ترسل بورصة الدار البيضاء إشارات معاكسة، لما تطمح له دعاية الأوساط المالية المغربية، في تسويق صورة عن مشروع casa city (القطب المالي) المنتظر منه أن يتحول إلى مركز مصرفي إقليمي، بل حتى إلى منصة على المستوى القاري، لاستقبال تدفق الرساميل العابرة للقارات.
اليوم وصل الحال بهذه السوق المالية المحلية لبيع وشراء السندات، إلى نقطة شبه الجمود التام؛ حيث رأينا في فترة قريبة، كيف تم الخروج المفاجئ لمزيد من الشركات، التي كانت تدور شبهات حول تعاملاتها، وعدم شفافية حساباتها، أو تلك التي إما كان هناك رفض صارم لملف انخراطها، من طرف مجلس بورصة القيم، أو تلك التي تم التشطيب عليها بالمرة، لعدة أسباب، على رأسها مثلاً عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه المكتتبين الصغار.
إن الخلل عميق، وأي تحسن داخلي لمؤشر وتيرة تعاملات البورصة ليس بإمكانه، مع كل قوى الدعاية المتوفرة، إخفاء الأعطاب الهيكلية.
فإذا كان البنك والبورصة وجهين لعملة واحدة، في توظيف الأموال وخلق صناديق الاستثمار الحميد، فمن الواضح أن البنوك ومصارفها الأخطبوطية، بطريقة أو بأخرى يطول شرحها، استوفت مهمّتها واستطاعت اكتساح الأسواق الإفريقية بنجاح منقطع النظير، مع توسيع كل موسم سنوي، هامش الربح الكبير، أما بورصة الدار البيضاء فحدّث ولا حرج.
ولن نذهب بعيداً ونقول، كما لو كنا من جوقة التيئيسيين المتشائمين: إنها أصبحت على وشك الاحتضار، وإن ديناميتها قاصرة عن الدخول في لعبة الكبار الدوليين، وإن ثقلها المالي لن يسمح لها بتاتاً بذلك، وبالتالي ستبقى مسجونة ألاعيب الدوامة المغلقة؛ حيث تقتصر فقط على جذب رؤوس الأموال، لإقحامها في مغريات المضاربة على المدى القصير، وجعل اقتناص المال السهل هو الغاية والوسيلة، مع ما سيصاحبه من أخطار غير مؤمّنة، في مقابل المشاريع العملية الملموسة، التي تتطلب الاستثمار المنتج؛ بل للأسف الواقع الاقتصادي يعرف فعلاً هزات وتحولات هيكلية نسبية، لها آثارها البينة، حسب معطيات كل ظرفية، لكن في الوقت نفسه، صار يتعذر فهم الدور الحقيقي لبعض المؤسسات المالية في النسيج الاقتصادي، بعدما اتجه معظمها إلى نهج سياسة الاحتراز والربح السريع، والاستفادة بفورة وبشكل تفضيلي، من مساهمات الادخار العمومي، المقتطع من جيوب الساكنة الفاعلة الناشطة، كما هو الحال مع بورصة الدار البيضاء، التي بلغ أثرها الاقتصادي، على عموم المشاريع المفترض خلقها وتنزيلها، مستوى يقرب من ِنسب جد محتشمة.
أظن أن هذه المؤسسة المحورية، في تسييل الأموال، وتقديم مساعدات مهمة للمقاولات الناشئة، وصلت إلى مرحلة تستدعي التساؤل حول فاعليتها ونجاعتها كمؤسسة راهنة، علاوة على أنها مطوقة بترسانة من المساطر القانونية ذات جودة تشريعية عالية، وصلت في تقنينها إلى مستوى قوانين أكبر الأسواق المالية الدولية (فهي تتضمن العديد من القوانين ومئات البنود) وكلها لإدارة تقريباً سبعين شركة مدرجة، بما فيها تلك الشركات "الشبح" المسوقة هناك للتلميع، كما لو كان وجودها يقتصر على تأثيث الواجهة فقط لا غير.
نعلم، قبل عقد من الزمان، أنه كانت هناك سيولة وافرة من العملات محصلة من صفقات الخوصصة الكبرى، التي عقدتها الدولة بامتياز، فأنعشت شرايين المصاريف، وأسالت لعاب الكثيرين من المنعشين والمستثمرين الشرهين، الذين تدفقوا من كل حدب وصوب؛ لكن مع إكراهات التضخم وتمركز المشاريع في جهة واحدة (العقار immobilier) انقلب هذا كله إلى شبه استنزاف مستمر، زاد من الانكماش الداخلي وانكماش في السيولة انعكس بشكل خطير على الموازنة العامة، ولولا تدخل خط القروض المؤمّنة والممنوحة من طرف صندوق النقد الدولي، لتأزّم الوضع أكثر فأكثر.
لقد فقد الجميع الثقة، مع مرور الوقت، واستمرار عدم وجود رؤية واضحة واستراتيجية متينة، فإذن لكل هذه الأسباب والأعطاب، ربما صار إصلاح البورصة أمراً ملحّاً، ولو بمبادرة متداركة لقتل الخمول الحالي، وإعادة الدينامية المأمولة من جديد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.