هل تستطيع أن تتخيل عالَماً يمكنك أن تبرمج فيه الماضي حسب رغبتك وتعيشه من جديد؟ ثم بعد أن تكتفي منه تعود إلى المستقبل، تعود إلى حاضرك؟ من بين هذه البرمجيات التي ستقوم بها لهذا الماضي، يمكنك أن تعيش كل الرغبات التي كنت تحلم بها، وسيساعدك على تحقيقها بشر كالآلات لا يتذمرون.
لا تقلق فهم ليسوا بلداء أو أغبياء، فهم سيُجارونك في مغامرتك هذه؛ لأنهم أصحاب ذكاء اصطناعي. ما رأيك؟ يبدو الأمر مشوقاً، أليس كذلك؟
إن كنت قد شاهدت المسلسل، فلا ترحل وابقَ واستمع لما سنناقشه أنا وأنت، لكن إن لم تشاهده بعد، فأنصحك أن تغادر هذا المكان حالاً، ليس لأننا لا نرحب بالغرباء ولكن ستستمع لهذه المناقشة وأنت مفتقد لمفتاح مهمّ في اللعبة.
ربما من العنوان فهمت ما سنقوم به، لن نشرح أحداث المسلسل أو نحلل ذلك المشهد، كل ما سنقوم بها هو طرح مجموعة من الأفكار يهلل بها هذا المسلسل في صمت وراء حجاب، حجاب الأفكار غير المباشر! سنرفع مستوى التحدي بعض الشيء، سنحاول أن نستخرج كل ما لا نراه.
حسناً، لنبدأ..
"أنا غريب عن هذا العالم.. أنا غريب وليس في الوجود من يعرف كلمة من لغة نفسي" – جبران خليل جبران.
إذا صادفت يوماً ما شيئاً غير معروف ولم ترَ مثلَه من قبل أو تم ذكره أو اكتشافه من طرف شخص آخر وكنت أول مَن يواجهه، ماذا ستفعل؟ اتفق العديد من الفلاسفة والعلماء على أن في مثل هذه اللحظات تلعب قضية الوجود لعبتها بشكل جيد، فهناك مَن سيهرب، وهناك مَن سيحاول أن يستخدم عقله لفكّ شفرة ذلك الشيء، وهناك من سيتغاضى ولن يعطي اهتماماً.. إلخ، لكن ماذا عنك؟ ماذا ستفعل إن وجدت نفسك في مثل هذه الحالات؟
إن من أهم الأمور التي يرتكز عليها هذا المسلسل هو قضية الوجود هذه، قد تختلف طريقة تأويلها في أحداثه، لكن نفس المفهوم يبقى حاضراً من خلال مخاطبة اللاوعي الخاص بالمشاهد، من خلال دعوته، بشكل غير مباشر، لأن يفكر في الأمر بنحو حساس جداً، وأن يفكر في قضية أن يتغلب المخلوق على خالقه، وما حدث بالضبط في نهاية المسلسل يؤكد تماماً هذا الأمر، حيث رأينا كيف ثار أولئك البشر الآليون اليائسون على الذين خلقوهم.
من الأمور التي يمكن استنباطها أيضاً من هذا المسلسل هو تأويله للعلاقة بين العقل والوعي؛ حيث يدَّعي أن الوعي والذكاء والاستيعاب والفهم وكل هذه المفاهيم الوجودية الشائكة لم نحصل عليها من قوة أو خالق أكبر منا، بل وُجدت معنا بداخلنا منذ بدايتنا، حيث يُظهر لنا هذه الأمور بطريقة غير مباشرة من خلال محاكاة البشر الأولين الذين وُجدوا على وجه هذه البسيطة، كيف أنهم اكتسبوا وطوّروا هذه المفاهيم لوحدهم بدون تدخّل أي خالق أو قوة أكبر منهم.
كذلك، نستطيع أن نستخرج من الأفكار ما يحاول أن يُظهره، العلاقة بين الإنسان والآلة، كيف أن مفهوم الذكاء والوعي سيدخلان في مراحل أخرى جد متقدمة في المستقبل، حيث سيكون هناك الوعي الاصطناعي الذي ستطوره الآلة في مواجهة الوعي البشري. فالآلة لن تبقى حبيسة أوامر البشر، بل ستقوم بثورة وربما قد تسيطر عليه.
تجدر الإشارة إلى أن هذا المسلسل هو من تطوير أخ كريستوفر نولان، "جوناثان نولان" و"ليزا جوي"، بميزانية تعتبر الأضخم في المجال التلفزيوني، وصلت إلى 100 مليون دولار، كما حصل كذلك على متابعات كبيرة وتقييمات من طرف النقاد أغلبها إيجابية.
بالنسبة للموسم الثاني فلن يصدر حتى سنة 2018.
للمزيد من مراجعة الأفلام والمسلسلات، زورونا على موقع .
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.