وصفها بأخته الصغرى التي لا يزال يحبها، لكن كبير أساقفة جنوب أفريقيا، الحائز على جائزة نوبل للسلام، لم يفتأ أن أدان صمت زميلته في الجائزة الدولية أونغ سان سو تشي، زعيمة ميانمار، بشأن الإبادة العرقية التي تجري لمسلمي الروهينغا.
ودعا ديزموند توتو، الحائز الجائزة عام 1984، في خطاب وجَّهه إلى رفيقته على قائمة الفائزين بالجائزة نفسها، لإنهاء العنف ضد أقلية الروهينغا المُسلمة في بلادها، قائلاً إن "الرعب المتنامي" و"التطهير العرقي" في منطقة راكين دفعه لانتقاد السيدة التي أُعجِب بها واعتبرها "شقيقة محبوبة"، بحسب ما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية، الجمعة 8 سبتمبر/أيلول 2017.
وقال الناشط الجنوب الإفريقي المتقاعد، البالغ من العمر 85 عاماً، في رسالة نشرها على الشبكات الاجتماعية: "على الرغم من أنني أصبحت من كبار السن وأنني قد اعتزلت العمل العام بشكل رسمي، فإنني قررت الخروج عن صمتي لما أشعر به من حزن عميق بداخلي تجاه موقف الأقلية المسلمة في بلادك، الروهينغا".
وأضاف قائلاً: "في قلبي، ما زلت أعتبرك أختي الصغرى المحببة، ولطالما احتفظت بصورةٍ لكِ على مكتبي لتُذكِّرني بكمِّ الظلم الذي وقع عليكِ والتضحية التي قُمتِ بها بسبب حبكِ وولائكِ لشعب ميانمار. كنتِ ترمزين إلى العدل. في عام 2010، ابتهجنا لسماع خبر تحرُّركِ من الإقامة الجبرية، كما احتفلنا في 2012 بانتخابكِ قائدةً للمعارضة".
وتابع قائلاً: "هدَّأ ظهوركِ في الحياة العامة من مخاوفنا تجاه الظلم الذي يُرتَكَب في حق مواطني الروهينغيا. ولكن ما سماه البعض من قِبل (تطهير عرقي) أو (إبادة جماعية بطيئة) لا يزال مستمراً إلى الآن، ويستمر بشكل أسرع مؤخراً. تملأ تلك الصور التي تُظهر معاناة مواطني الروهينغا قلوبنا بالرهبة والذعر".
وأضاف الناشط المناهض للفصل العنصري، البالغ من العمر 85 عاماً: "إن كان الثمن السياسي لصعودك لأعلى المناصب في ميانمار هو الصمت، فلتعلمي أن هذا الثمن باهظ".
واستطرد محذراً: "الدولة التي لا تنعم بسلامٍ داخلي، والتي تفشل في أن تحافظ على كرامة وقيمة كل مواطنيها، لا يمكن أن تكون دولةً حرة. ومن التناقض أن يقود رمزٌ للعدالة مثل تلك الدولة، فذلك يضيف المزيد إلى آلامنا".
ليس وحده
وانضم توتو إلى قائمة متزايدة من الأصوات التي تدعو أونغ سان سو تشي لفعل المزيد لحماية الأقلية المسلمة المُضطهدة في ميانمار.
ملالا يوسفزاي، أصغر الفائزين بجائزة نوبل للسلام بالتاريخ، قالت في تصريح لها يوم الإثنين 4 سبتمبر/أيلول 2017، إن "العالم ينتظر" أن تتصرّف أونغ سان سو تشي.
وكتبت في تغريدة لها على موقع تويتر: "في كل مرّة أرى فيها الأخبار يتحطّم قلبي"، وأضافت: "على مدار سنوات عديدة أخيرة، أدنت مراراً وتكراراً تلك المعاملة المأساوية والمخزية، وما زلت أنتظر أن تفعل رفيقتي في نيل جائزة نوبل، أونغ سان سو تشي، الأمر ذاته".
وفي يوم الثلاثاء 5 سبتمبر/أيلول، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن عمليات التطهير التي تُجريها الحكومة في راكين "قد هددت" بتطهير عرقي.
ويشار إلى أن ثمة عريضة انطلقت عبر موقع Change.org، طالبت بتجريد أونغ سان سو تشي من جائزة نوبل للسلام، وقد بلغ عدد الموقّعين عليها أكثر من 377 ألفاً بحلول يوم الجمعة، 8 سبتمبر/أيلول 2017.
والخميس، أدلت زعيمة ميانمار بأول تصريحاتها حول الأزمة في راكين، منذ أن بدأت حملةُ القمع التي تشنها الحكومة الشهر الماضي.
إذ قالت في مقابلة مع شبكة الأخبار الآسيوية العالمية، ومقرّها دلهي، إنه "من غير المعقول أن تتوقّعوا أن نحل الأزمة في غضون 18 شهراً"، وأضافت أن "الموقف في راكين على وضعه منذ عقود عديدة، ويرجع إلى فترة ما قبل الاستعمار".
ووفقاً لتقديرات الأمم المتّحدة، قد تم تشريد نحو 300.000 شخص من الروهينغا إلى بنغلاديش جراء عملية التطهير التي تقوم بها قوّات تاتماداو المُسلّحة في ميانمار.
ويقول الجيش إنه ينتزع جذور من يصفهم بـ"الإرهابيين" بين السكان المسلمين، بعدما هاجم مقاتلون من جيش أراكان روهينغا العشرات من مراكز الشرطة في 25 أغسطس/آب.
وتزعم حكومة ميانمار أن نحو 400 قد قُتِلوا حتّى الوقت الراهن، في حين أن تقديرات الأمم المتحدة تقول إن حصيلة القتلى تتجاوز 1000 شخص.
واليوم، استخدم توتو خطابه المفتوح لمطالبة أونغ سان سو تشي بالتدخل والتحدّث.
وقال توتو في نهاية رسالته: "في حين نشهد تلك الأحداث المرعبة، ندعو الله أن يمتعكِ بالشجاعة والمرونة مرة أخرى. ندعو لكِ بأن تقيمي العدل، وأن تراعي حقوق الإنسان، وأن تحفظي وحدة شعبك. ندعو لكِ بأن تتدخلي لوقف تصاعد الأزمة وأن تعودي مرةً أخرى بشعبك لطريق العدل".
نص الرسالة:
أونغ سان سو تشي
سفارة جمهورية اتحاد ميانمار ببريتوريا، جنوب إفريقيا
201 شارع ليدز
أركاديا
بيرتوريا
بريد إلكتروني: embmya@gmail.comالخميس 7 سبتمبر/أيلول 2017
خطاب مفتوح من رئيس أساقفة جنوب إفريقيا الفخري ديزموند توتو إلى أونغ سان سو تشي
عزيزتي أونغ سان سو تشي
على الرغم من أنني أصبحت من كبار السن وأنني قد اعتزلت العمل العام بشكل رسمي، فإنني قررت الخروج عن صمتي لما أشعر به من حزن عميق بداخلي تجاه موقف الأقلية المسلمة في بلادك، الروهينغا.
في قلبي ما زلت أعتبرك أختي الصغرى المحببة، ولطالما احتفظت بصورةٍ لكِ على مكتبي لتُذكِّرني بكمّ الظلم الذي وقع عليكِ والتضحية التي قُمتِ بها بسبب حبكِ وولائكِ لشعب ميانمار. كنتِ ترمزين إلى العدل. في عام 2010، ابتهجنا لسماع خبر تحرُّركِ من الإقامة الجبرية، كما احتفلنا في 2012 بانتخابكِ قائدةً للمعارضة.
هدَّأ ظهوركِ في الحياة العامة من مخاوفنا تجاه الظلم الذي يُرتَكَب في حق مواطني الروهينغا. ولكن، ما سماه البعض من قِبل "تطهير عرقي" أو "إبادة جماعية بطيئة" لا يزال مستمراً إلى الآن، ويستمر بشكل أسرع مؤخراً. تملأ تلك الصور التي تُظهر معاناة مواطني الروهينغا قلوبنا بالرهبة والذعر.
نعلم أنكِ تعلمين أن للناس أشكالاً وديانات مختلفة -وقد يتفوَّق بعضهم في تسليحه على البعض الآخر- لكن هذا لا يعني فوقية أحدهم ودونية الآخر. إذ إننا من وراء تلك المظاهر الخارجية كلنا متساوون، كأفراد الأسرة الواحدة، أسرة البشرية، حيث لا اختلافات طبيعية بين البوذيين والمسلمين. وسواء كنا يهوداً أو هندوساً، مسيحيين أو ملحدين، لقد خُلِقنا ليحب بعضنا بعضاً، بلا تعصُّب. فالتمييز لا يأتي بشكل طبيعي؛ بل فهو يُكتَسَب.
أختي العزيزة: إن كان الثمن السياسي لصعودك لأعلى المناصب في ميانمار هو الصمت، فلتعلمي أن هذا الثمن باهظ. فالدولة التي لا تنعم بسلامٍ داخلي، والتي تفشل في أن تحافظ على كرامة وقيمة كل مواطنيها، لا يمكن أن تكون دولةً حرة.
ومن المتناقض أن يقود رمزٌ للعدالة مثل تلك الدولة، فذلك يضيف المزيد إلى آلامنا.
في حين نشهد تلك الأحداث المرعبة، ندعو الله أن يمتعكِ بالشجاعة والمرونة مرة أخرى. ندعو لكِ بأن تقيمي العدل، وأن تراعي حقوق الإنسان، وأن تحفظي وحدة شعبك. ندعو لكِ بأن تتدخلي لوقف تصاعد الأزمة وأن تعودي مرةً أخرى بشعبك لطريق العدل.
ليباركك الرب
رئيس الأساقفة الفخري ديزموند توتو
هيرمانوس، جنوب إفريقيا