هل كل حديث صحيح يُعمَل به؟

لا ينكر أحد أنه في الفترة الأخيرة شهد العالم الإسلامي، سواء في الواقع الحقيقي أو في الواقع الافتراضي، نقاشات حادة في قضية الحديث النبوي من عدة زاويا، ككيفية التأكد من صحته، والمنهج الواجب اتباعه في هذه القضية، وكقضية العمل بالحديث وقضية عرضه على القرآن وغير ذلك.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/13 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/13 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش

لا ينكر أحد أنه في الفترة الأخيرة شهد العالم الإسلامي، سواء في الواقع الحقيقي أو في الواقع الافتراضي، نقاشات حادة في قضية الحديث النبوي من عدة زاويا، ككيفية التأكد من صحته، والمنهج الواجب اتباعه في هذه القضية، وكقضية العمل بالحديث وقضية عرضه على القرآن وغير ذلك.

وشهدت الساحة نقاشات ساخنة وصلت إلى حدود غير مسبوقة، ولكن أظن أنه ثمة نقطة غائبة أو يتم تغييبها بقصد أو بغير قصد هي: إذا افترضنا أن حديثاً ما قد تم التثبت من صحة نسبته إلى الرسول، أو كان وارداً في أحد كتب الأحاديث التي التزمت بأن تذكر الأحاديث الصحيحة كالبخاري، فهل يجب العمل به مباشرة؟ أم لا بد من عمليات تحليل وتحقيق للحديث الصحيح؟

إن الاعتقاد العام لدى الناس بأن الحديث إذا كان مذكوراً في كتب الأحاديث الصحيحة، فإن العمل به واجب والعدول عنه غير جائز، وبناء على ذلك يتهم مَن يعدل عن الصحيح باتهامات عدة، منها تركه للسّنّة أو غير ذلك، لكننا نرى أن الفقهاء وغيرهم من أئمة الحديث كانوا يبحثون في الحديث من عدة زوايا، ولبيان أبعاد هذه القضية أرى أنه من الواجب لفت النظر إلى أمور عدة.

لا بد من البيان أن لكل إمام من الأئمة المجتهدين منهجاً خاصاً في تصحيح الحديث والعمل به، فما يصح عند إمام ما، قد يكون غير صحيح عند إمام آخر، والعكس صحيح، فمسألة تصحيح الأحاديث مسألة اجتهادية، تخضع لاجتهادات الفقيه والمجتهد ونظره، وعلى ذلك فلا يصح الاعتراض على إمام أو أتباعه بحديث وارد في أحد الكتب التي التزمت إخراج الصحيح، بل الواجب عرض الحديث على قواعد مذهب الإمام ومن ثَم العمل بناء على النتائج التي يتوصل إليها.

كما أنه لفهم الحديث قضايا أخرى تتجاوز قضية ثبوته، وهي تتعلق بفهمه فهماً صحيحاً:

أولاً: التساؤل والبحث سبب ورود الحديث وسياقه، فسبب الورود له دور مهم في فهم الحديث، كذلك فإن للسياق الذي ورد الحديث فيه دوراً في تحديد المراد منه وتحديد كونه للتشريع العام، وبناء على هذا فإن أول ما يجب علينا أن نفعله حيال أي حديث ثبتت صحة نسبته إلى الرسول أن نسأل السؤال التالي: "هل صدر عن الرسول بداعي التشريع العام أم له سبب ورود خاص يقتضي بقاءه خاصاً – أي لا يقصد منه التشريع العام؟

ومما يذكر في هذا الموضوع هو حديث الجارية "أين الله؟"؛ حيث نرى بعض الناس رفعوا الحديث إلى درجة القطع به، مطالبين الناس بالإيمان به كجزء من أجزاء العقيدة، غير أن الحال قد يكون مخالفاً لذلك، فالحديث أو الواقعة جرت في سياق خاص، وهو التأكد من كون الجارية مؤمنة أو غير مؤمنة، كما أن السؤال الذي جرى يجب فهمه في سياق ذلك العصر، فالإشارة إلى السماء كانت رمزاً لله تعالى، وليست رمزاً للمكان، بدليل سؤال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأَبِي حُصَيْنٍ: "كَمْ إِلَهاً تَعْبُدُ الْيَوْمَ؟ قَالَ: سَبْعَةً، سِتَّةٌ فِي الأَرْضِ، وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَأَيُّهُمْ تَعُدُّهُ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟، قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ"، فالمفهوم أن قول "الذي في السماء" رمز يشار به إلى الله، وليس إلى مكانه، والأمر الآخر الذي يجب الانتباه في مثل هذه الأحاديث، هو أن الرسول لم يكن يسأل أحداً من المؤمنين الجدد بـ"أين الله؟"، وهذا يدل على أن السياق الموجود في الحديث لم يكن للتشريع إنما للتأكد من عقيدة الجارية.

كذلك ما ورد عنه من عدة أحاديث في سؤال: "أي الأعمال أحب إلى الله؟"؛ حيث كانت أجوبته مختلفة، ولعل مرد هذا الاختلاف إلى اختلاف السائل، أي اختلاف السياق، فاقتضى الاختلاف في السياق اختلاف الجواب.

ومثل ذلك حديث شرب البول، فالسياق يدل على أن الواقعة في ذلك واقعة لا تتعدى نصيحة الرسول للمرضى، ولم يقصد منها التشريع العام، وعلى فرض صحة الواقعة تاريخياً -طبعاً الحديث وارد في البخاري- إلا أنه ليس في الواقعة ما يدل على كونها تشريعاً عاماً، حتى إن بعض الأئمة عد ذلك غير جائز، فواقعة شرب الإبل لا تحمل أي معنى من معاني التشريع، بل مجرد نصيحة طبية ولعلها كانت من تراث العرب في زمنهم الخالي من الأدوية والعقاقير الصناعية.

الأمر الثالث: مما يجب الانتباه إليه أثناء التعامل مع تصرفات الرسول هو النظر في كيفية صدورها عن الرسول، فلقد بحث الأصوليون في ذلك، مبينين أن تصرفات الرسول على ثلاثة أنواع: فهو رسول يبلغ رسالة الله، وهو في نفس الوقت قاضٍ يقضي بين الناس، وهو رئيس سياسي، وتصرفاته تنقسم إلى ثلاثة حسب هذه الوظائف، فهو مبلغ، وقاض، ورئيس.

والسؤال الذي يطرح نفسه في كل حديث هو "في أي كيفية صدر الحديث عن رسول الله"؟، فإذا كان صادراً عن الرسول بصفته التبليغية فهو واجب الاتباع، وإن كان صادراً عن صفة الرسول القضائية فعلينا أن نذكر أن الرسول كان يحكم بالظاهر وحسب البينة، ولا مجال للحديث هنا أن الرسول يوحى إليه في أثناء ذلك، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "إنكم تختصمون إليَّ ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع".

وإن كان صادراً عن صفة الرسول السياسية فعلينا أن نذكر أن الصحابة كانوا يراجعون الرسول في هذه القضية، كما في حديث قضية غزوة الخندق، عندما عرض الرسول على بعض أمراء الأنصار أن يعطوا قبيلة غطفان من تمر المدينة حتى ينسحبوا، فراجعه المستشارون في هذه القضية ولم يظهروا موافقة على ذلك، وخصوصاً بعد ما عرفوا أن الرسول كان يتصرف في ذلك الوقت بناء على وظيفته السياسية.

الأمر الرابع: -وهو يتعلق بقضية فهم الحديث- أن نعارض الحديث ببقية الأحاديث الواردة في نفس السياق حتى نكمل الصورة العامة للحديث، فمثلاً في حديث الجارية السابق الذكر، يجب أن نقرأه مع بقية الأحاديث التي يدعو فيها النبي إلى الإسلام؛ لنرى الثابت من المتغير، وهكذا يمكننا فهم الأصل الواجب من غيره.

وقضية الجمع بين الأحاديث الواردة في موضوع واحد مهم جداً حتى نعرف فيما إذا كان هناك حديث منسوخ -أي رفع العمل به- ونعرف الحديث الناسخ -أي الذي ثبت العمل عليه-ونمثل لهذا الحديث بموضوع زيارة القبر؛ حيث نهى النبي عن زيارة القبور في بداية الأمر ثم أذن في ذلك، وقال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها".

إن ما قدمناه يؤكد أن ما يقوم به البعض من البحث عن نص صحيح، ومن ثم إصدار الأحكام بناء على ظاهره من دون البحث فيه وفي سياقاته وارتباطاته أمر غير صائب، ويؤدي إلى إشكالات فكرية قد تجرّ إلى غير ما يراد، إضافة إلى أن مثل هذا العمل بعيد عن أصول الاجتهاد الذي يعني في الأول ببذل الجهد واستفراغه للكشف عن القضية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد