أقر برلمان الإقليم الكردي، شمالي العراق، الجمعة 15 سبتمبر/أيلول، بأغلبية ساحقة، إجراء استفتاء انفصال الإقليم عن بغداد، في موعده، المقرر يوم 25 سبتمبر/أيلول الجاري. ووافق 65 من أصل 68 نائباً حضروا الجلسة، على إجراء الاستفتاء، فيما تحفظ ثلاثة أعضاء فقط.
يُذكر أن الكثيرين اعتبروا أن الاستفتاء على الاستقلال الكردي عن العراق أمرٌ واضح بديهي.
يقول سامان صادق، صاحب محل للحلوى والمكسرات، لموقع صوت أميركا: "إن أي منطقة ذات ثقافة ولغة خاصة لها الحق بالاستقلال. انسوا السياسة، فنحن الشعب الكردي علينا التفكير بمستقبلنا".
ويتعدد ويتشعب معارضو هذا الاستفتاء، فالبرلمان العراقي والأحزاب المعارضة ضمن إقليم كردستان شبه المستقل ذاتياً والزعماء الغربيون ودول جوار العراق كلها اتخذت موقفاً معارضاً للتصويت؛ فالبعض يريد إلغاء التصويت من أساسه، فيما آخرون يريدون تأجيله فقط.
كرزان غاردي يرأس مكتب انتخابات أربيل في حزب غوران الذي هو أحد الأحزاب الرئيسية المعارضة في كردستان؛ يقول: "ثمة الكثير من الإشارات تدل على أنه ستكون هناك ردة فعل قوية".
التصويت أم عدمه؟
يريد حزب غوران ككثير من البلدان الغربية تأجيل موعد التصويت، فالمعارضة الكردية ترى أن توقيت الاستفتاء سيئ وأن من يترأسه هو رئيس ما زال قابعاً في منصبه رغم انتهاء صلاحياته، فضلاً عن أن برلمان الإقليم لا يحل ولا يربط ولا عمل له أصلاً.
وتحاول العديد من الدول الغربية استخدام اللوبي وجماعات الضغط من أجل تأخير موعد الاستفتاء، فهي ترى أنه قد يضر الحرب الجارية ضد مسلحي تنظيم داعش الذين مازالوا يسيطرون على أجزاء من العراق.
ورغم أن القوات الكردية والعراقية حليفة لبعضها البعض في حربها على داعش إلا أن التصويت على الاستقلال من شأنه تعميق التوتر بل وربما الحض على العنف داخل العراق؛ إن كلاً من الحكومة الكردية وحكومة بغداد تزعمان سيطرتهما على أجزاء من العراق منها كركوك، واحدة من أهم مدن العراق النفطية.
وكذلك فإن استفتاء كهذا سيثير بلا شك حفيظة جيران العراق الذين تحالفوا لهزيمة داعش.
وهذا الأسبوع صوّت البرلمان العراقي على رفض التصويت والتعهد باستخدام "كل ما قد يلزم" للحيلولة دونه.
ويوم الخميس 14 سبتمبر/أيلول الجاري اجتمع بالرئيس الكردي مسعود برزاني عدد من ممثلي الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا طالبين منه تأجيل الاستفتاء؛ جدير بالذكر أن بارزاني لطالما كان عنيداً في تحديه لدعوات التأجيل.
لكن بارزاني قال إن المجتمع الدولي قد يفلح في إقناع حكومته بالموافقة على تأخير التصويت إن أتى بخطة بديلة وضمان ما، لكي يساعد كردستان على الانتقال بسلاسة نحو الاستقلال.
بعد ذلك اللقاء قال مكتب الرئاسة الكردستانية في بيان إن الوفد الدولي اقترح خطة بديلة لاستفتاء 25 سبتمبر/أيلول سيناقشها الزعماء الكرد ويعلنون بخصوصها "موقفاً في القريب العاجل."
أعتى الخصوم
يخشى المسؤولون الغربيون من أن الاستفتاء سيُفقِد المنطقة استقرارها، لاسيما أن جيران العراق من تركيا وإيران وسوريا تعارض جميعها قرار التصويت، كأنها تخشى من أن التصويت بـ"نعم" سيشعل التحركات الكردية للاستقلال لديها على أراضيها.
من هذه الحركات مجموعات مسلحة كـPKK المعروفة عالمياً بأنها منظمة إرهابية وتعد العدو الأول للحكومة التركية، كما أن هناك مجموعات كردية أخرى كالـYPG في سوريا التي يراها الأتراك كالإرهابيين فيما تحصل على تدريبها وتسليحها من الولايات المتحدة.
وقال وزير الخارجية التركي عن هذا الاستفتاء إنه "غلطة تاريخية"، أمس الخميس، محذراً كردستان العراق أنها سوف "تدفع الثمن" إن تابعت أمر التصويت.
أما الدولة الوحيدة في المنطقة التي تشجع التصويت والاستفتاء بكل صراحة فهي إسرائيل التي قال رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو يوم الخميس إن إسرائيل "تدعم المساعي المشروعة للشعب الكردي من أجل تأسيس دولة خاصة بهم". يُذكر أن إسرائيل لا تربطها علاقات دبلوماسية مع بغداد.
ووفقاً لبارزاني فإنه لا المعارضة الأجنبية ولا التهديدات تشكل عوامل في اتخاذ قرار عقد الاستفتاء أم عدمه.
وقال يوم الخميس وفق تقارير الأخبار المحلية "إن أراد أحدهم تحطيم إرادة شعب كردستان بالقوة، فالمجال مفتوح أمامهم للمجيء والمحاولة".
حلم الاستقلال
كردستان إقليم ثقافي وتاريخي له حدود تمتد عبر سوريا وتركيا والعراق وإيران.
وعندما قسمت معاهدة أوروبية أوائل القرن العشرين الشرق الأوسط إلى "مناطق نفوذ"، ظل لدى الكرد حلم يراودهم جميعاً بالاستقلال.
وكان الأكراد في عهد الرئيس صدام حسين أواخر الثمانينيات قد عانوا من القتل والهجمات الكيميائية والتشرد والنزوح الجماعي والاختفاء القسري، فقد قتل في تلك الحملة قرابة 182 ألفاً من الأكراد.
ويعد إقليم كردستان العراق واحداً من آمن أجزاء المنطقة، فاقتصاده شهد نمواً وتسارعاً في السنوات الأخيرة، ويرى الكرد أن باستطاعته متابعة هذا النمو من جديد.