غالباً ما تتباهى الهيئة المشرفة على إدارة قناة السويس المصرية، بعدد السفن التي تمر عبرها يومياً، بينما تحرص في المقابل على إخفاء عائداتها. والسبب بكل بساطة، أن واقع مشروع توسعة القناة الذي كان حلماً طموحاً للشعب المصري الملقب بـ"الفراعنة"، قد تحول لكابوس اقتصادي.
صحيفة الموندو الإسبانية، كشفت ملامح هذه الرحلة لمشروع التوسعة، الذي اعتبرته "استثماراً فرعونياً" بدا منذ مراحله الأولى كـ"نذير شؤم"، قائلةً إن عائدات القناة بلغت نحو 447 مليون دولار خلال شهر أغسطس/آب 2017 الماضي، وهي نسبة بعيدة جداً عن حجم العائدات في الشهر ذاته عام 2014، والتي بلغت 510 ملايين دولار.
اعتبرها المسؤولون المصريون بمثابة "هدية من مصر إلى العالم"، وتتويجاً سعيداً "لحلم مصري كبير". لكن، وبعد مرور سنتين على مشروع التوسعة الهائل لقناة السويس، لا تزال التوقعات بشأن عائدات القناة يلفها الغموض.
وشمل هذا المشروع الذي تم تنفيذه في وقت قياسي جداً، حيث لم يتجاوز ذلك 12 شهراً، بناء تفريعة موازية للقناة على طول 35 كيلومتراً وبعمق يصل إلى نحو 37 كيلومتراً. ومن ثم، تحولت هذه القناة في تصريحات المسؤولين إلى "حل شافٍ" كفيل بإنقاذ الاقتصاد المحلي المهدد بالانهيار.
تمت التوسعة فلماذا لم تتضاعف الإيرادات؟
كان الهدف من هذا المشروع يكمن في الحد من المدة التي تقضيها السفن في الانتظار إلى أن يُسمح لها بالعبور من 18 إلى 11 ساعة. ومن ثم، تعزيز طاقة استيعاب الطريق البحرية التي يمر من خلالها نحو 7 في المائة من التجارة العالمية، ومضاعفة عدد السفن التي تمر عبرها؛ ومن ثم زيادة الإيرادات.
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فبحسب مروة ماهر، إحدى المتحدثات باسم القائمين على القناة، "تأثرت الإيرادات نتيجة ضعف التجارة الدولية وانخفاض أسعار النفط".
وأضافت مروة: "هناك الكثير من شركات النقل البحري التي اختارت أن تلتف حول القارة الإفريقية، وهو مسلك أطول بكثير مقارنة بالمسالك البحرية الأخرى".
وكشفت مروة أنه لمواجهة هذه الأزمة، فإن إدارة القناة "بصدد الاعتماد على سياسة أكثر مرونة، وذلك من خلال توفير خصومات وتخفيضات لصالح الشركات التي تستخدم القناة".
ويعيد ما قالته مروة إلى الأذهان، التبعات التي حذر منها المحللون منذ سنتين، وذلك في محاولة للحد من النفقات الحكومية الجامحة على المشروع الذي لم يؤتِ ثماره ولا حتى قريباً منها.
ووفقاً، لمخططات القناة، يهدف مشروع التوسعة بالأساس إلى مضاعفة أرباح القناة من 5.3 مليار دولار كل عام (بحسب أرباح 2014) إلى 13.2 مليار دولار بحلول 2023.
وتعليقاً على هذا، يقر الخبير الاقتصادي المصري عمرو عدلي بأنه "خلال السنتين الماضيتين، لم ترتقِ الإيرادات إلى المستوى المطلوب من حيث القيمة المطلقة أو التقريبية. فضلاً عن ذلك، لم تبادر الحكومة على الإطلاق بتقديم توضيح أو استراتيجية فعلية، تبين كيف يمكن تحقيق زيادة في الأرباح بنسبة 250 في المائة على مدى فترة 9 سنوات".
وأضاف عدلي، الذي يعمل باحثاً في مركز كارنيغي للدراسات: "العائدات الحالية تشهد حالة من الركود؛ بسبب تباطؤ نسق التجارة العالمية. لكن، وفي حال تحسنت الأمور خلال السنوات المقبلة، فمن المرجح أن نسبة العائدات سترتفع".
وفي محاولة لإخفاء معالم هذا الفشل الذريع، قامت هيئة قناة السويس، التي يترأسها الجنرال مهاب مميش، من خلال صفحة الويب الخاصة بها، بالإعلان عن العدد الشهري للقوارب وأطنان البضائع التي تمر عبر فرع قناة السويس الجديد.
التفريعة.. نذير شؤم
منذ البداية، كانت هذه التوسعة بمثابة نذير شؤم بالنسبة للبلاد، حيث ندد المنتقدون بهذا المشروع على خلفية عدم القيام بدراسة الجدوى قبل تشييد هذه التفريعة، كما طالبوا بفرض رقابة على الاستثمار في هذا الحلم الفرعوني، حيث استولت الدولة على نحو 8.5 مليار دولار من خلال سندات ذات فائدة سنوية تبلغ 12 في المائة، لمدة 5 سنوات، ليتم توظيفها على المدى القصير والمتوسط.
وفي سياق متصل، أبرز الباحث عمرو عدلي أنه "بمرور الوقت، وعلى المدى المتوسط على الأقل، سنكتشف أن هذا الاستثمار كان مخططاً فاشلاً. وينبغي آنذاك إعادة المبالغ التي تم الاستحواذ عليها تحت حجة هذا المشروع إلى خزينة الدولة، التي يواجه اقتصادها العديد من المشكلات بالفعل".
الحكومة تبحث عن حل.. ضبابي أيضاً
في ظل عدم تحقيق الإيرادات المرجوة، لم تجد السلطات ملاذاً سوى تطوير مشروع رائد آخر. ويكمن هذا المشروع في تطوير المنطقة الاقتصادية للقناة، وهي خطة طموحة ترمي إلى بناء منطقة صناعية ولوجيستية على طول ضفة القناة، التي ساهمت في العقد الماضي في توفير نحو 2.5% من النقد الأجنبي لصالح خزائن الدولة.
ولكن يبدو أنه قد يمثل كارثة جديدة كسابقه، حيث يختتم الخبير الاقتصادي عمرو عدلي قائلاً: "هذا المشروع غير واضح المعالم، وما زال الغموض يشوب الطريقة التي ستستقطب من خلالها القناة الاستثمار الأجنبي".