قال خطيب الجمعة إن التخلف الذي وقع فيه العرب والمسلمون، والمصائب التي صارت تنهال على الأمة، هي بسبب كثرة الذنوب والمعاصي، ومن هذا المنطلق، الرجل لم يحدد بالضبط ذنوب مَن يقصد هل ذنوب الحكام؟ أم الشعوب المطحونة؟ أم هما معاً؟
يصر الفقيه على نظريته هذه وفكرته متناسياً أو متجاهلاً أن الأمم الناجحة التي قطعت شوطاً كبيراً في سبيل رخاء وتنمية شعوبها إنما وصلت لما وصلت إليه بفضل نضالها المستمر طيلة عقود كاملة، ضحت من خلالها هذه الشعوب المحترمة؛ لتعلي قيم الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية وحقوق الإنسان.
شعوب قدمت الغالي والنفيس من أجل الوصول لمنظومة كاملة ومتكاملة لمفهوم الديمقراطية وكل الحقوق الإنسانية المرافقة لها.
تلك الشعوب أعلت قيم العلم والعمل، ونفضت عنها خرافات ماضيها وأوهامه، وتحررت من سلطات النقل والتبعية لسلطات العلم والعقل واستحضار المنطق والنقد في أي مجال.
شعوب ناقشت محرماتها وتابوهاتها بجرأة ويقين؛ لتصل بذلك باسم الشعب وسلطة الشعب لتحديد المفاهيم بشكل واضح، منطلقة نحو تعاقد اجتماعي واضح وملزم للجميع والكلمة الأولى والأخيرة فيه تحلف، وتقسم بأغلظ الأيمان أن الكلمة وحدها للشعب، وهو القاضي والحكم، وأن الأوطان ليست إلا حدوداً جغرافية على خريطة لا قدسية لها، إنما القدسية للشعوب ورخائها وليس لغيرها.
تجاهل الإمام المحترم قيم العدل وحقوق الإنسان، وأهمل حق الشعوب في اختيار من يحكمها بإرادة حرة، وتناسى أن وحدها الشعوب الحرة من تصنع التاريخ والتغيير، أما الشعوب المكبلة تحت أي دعوى أو نظرية أو عنوان إنما هي أمم ضعيفة ومسجونة ومسلوبة الإرادة، وليس لديها أي فرص حقيقية للتغيير.. شعوب مطحونة لا يمكنك أن تنتظر منها الكثير، لم تحرر حتى نفسها فكيف تنتظر منها تحرير الأقصى؟
والحقيقة أن تكرار الخطيب للخطب ذاتها كل سنة والمعاني نفسها يجعلك شيئاً فشيئاً تفقد بعض إيمانك ويصلك إحساس ساخر من داخلك لكونك تسمع موظفاً يخطب في الناس، وأنا قلت موظفاً ولم أقُل عبداً.
بالنسبة لي يوماً وراء يوم وسنة تلو الأخرى ومع تعاقب الأحداث أجد نفسي أقل إيماناً بالمعجزات، وبإمكانية حدوثها وأي معجزة ننتظر؟ وقد شرد نصف العالم العربي وقُتل ربعه والباقي مسجون في أقفاص كبيرة يسمونها مجازاً بالوطن، وأي معجزة تنتظر من شعوب وحكام تربت على التبعية وتأليه الحاكم وما زالت تعيش بمفاهيم الخرافة؟!
أي معجزة ما زالت تنتظرها من شعوب فقدت أدنى معنى للحوار وقبول الآخر وصارت التصفية الجسدية والقمع وانتهاك الحرمات نهجاً ومنهاجاً.
العالم العربي اليوم دخل عصر ظلماته الخاص به، وكثير من الدماء سُفكت ودماء أخرى ستسفك، ولن تتوقف هذه اللعنة حتى يدرك الحكام أن الطريقة الوحيدة لحكم الشعوب ليست سوى فسح المجال لها للتعبير عما تريد، ووحده التفاهم والتوافق المجتمعي وسياسات الاحتواء هي الكفيلة بالحفاظ على الأوطان وليست سياسات زوار الليل ونظريات ما وراء الشمس، ولا فلسفة تازمامارت أو زنازين أزقة مولاي علي الشريف، وأن الاستماع للموظفين وتجار الكلمة وصانعي الخطب والفتاوى تحت الطلب ومثقفي البلاط والعميان أيديولوجياً لن يأتي بأي شيء فيه نفع وخير لهذه الأمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.