رغم سنّها الصغيرة، يخشى الجميع الاقتراب من الطفلة السورية إكرام واوية ابنة الـ10 سنوات؛ إذ يرمقها الجميع بحذر وهي تتحرك في حارات مدينتها الصغيرة وسط الغوطة الشرقية لدمشق المحاصَرة من قِبل النظام السوري؛ وذلك بسبب إصابتها بمرض "السُماك الشائع" أو مرض "جلد السمكة" كما يطلق عليه البعض، وهو من الأمراض الجلدية التي تؤدي إلى تكوُّن جلدة سميكة متقشرة خارجية.
وهذا المرض الغريب ناجم عن خلل في نمو الجلد يؤدي إلى جفافه وتقشُّره، وله عدة أنواع؛ إلا أن الشكل الأوسع انتشاراً يسمى "السُماك الشائع"، ويصيب شخصاً بين كل 250 حول العالم.
وليس لمرض السماك علاج يؤدي إلى الشفاء التام، ولكنه يحتاج لعلاج مستمر؛ لمنع تدهور الحالة، وهو الأمر الذي بات متعذراً بالنسبة لإكرام، التي تعيش في منطقة تسيطر عليها المعارضة السورية في الغوطة الشرقية لدمشق؛ ومن ثم تخضع لحصار النظام.
وتقول والدة إكرام لـ"عربي بوست"، إن ابنها الأكبر عبد الكريم (13 عاماً) مصاب بالمرض أيضاً؛ ما يضاعف من معاناتها.
وتضيف الوالدة أن علاج الطفلين صعب جداً؛ إذ يحتاجان للاستحمام مرتين في اليوم الواحد صباحاً ومساءً، وتضاف الدهون والواقيات الشمسية والكريمات ومادة "الفازلين"، وكلها غير متوافرة، حسب قولها.
وتتابع: "العلاج لمثل هذه الحالات كان متوافراً قبل سنوات، لكن الحصار على منطقة الغوطة الشرقية، وسوء الأوضاع المعيشية والإنسانية، حال دون توافر العلاج المناسب؛ ما زاد من حجم معاناتنا".
وتخشى أم عبد الكريم ألا يتمكن أولادها من إكمال مسيرة حياتهم كالأطفال العاديين؛ نتيجة ما أصابهم وهي لا تستطيع مساعدتهم.
ولا يختلف حالها عن حال الأُسر السورية المحاصَرة التي تعاني أوضاعاً معيشية وطبية واقتصادية سيئة؛ نتيجة قلة فرص العمل وانتشار البطالة، إضافة لقلة الدعم المقدم من المنظمات الإغاثية، فتراها تتحمل الجزء الأكبر من تكاليف العلاج الباهظة لأولادها، بينما زوجها يعاني جلطة دماغية.
وتروي الأم قصة إصابة طفليها بالمرض، قائلةً: "انتقل مرض السماك الشائع إلى أولادي عن طريق جرثومة أصابتني في أثناء الحمل، لتبدأ بعدها رحلة العذاب، في محاولة تخفيف أعراض هذا المرض".
مرض وراثي
وحول طبيعة هذا المرض، أوضح الدكتور كمال سرميني، أخصائي الأمراض الجلدية ومدير مركز "إدلب الخضراء الصحي"، لـ"عربي بوست"، أن داء "السماك" داء وراثي وله نوعان: نوع مرتبط بالجنس ويصيب الذكور فقط، والسماك الشائع يصيب الجنسين وهو الأكثر انتشاراً، ومن الممكن أن يصاب به المريض منذ الولادة أو يظهر بعد الولادة بأشهر.
وأوضح أن الإصابة التي تحدث منذ الولادة تكون غالباً من النوع الخطير؛ فبعض الأطفال تغطي أجسادهم قشرة سميكة تعيق حياتهم، فيموت بعد فترة بسبب الإنتان (تسمم الدم)، وهناك إصابات تكون خفيفة وتتحسن باستخدام المطريات واليوريا، وهي حالات خفيفة ومتوسطة تعالج بكريمات اليوريا والفازلين، لافتاً الانتباه إلى أن نسبة الإصابة به في مناطق الداخل السوري لا تتجاوز 5 في الألف بين الأشخاص.
لماذا توقف الدعم عن مراكز الغوطة الطبية المحاصرة؟
وأكد المدير الإداري في المكتب الطبي الموحد بالغوطة الشرقية محمود الشامي، أن البنية الطبية في المناطق المحاصرة بحاجة لإعادة تأهيل وترميم، فهناك فجوة كبيرة بين المتوافر والحاجة، وقوافل الهلال الأحمر غير كافية لتأمين رعاية صحية كاملة أو عمل جراحي، كما أن الأجهزة الطبية بحاجة لصيانة.
ولفت في الوقت ذاته إلى توقف 12 مركزاً طبياً في الغوطة الشرقية عن العمل؛ نتيجة توقف الدعم المقدم من قِبل منظمة أطباء بلا حدود، من دون توضيح الأسباب؛ الأمر الذي انعكس سلباً على حياة الكثير من المرضى داخل الغوطة الشرقية.
من جانبه، قال الناشط سراج الشامي: "إن وضع عائلة أم عبد الكريم صعب جداً، فالمرض يحتاج لعناية فائقة، فإن لم يُعتنِ بهما تخرج الدماء من قدمي الطفلة إكرام ولا تتوقف أبداً"، موضحاً أن المرض غير قابل للشفاء، وإنما سيمضيان حياتهما بوضع المراهم والكريمات الواقية.
وأضاف: "إننا نحاول مساعدتهما عن طريق بعض المنظمات لحين تأمين الكفيل لهم، خاصة أن الأب مصاب بجلطة دماغية؛ ومن ثم لا معيل حقيقياً لتلك العائلة المنكوبة".
من يتكفل بهما حالياً؟
بدوره، قال أبو عبد الرحمن المعيدي، مدير مشروع إغاثة الملهوف والمسؤول المباشر عن الحالات الخاصة في المكتب الإغاثي الموحد للغوطة الشرقية، لـ"عربي بوست"، إنه المشرف الرئيسي على حالة الطفلين إكرام وعبد الكريم.
ويوضح أن تكلفة علاجهما تبلغ نحو 600 دولار شهرياً.
ويحتاج الطفلان إلى تبديل ملابسهما والاستحمام بشكل كامل، ومن بعدها دهن جسديهما بشكل كامل بمادة كريم الفازلين، وذلك من فروة الرأس وحتى أسفل القدمين، وتتم تلك العملية مرتين في اليوم الواحد مقسمة على فترتين صباحاً ومساءً.
ويقول المعيدي: "إن هذا الأمر قد يبدو سهلاً بشكل نظري، لكن بشكل عملي فإن تكلفة ذلك الأمر كبيرة جداً، حيث إن عملية استحمامهما بشكل يومي وتبديل ملابسهما وغير ذلك من المتطلبات الضرورية، تحتاج لمياه ساخنة ومعقمات ومراهم جلدية لازمة".
وأوضح أنهم ضمن مشروع إغاثة ملهوف، يحاولون قدر الإمكان التخفيف من معاناة المرضى والحالات الطبية المستعصية، ومن ضمنها الحالة التي يمر بها الطفلان إكرام وعبد الكريم، حيث يتم تقديم المنظفات والمعقمات وحطب التدفئة لهما، حسب الإمكانات المتوافرة.
أطمح أن أكون طبيباً لأعالج أختي
حلم عبد الكريم -الأخ الأكبر لإكرام- بأن يكون طبيباً للأطفال عندما يكبر، يبرره في حديثه لـ"عربي بوست"، لأنه يرغب في مساعدة الأطفال الصغار المصابين، وأن يصنع بيديه الدواء لأخته الصغيرة.
ويوضح عبد الكريم أن مرضه لا يمنعه من الذهاب للمدرسة، فثقته بأصدقائه كبيرة بأنهم لن يتخلوا عنه.
أما إكرام، فتقول لـ"عربي بوست" إن أمنيتها هي أن تصبح معلمة في المدرسة عندما تكبر.
حالات أسوأ
ولا تقتصر المأساة الطبية في الغوطة على حالة إكرام وعبد الكريم؛ بل تبقى حالتهما واحدة من مئات الحالات الأخرى، بحسب ما قاله المعيدي، الذي لفت الانتباه إلى وجود حالات مَرضية سيئة للغاية لأطفال آخرين.
كما أن هناك حالة لشاب مصاب بشلل أعضاء رباعي ولا يستطيع تناول الطعام، وإنما يقتصر غذاؤه فقط على الحليب الذي يتناوله عن طريق أنبوب، وقد تفاقمت حالته مع اشتداد الحصار على الغوطة الشرقية.
وأفاد المسؤول الإغاثي بوفاة طفلة قبل عدة أيام داخل الغوطة، كانت مصابة بضغط في العين، إلا أن أحداً لم يستجب لكل نداءات الاستغاثة لإخراجها من أجل تلقي العلاج.
كما أن هناك طفلة أخرى مهددة بالخطر؛ لكونها تحتاج دواء للدم، وغيرها أخرى مهددة بالعمى بشكل كامل في حال لم يتم إخراجها من الغوطة بشكل عاجل، وفق قوله.