هنا أعتقد أننا في حاجة لنقف احتراماً لهذه الكلمة التي كانت سبباً في إنقاذ حياة الملايين من البشر وإعادة الثقة للرجال مرة أخرى! أتعرف ما هي تلك الكلمة؟ إنها "الصدفة"، الصدفة التي كانت سبباً في تحولات في غاية الأهمية في تاريخ البشرية على الأرض، ولكن دائماً كي نصل إلى نتائج وتطبيقات ملموسة لا بد أن يعقب الصدفة بحث جيد وتجارب عديدة حتى تأتي الصدفة بثمارها الطيبة.
الجميع يعلم قصة نيوتن مع التفاحة، تلك هي الصدفة، ولكن الكثير لا يعلم لولا شغف نيوتن وحبه للتساؤل والبحث للوصول للحقيقة لما وصل لقوانين الجاذبية والحركة وغيرها من قوانين الفيزياء الكلاسيكية، ولو انتقلنا إلى دور الصدفة في اكتشاف الأدوية لوجدنا ألكسندر فليمنغ يتربع على القمة؛ لأنه اكتشف البنسلين الذي كان الفاتحة لاكتشاف المضادات الحيوية وتطويرها؛ لتصل إلى أعلى درجات الفاعلية في الوقت الحاضر، وبدأت الصدفة مع ألكسندر فيلمنغ العالم البريطاني المتخصص في علوم البكتريا؛ حيث ذهب لقضاء إجازته في الريف وترك نافذة المعمل مفتوحة، وبعد عودته وجد أن الأطباق التي كان ينمي البكتريا فيها قد تلوثت فقرر التخلص منها، ولكنه لاحظ أن هناك طبقاً ماتت به كل البكتريا المحيطة بالعفن، هنا تنتهي دور الصدفة، ويأتي دور العمل والاجتهاد، فأجرى التجربة مرات عديدة؛ ليتأكد أن فطر البنسيليوم الذي انتقل إلى الطبق عن طريق النافذة قادر على إنتاج مضاد حيوي يقتل البكتريا.
ثم تأتي الصدفة لتخدم الرجال إلى الأبد؛ حيث يتم اكتشاف الفياغرا التي كانت مخصصة لعلاج ارتفاع ضغط الشريان الرئوي، ثم اكتشفوا أنها تحسن الانتصاب عن الرجال الذين يعانون من الضعف الجنسي، فتبدأ شركة فايزر في إجراء تجارب على مادة السيلدينافيل المادة الفعالة الفياغرا؛ ليتم التأكيد على أنها تحسن الانتصاب عند الرجال الذين يعانون من ضعف جنسي، وتأخذ موافقة من هيئة الغذاء والدواء الأميركية عام 1998؛ لتكون الفياغرا أول منتج يستخدم لعلاج الضعف الجنسي عند الرجال، وتحقق فايزر مكاسب خيالية من منتج الفياغرا بفضل الصدفة، ثم البحث العلمي، وتقدر مبيعات فايزر عام 2008 من الفياغرا بحوالي 1.9 بليون دولار أميركي.
وتستمر الصدفة في منح البشرية اكتشافات عظيمة تزيد من فهم الإنسان للكون وإضافة الجمال والصحة في حياتنا؛ حيث يقوم فريق بحثي من جامعة تكساس بدراسة على فئران التجارب ليتعرفوا أكثر على نوع من السرطان يسمى (neurofibromatosis) نيوروفيبروماتوزيس، وهو مرض وراثي نادر يتسبب في نمو الخلايا السرطانية على الأعصاب ليكتشفوا بالصدفة دور بروتين يسمى (KROX20) في نمو الشعر، فيتغير اتجاه البحث لفهم أعمق لتحديد الخلايا المنتجة لهذا البروتين ودوره في بقاء الشعر على لونه الأصلي، وعدم الإصابة بالصلع؛ ليجدوا أن نفس الخلايا تنتج بروتيناً آخر يسمى (SCF) وهو المسؤول عن نمو خلايا تلوين الشعرة في البصيلة، وعند نزع الخلايا المنتجة لهذا البروتين يبدأ تغير لون الشعر تدريجياً بعد 30 يوماً ثم يصبح شعر الفأر أبيض تماماً خلال 9 شهور.
أما إذا تم نزع الخلايا المسؤولة عن إنتاج البروتين (KROX20) لا ينمو الشعر نهائياً، ويصبح الفأر أصلع.
والبحث لم تتم تجربته على الإنسان ولكن الجميع يتوقع نجاحه؛ لأن الخلايا متشابهة إلى حد كبير في جميع الثدييات.
ويتوقع إنتاج كريمات أو مستحضرات جديدة قد تكون علاجاً نهائياً للصلع ولعلاج حالات تساقط الشعر المرتبطة بغياب (KROX20).
وأيضاً يمكن القضاء نهائياً على الشعر الأبيض بعد فهم طريقة عمل الخلايا الموجودة في بصيلات الشعر والمسؤولة عن نمو والحفاظ على لون الشعر، ولكن نحتاج لدراسات أعمق ونقل التجارب على الإنسان للتأكّد من صحتها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.