يوم الأحد 17 سبتمبر/أيلول 2017، استدعت الشرطة القضائية في المغرب الناشطة الأمازيغية مليكة مليكة مزان؛ بغرض الاستماع إليها في محضر رسمي، على خلفية إصدارها فيديو تتضامن فيه مع الأكراد وتدعو العرب إلى مساندتهم في مطلبهم أو تطردهم من بلدان شمال إفريقيا.
بعد الاستماع إليها تم إطلاق سراحها، غير أنه وفي مساء اليوم نفسه، جاءت عناصر الأمن لتعتقلها وتضعها رهن الحراسة النظرية لدى الشرطة القضائية، بناء على تعليمات النيابة العامة بابتدائية الرباط؛ بسبب ما اعتبرته "دعوة لقطع رؤوس العرب"؛ تضامناً مع الشعب الكوردي.
اعتقال الناشطة ودعوتها للتضامن مع الشعب الكردي لاقا رواجاً كبيراً بين الناشطين الأمازيغيين والحقوقيين، حيث تم تأسيس ائتلاف جمعوي لمتابعة الموضوع واتخاذ الإجراءات اللازمة.
تضامن أم تحريض؟
اعتقال مليكة مزان اعتبره الكثير من الناشطين الأمازيغيين تعسفاً في حقها وانتهاكاً لحرية التعبير التي يضمنها لها الدستور المغربي. من بين أوائل المتضامنين، كان الناشط إيدي كوهين من منظمة فوروم كيديم لحقوق الإنسان، الذي عبر على صفحته في فيسبوك عن قلقه من احتجاز مزان ووصفها بداعمة القضية الكردية والإنسانية.
رواد الشبكات الاجتماعية بدورهم، اهتموا بالموضوع وأنشأوا هاشتاغ "الحرية لمليكة مزان"، معبرين فيه عن تضامنهم الواسع مع الناشطة، وداعين إلى إطلاق سراحها.
دعوات التضامن مع الناشطة، قابلتها تصريحات استنكرت ما وصفته برسائل العنف والعنصرية التي جاءت في فيديو مزان، ودعت إلى التحقيق معها ومعاقبتها، كما يرى الأستاذ الجامعي عدنان الجزولي، الذي اعتبر، في تدوينة له، أن على السلطات المعنية اتخاذ الإجراءات اللازمة المترتبة قانونياً على مثل هذه "التصريحات الإرهابية العنصرية.. وذلك على غرار ما تقوم به السلطات المختصة مع المحرضين على الإرهاب أو المناصرين له".
الشيوخ المحسوبون على التيارات السلفية، بدورهم، دخلوا على خط قضية مليكة مزان، مستنكرين تصريحاتها التضامنية مع الأكراد، فالشيخ محمد الفيزازي اعتبر دعوة مزان لإراقة دماء العرب وطردهم "دعوة إلى الجاهلية وجناية يعاقب عليها القانون".
الشيخ السلفي دعا في المقابل إلى ما سماه نبذ العنصرية التي تدعو إليها مزان، والتي تتعارض، حسب وصفه، مع تعاليم الدين الإسلامي القائمة على أساس التآخي والوحدة.
مأزق تقرير المصير
دعوات التضامن مع مليكة مزان كانت قد سبقتها حملات تضامنية واسعة قامت بها جمعيات حقوقية تأييدا لقيام الدولة الكوردية بعد الاستتفتاء المزمع إجراؤه يوم 25 من الشهر الحالي.
المكتب الفيدرالي للفيدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية بالمغرب (FNAA) أصدر بيانا أيد فيه قرار رئاسة إقليم كردستان إجراء إستفتاء للشعب الكردي حول رغبته في الاستقلال أم لا.
وأضاف في البيان نفسه، أنه يعلن مساندته المبدئية لحق الشعب الكردي في تقرير مصيره، ويدعو إلى احترام قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 والذي أكد أهمية الاعتراف بحق الشعوب في تقرير المصير وفي السيادة الوطنية، ويدعو إلى احترام حرية الشعب الكردي، وعدم التدخل في قراراته السيادية.
الفيدرالية التي تضم أكثر من 20 جمعية وطنية ومحلية، أعلنت في بلاغها للشعب الكردي بكل من "كردستان الكبرى وجميع أنحاء العالم، أنه إن لم يكن له في الماضي أصدقاء سوى جبال كردستان، فاليوم له أصدقاء في كل أنحاء العالم، وعلى رأسهم الشعب الأمازيغي بكل شمال إفريقيا".
قرار المساندة تبنَّته هذه الجمعيات بناءً على ما اعتبرته إبادة جماعية تعرض لها الشعب الكردي عبر التاريخ من طرف كل الدول الإثنية التي استوطنت أرضه كالتركمان والعرب والفرس، الذين حاولوا "طمس هوية وثقافة ولغة الشعب الكردي طوال التاريخ والذين تواطأوا معهم من الغرب الأوروبي في الاتفاق التاريخي المشؤوم".
ودعت هذه الجمعيات إلى تنظيم وقفات تضامنية مع الشعب الكردي، وهو ما تنظر إليه السلطات المغربية بتوجس؛ إذ يعتبر المراقبون أن من شأن مثل هذه الوقفات أن تدفع نشطاء البوليساريو الداعين لانفصال الصحراء إلى القيام بالمثل.
تعاطف قديم
دعوات الجمعيات الأمازيغية هذه ليست جديدة؛ فقبل مدة نُظمت مظاهرة شارك فيها نشطاء من مختلف مدن المغرب؛ تضامناً مع ما يتعرض له "الشعب الكردي من جرائم التقتيل من طرف تنظيم داعش".
الناشط الأمازيغي منير كجي، من بين منظمي المظاهرة، قال إن ما تشهده منطقة كوباني وكردستان، وما يعانيه الأكراد، يحتم على المغاربة التحرك لحشد التضامن مع الشعب الكردي، الذي وصفه بـ"الصامد" بنسائه اللاتي يواجهن كل أنواع البطش ورفض الخضوع لداعش.
كجي انتقد عدم تحرك الجمعيات الحقوقية والأحزاب السياسية والحركات الإسلامية بالمغرب للتظاهر ضد المجازر هناك، واعتبره "تجاهلاً غير مبرر وغير مفهوم من طرف مكونات المجتمع المغربي السياسية والاجتماعية والجمعوية".
تعاطف الجمعيات الأمازيغية مع مطالب الأكراد لا ينظر إليه كل الناشطين الأمازيغ بعين الرضا، حيث إن المعارضين لهذا التقارب يعتبرون أنه يجب إعطاء الأولوية لقضايا التنمية المحلية ثقافياً واجتماعياً، وهو ما يؤكده الباحث عدنان الجزولي، الذي يعتبر أن آخر ما ينقص أمازيغ شمال إفريقيا هو الاهتمام بقضايا الأكراد.