منذ الرابعة فجراً، يتسابق التجار والمزارعون في شوارع بلدة أشمون الضيقة التي تبعد نحو 70 كم عن العاصمة المصرية (القاهرة)، بعربات تحمل مختلف أنواع الماشية، وتعالت صيحات التجار، وكل منهم يحاول استعراض قوة وعافية ما يملك من عجول أو جاموس أو أغنام؛ لجذب الانتباه.
يعيش أهل البلدة، الواقعة بمحافظة المنوفية في دلتا النيل، هذا المشهد منذ أيام، ويستمر خلال أيام العيد؛ بحثاً عن مُشترٍ يرغب في تطبيق سُنّة الأضحية هذا العام، ولكن الأمر يبدو أنه لم يعد كما كان في الأعوام السابقة؛ فالتكلفة العالية هذه السنة جعلت السوق ساحة للفرجة (المشاهدة) أكثر منها للشراء.
محمد مسعود (أحد التجار)، يتحدث عن الوضع المأزوم بقوله: "العام الماضي، كان هناك نشاط أكثر في السوق من حيث البيع والشراء، أما هذا العام فلا تجد الماشية من يشتريها لارتفاع الأسعار!".
وأوضح مسعود أن ارتفاع أسعار الأعلاف؛ نتيجة موجة الغلاء التي تمر بها البلاد، من أهم أسباب زيادة سعر الأضحية، فقد ارتفع سعر العلف من 2.5 جنيه (0.14$) للكيلوغرام السنة الماضية إلى 7 جنيهات في الوقت الحالي.
"العجل الذي كان يبلغ سعره 15000 جنيه العام الماضي اقترب هذا العام من 30000 جنيه!"، أضاف التاجر.
ليس العلف وحده السبب
وبدأت موجة تضخم غير مسبوق في مصر منذ تحرير سعر صرف الجنيه في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016؛ ما أفقده نصف قيمته.
وسجل معدل التضخم السنوي مستوىً قياسياً بلغ 34.2% بنهاية شهر يوليو/تموز 2017 على مدار السنة، حسبما أفاد جهاز التعبئة والإحصاء المصري.
ويأتي ارتفاع مؤشر الأسعار ليعكس الزيادة التي أقرتها الحكومة المصرية في أسعار المحروقات بنهاية شهر يونيو/حزيران 2017؛ استكمالاً لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي حصلت مصر بمقتضاه على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي على مدى 3 سنوات.
ويقول ناصر أبو كيلة، تاجر الحبوب الذي يبحث عن أضحية بسعر مناسب منذ أكثر من أسبوعين: "حتى لو أراد الناس شراء اللحوم المذبوحة، فإن سعر الكيلو حالياً قفز إلى 130 جنيهاً".
وأرجع عدد من تجار الماشية بالسوق أحد أسباب الغلاء إلى بعض الأمراض التي تصيب الماشية، مثل الحمى القلاعية التي أدت -على حد قول محمود أبو القمصان (تاجر ماشية)- إلى "نفوق عدد منها" بالمنوفية؛ ومن ثم لجوء التجار إلى رفع سعر الماشية المتعافية.
ويقول سعيد مسعود، أحد قصَّابي القاهرة والذي جاء إلى أشمون طامعاً في أن تكون أسعار الأضاحي أقل من العاصمة: "كنت أتكلف 100-150 جنيهاً أجرة نقل الماشية إلى القاهرة العام الماضي، هذا العام ارتفعت تكلفة النقل إلى 400 جنيه بعد زيادة الوقود"، وأشار إلى أن هذه الزيادة سترفع من ثمن الأضحية عند بيعها بالطبع.
ويضيف: "بسبب الغلاء، رفعت أجرة الذبح بمقدار 200 جنيه عن العام الماضي لتتراوح بين 800 و1000 جنيه".
هل تغني اللحمة؟
طارق حسن، صاحب محل لحوم في القاهرة، يقول: "الزبائن لا يُقبلون على شراء الأضاحي؛ لأن الأسعار مرتفعة للغاية".
وتابع حسن: "ليس هناك مقارنة بعيد الأضحى الماضي حين كان سعر كيلو اللحم 85 جنيهاً للكيلو، ولكن أصبح 150-160 جنيهاً هذا العام".
أما نجلاء رجب (ربة منزل ثلاثينية)، فشكواها تؤكد ما ذهب إليه التجار، حيث تقول: "لقد أصبح وضع الأسعار صعباً؛ فحتى تستطيع شراء 2 كيلو من اللحم تتكلف 300 جنيه دون أن تتضمن فاتورة الشراء أي صنف آخر".
وتابعت رجب، في أثناء شرائها اللحم من أحد القصابين بالقاهرة: "من كانت أضحيته عجلاً العام الماضي، يضحي هذا العام بكبش، ومن ضحى بكبش فلن تتسنى له فرصة شراء أضحية هذه المرة؛ فلقد تضاعفت الأسعار".
الحكومة تنافس التجار
وأعلنت وزارة الزراعة المصرية، بداية أغسطس/آب 2017، توفير نحو 50 ألف أضحية بأسعار تقل عن سعر الأسواق بين 5 و10 جنيهات للكيلوغرام، من خلال 187 منفذاً في 18 محافظة على مستوى الجمهورية.
وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة المصرية حامد عبد الدايم: "لقد حرصنا على أن يكون لكل مواطن الحق في حجز أضحية واحدة، حتى نفوّت الفرصة على التجار في الاستفادة من المبادرة".
وزعم أن "الإقبال كبير على منافذ الوزارة؛ لفرق أسعارها عن السوق".
ويبلغ عدد سكان مصر زهاء 93 مليون مواطن، يعيش 28% منهم تحت خط الفقر، بحسب الإحصاءات الرسمية لعام 2015.