يحكى عن: ليلى (1)

في مستهل الحديث، أخبرتُ صديقي أنني بدأتْ أُحِسُّ بصعوبة الطريق الذي اختاره الله، وبدأتُ أرى عنايتهُ تلفني بشكلٍ واضح، قاطعَ حديثي ليخبرني بدعاءٍ جعلَني أضعُ يدي فوقَ قلبي خوفاً عليه، فأخبرني بأن الفتاة في الحجابِ الأخضر كانت تتلوه يوماً ما، وأردفَ قائلاً بأن الفتاة في الحجاب الأخضر، يطابقُ كلامها كلامي، وربما قدْ أراها يومَ يُكْتَبُ لنا الوصول لقمةِ الشجرة العظيمة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/30 الساعة 04:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/30 الساعة 04:27 بتوقيت غرينتش

عُدْتُ يومها من لقاءِ عملٍ بعدَ أن أَفْرَغَتْ إحدى الفتيات كلماتها في وجهي، بعدَ أن رَفَضْتُ أن أصافحَ الفتاة المسؤولة، أو حتى أُبدي لها إعجابي بتسريحةِ شعرها، أو طلاءِ أظافرها، ربما لأنني أعطي لأشياءَ أخرى قيمة وامتلكُ معايير تحددُ جمالية الإنسان، والظاهرُ أن تسريحة الشعر، وطلاءَ الأظافرِ لا يحددُ بشكلٍ واضح قيمةَ وجمالَ المرأة في نظري؛ لذلك لم أَكُن الشخصَ الموعود الذي يتلطف، أو يبدي إعجابه، فرفضتْ بشكلٍ قاطعٍ أن أشتغلَ في الشركة التي تديرها، وأغلقت البابَ في وجهي، خَرَجْتُ من مقرِ الشركة الكبير، نحوَ الشارعِ الكبير الذي يربطُ الطريقَ السيار بالمدينة، أخبرني صديقي بأن ألتقيهِ في أحد المقاهي التي توجدُ أمام الشاطئ، ولا يقصدها إلا المنكسرة قلوبهم، أو من سَبَقَ له أن جلبَ خاتماً وأربعَ ورود وقرر بشكلٍ جدي أن يتزوجَ من الفتاة التي واعدها بالزواج، والظاهر أن صديقي، يريدُ أن يخبرني بشيءٍ ما.

وَصَلْتُ إلى المقهى في الوقتِ المناسب، يحوم حولي بعضُ الناس، الظاهرُ أنهم يخططونَ للزواج، وشكلِ العرس، وثمنِ شراءِ الورد، وعددَ المعازيم، تذكرتُ حديثَ والدتي وهي تقرأ كل ما أكتبُ عن ليلى، وتخبرني بأنهُ إن وجدتها يوماً، فعليّ أن أتحلى بالكثيرِ من الشجاعة لأقفَ أمامها، والكثير من القوة كي أوصلها نحو قمةِ الشجرة العظيمة.. قطَعَ أحبال أفكاري صوتُ صديقي وهو يُخْبِرني بأن نتجهَ للمكانِ حيثُ يمكننا الحديثُ بأريحية.. لم أُخْبِرْهُ يومها بما حدثَ لي مع تلك الفتاة، أو بأنني أبحثُ عنْ عمل، ومخزوني من المال الذي أحتفظُ به في أحد البنوك سينفد يوماً ما، وعليّ أن أوفر البعضَ منهُ للتنقل بحثاً عن عمل، وبأنني سأشتغلُ رفقةَ والدي، أو سأحملُ بعضَ أكياس القمح، أو الجبسِ أو أحفرُ نفقاً في أحدِ البيوت، أو أشتغلُ في أحد المقاهي أو المطاعم أو في أي مكان.. لطالما أحببتُ الفكرة، واعتبرتُ أنكَ وإن اختَرْتَ الوصول لله، فالطريقُ نحوه صَعْبٌ، لذلك الله يصْقِلُ قَلبْكَ ويبنيك، ويرسلُ جُنْده حتى يقوم اعوجاجكُ وتكونَ عندَ كل الطريقِ مستعداً، لقطعْ المسافة تلوَ الأخرى حتى تصلَ إليه وتلتقطَ أنفاسك في أعلى قمةِ الشجرة العظيمة.

في مستهل الحديث، أخبرتُ صديقي أنني بدأتْ أُحِسُّ بصعوبة الطريق الذي اختاره الله، وبدأتُ أرى عنايتهُ تلفني بشكلٍ واضح، قاطعَ حديثي ليخبرني بدعاءٍ جعلَني أضعُ يدي فوقَ قلبي خوفاً عليه، فأخبرني بأن الفتاة في الحجابِ الأخضر كانت تتلوه يوماً ما، وأردفَ قائلاً بأن الفتاة في الحجاب الأخضر، يطابقُ كلامها كلامي، وربما قدْ أراها يومَ يُكْتَبُ لنا الوصول لقمةِ الشجرة العظيمة.

وأكمل حديثه، دونَ أن أعْقِلَ منهُ شيئاً، وظلَّ بالي كله، مشغولاً بالفتاة في الحجابِ الأخضر، فمن تمتلكُ حقاً فكرة الوصول لأعلى قمةِ الشجرة العظيمة، هيَ بحق ليلى، التي كُنْتُ أخبرُ والدتي بأنها جميلة للحدِّ الذي يجعلني كاتب هاوياً عندَ كتابةِ أي شيءٍ عنها، وأني بشكلٍ عامٍ سأشعرُ بالانسحاقِ أمامها.

خرجتُ مودعاً صديقي، ونسيتُ ما حدثَ لي صباحاً، ونسيتُ بأن أُخْبِرَ صاحبَ المقهى بأن فنجان القهوة ذاك رديء، وأخبرَ تلك الفتاة الصغيرة التي كانتْ تُحَمْلِقُ في رَبْطةِ عنقي السوداء، وفي نظراتي المتواصلة للأعلى، بأنني وقتها كنتُ أفكرُ في احتمالية وفاتي عندَ سنِّ الأربعين، وأفكرُ في عددِ المشاريع التي عليّ القيام بها قبلَ أن يطرقَ بابَ غرفتي ملك الموت؛ لذلكَ كنتُ في كلِّ مرةٍ أتذكره أنه سيفعلها يوماً أرفعُ رأسي نحوَ السماء كيْ أخْبِرَ الله بأنني أريدُ القيام بالكثير من الأشياء التي قدْ تجعلني أصلُ للقمة، ولكني أحسُّ بالعجز التام.

عُدْتُ يومها لأبحث عن الفتاة التي تحدث عنها صديقي، والتي يظهر بجلاءٍ أن الله خلقها كيْ تصعدَ نحوَ قمة الشجرة العظيمة، أو تعينَ أحد المغامرين وتأتمنه على الصعود، لمْ يَخْطُرْ ببالي، أنني قدْ أكونُ ممن حظيَ بشرفِ وجودها معهُ، لمْ يخطر على بالي أمرٌ كهذا.. لكنَ فقطْ أن أدرك بأن ليلى كما كتبتُ عنها موجودة، وتعيشُ في أحدِ الأماكنِ التي لا أعرفها، شيءٌ جميل، يجعلني أتيقنُ بأن رحمةَ الله تلفُّ عنايةَ كل من غامرَ في شرفٍ مروم، فالله لنْ يكتبَ علينا كل هذه العراقيل دون أن يعطينا الرحمة والقوة كي نصلَ إليه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد