهجة موحدة. كما أنهم ينتمون لمجموعة مختلفة من العقائد والديانات.
حلم الدولة
في مطلع القرن العشرين، بدأت النخب الكردية التفكير في إقامة دولة مستقلة، باسم "كردستان". وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصوراً لدولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920.
إلا أن هذه الآمال تحطمت بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية.
وانتهى الحال بالأكراد كأقليات في الدول السابق ذكرها.
الأقليات الكردية
في عام 1978، أسس عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني، الذي نادى بتأسيس دولة مستقلة في تركيا. ثم بدأ الحزب الصراع المسلح بعد ست سنوات من تأسيسه. ومنذ ذلك الحين، قتل أكثر من 40 ألف شخص، قبل أن يتراجع الحزب في تسعينيات القرن الماضي، عن مطلب الانفصال، وطالب بالمزيد من الاستقلال الثقافي والسياسي، مع استمرار القتال.
وفي عام 2012، بدأت محادثات السلام بين الحكومة التركية والحزب، ولكن بعد ثلاث سنوات من المفاوضات التي توَّجت إنجازات عدَّة سنوات من الإصلاحات المتدرجة على يد حكومات العدالة والتنمية، دخلت عملية السلام الداخلية في تركيا منذ مارس/آذار 2015 في حالة من الجمود بعد أن كانت على شفا قرارات تاريخية وحلول جذرية.
ومنذ العشرين من يوليو/تموز 2015، استأنف حزب العمال الكردستاني عملياته العسكرية ضد الجيش والشرطة التركيين مفجِّراً مرحلة جديدة من التصعيد العسكري بين الطرفين أودت بحياة الآلاف حتى الآن، فيما يشبه حرب العصابات في شوارع المدن ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرق البلاد، بحسب موقع الجزيرة نت.
أما في سوريا فيعيش غالبية الأكراد في محافظتي الحسكة وحلب إلى جانب العاصمة دمشق ومدينة حلب.
وتعرض الأكراد السوريون للكثير من القمع والحرمان من الحقوق الأساسية. وتم تجريد حوالي 300 ألف من الأكراد من الجنسية السورية منذ ستينيات القرن الماضي، وصودرت الأراضي الكردية وأعيد توزيعها على العرب في محاولة "لتعريب" المناطق الكردية.
ولم تتأثر المناطق ذات الغالبية الكردية كثيراً بالصراع السوري في السنتين الأوليين منذ اندلاع الثورة في منتصف مارس/آذار 2011 وتجنبت الأحزاب الكردية الكبرى اتخاذ أي موقف من أي من طرفي الصراع.
وفي منتصف عام 2012، انسحبت القوات السورية من المناطق الكردية لتركز على قتال المعارضة في مناطق أخرى، ففرضت القوات الكردية سيطرتها على المنطقة حيث أقام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي مناطق إدارات ذاتية في كل من القامشلي وكوباني وعفرين عام 2014. وأكد الحزب أنه لا يسعى للانفصال بل إلى "إدارة محلية ديمقراطية"، في خطوة تبدو مشابهة لما قام به إقليم شمال العراق، الذي حظي بحكم ذاتي قبل أن يبدأ مسعاه الحثيث للانفصال.
هل سيحصل الأكراد العراقيون على دولة؟
يمثل الأكراد حوالي 15 إلى 20 في المئة من سكان العراق. وتاريخياً، كان للأكراد في العراق امتيازات مدنية مقارنة بالأكراد المقيمين في الدول المجاورة، إلا أنهم تعرضوا لقمع شديد.
وثار الأكراد في شمال العراق ضد الحكم البريطاني في فترة الانتداب، لكنهم قمعوا. وفي عام 1946 أسس الملا مصطفى البارزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني بهدف الحصول على الحكم الذاتي في إقليم كردستان.
وبعد ثورة عام 1958، اعترف الدستور المؤقت بالقومية الكردية قومية رئيسية واعتبر الأكراد شركاء في الوطن مع العرب والأقليات الأخرى، لكن الزعيم الكردي مصطفى البارزاني أعلن القتال المسلح عام 1961.
وفي عام 1970، عرضت الحكومة التي كان يقودها حزب البعث على الأكراد إنهاء القتال ومنحهم منطقة حكم ذاتي. لكن الاتفاق انهار واستؤنف القتال عام 1974.
وبعد عام، انقسم الحزب الديمقراطي الكردستاني حيث أسس السياسي المعروف جلال طالباني الاتحاد الوطني الكردستاني.
وفي عام 1988، قبيل انتهاء الحرب مع إيران تعرضت مدينة حلبجة لغارات بالسلاح الكيماوي وأطلق صدام حسين حملة انتقامية ضد الأكراد أطلق عليها عمليات "الأنفال".
وبعد هزيمة العراق في حرب الخليج عام 1991، اشتعلت انتفاضة واسعة في مناطق جنوب العراق وإقليم كردستان ولشدة قمع الدولة لهذه الانتفاضة، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها منطقة حظر جوي على شمال العراق، مما سمح للأكراد بالتمتع بحكم ذاتي. واتفق الحزبان الكرديان على تقاسم السلطة، لكن الصراعات احتدمت، واشتعل صراع داخلي عام 1994، خاضه أبرز فصيلين كرديين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و "الحزب الديموقراطي الكردستاني" ضد بعضهما وأوقع نحو ثلاثة آلاف قتيل بين 1994 و 1998. ثم تصالحا في العام 2003.
وتعاون الحزبان الكرديان الرئيسيان مع قوات الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، التي أطاحت بصدام حسين، وشاركا في جميع الحكومات التي شكلت منذ ذلك التاريخ وكذلك في البرلمان العراقي، وشغل منصب رئيس الجمهورية سياسيان كرديان حتى الآن. كما تشارك الحزبان في مؤسسات الحكم في الإقليم المكون من ثلاث محافظات هي دهوك وأربيل والسليمانية.
وبعد هجوم تنظيم داعش في يونيو/حزيران عام 2014، أرسلت حكومة الإقليم قوات البيشمركة للمساهمة في التصدي لزحف التنظيم فاستعادت مساحات كبيرة منه بمساعدة الطيران الأميركي.
ممالك الأكراد الخمس
شهد القرن العشرون عدة محاولات لإقامة دولة كردية باءت جميعها بالفشل وهي:
– مملكة كردستان :أقيمت بمدينة السليمانية في كردستان وريفها عام 1922 بقيادة الشيخ محمود الحفيد البرزنجي، ودامت سنتين حتى تحركت القوات العراقية بدعم جوي وبري للاستعمار البريطاني وسيطرت على السليمانية وأنهت سيطرة البرزنجي.
– كردستان الحمراء: لم يشكل الوجود الكردي في المثلث الأرمني الروسي الأذربيجاني قوة يمكن الاعتماد عليها، لكن هذه الدول الثلاث استخدمت الورقة الكردية لتحقيق مصالحها، ودفع الأذريون الأكراد إلى إعلان جمهورية كردستان الحمراء التي امتدت من 1923 إلى 1929 في ناغورنو كاراباخ، وهي منطقة هامة تقع بين أرمينيا وأذربيجان.
– جمهورية آرارات: خاض الأكراد سلسلة من المواجهات مع تركيا بدأت بثورة في مناطق جبال آرارات باسم "ثورة آغري" عام 1930، بقيادة إحسان نوري باشا (1896-1976) الذي أعلن ثورة عارمة في وجه الدولة التركية، وأعلن مناطق جبال آرارات دولة كردية مستقلة، ليبدأ مع الدولة التركية حرباً شاملة انتهت بسقوط هذه الجمهورية.
– جمهورية مهاباد: بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أعلن الأكراد في إيران جمهورية مهاباد التي سقطت سريعاً نظراً لغياب الدعم العشائري ومناهضة الإقطاعيين لها.
– جمهورية لاجين: التجارب الكردية في تلك المنطقة الواقعة بين أذربيجان وأرمينيا لم تتوقف واستمرت ليصدر عام 1992 إعلان جديد عن ولادة جمهورية لاجين الكردية برئاسة وكيل مصطفاييف، ولكن لم يكتب لها النجاح وانهارت بسرعة فلجأ مصطفاييف إلى إيطاليا.
وينتظر أن يجري إقليم كردستان العراق استفتاء للانفصال عن بغداد 25 سبتمبر/أيلول الجاري، بعد أن رفضت إدارة الإقليم أمس الأحد 17 سبتمبر/أيلول 2017، مقترحاً دولياً بعدم إجراء استفتاء الانفصال، في ظل المخاوف من تشجيع أكراد باقي الدول المجاورة على خطوات مماثلة، وإثارة مزيد من القلاقل في المنطقة المشتعلة بالفعل منذ سنوات.