طوابير طويلة أمام جل البنوك الليبية من أجل صرف المبلغ المخصص لكل مواطن والذي لا يتجاوز في أحسن الأحوال 500 دينار ليبي (تقريباً 60 دولاراً) في الشهر بسبب أزمة السيولة التي تعاني منها البلاد. الحجاج الليبيون الذين تم انتقاؤهم هذه السنة لزيارة بيت الله الحرام بدورهم يعانون من نفس الأزمة، تأشيرة الحج جاهزة لكن العملة الصعبة اللازمة للسفر غير متوفرة في البنوك مما يضطرهم لطرق أبواب تجار العملة في السوق السوداء التي تستغل حاجتهم لتبيع لهم الدولار بأسعار خيالية.
الدولار "الأسود"
أحمد إسماعيل، في زيارة لتجار الذهب ليس من أجل شراء مجوهرات أو حلي، وإنما من أجل البحث عن الدولار المفقود في البنوك، من أجل تزويد شقيقته المسافرة إلى بيت الله الحرام بحاجياتها من العملة الصعبة بعد أن تم توفير مبلغ 4500 دينار ليبي وهو تكلفة أداء فريضة الحاج لهذا العام تدفع بصك مصدق باسم لجنة رعاية موسم الحج.
شقيقة إسماعيل التي تم اختيارها ضمن 7000 حاج وحاجة من ليبيا هذه السنة، عانت لأيام من طوابير البنوك قبل أن يقرر أخوها اللجوء إلى السوق السوداء، بنصيحة من أحد معارفه، رغم أن سعر الصرف فيها أضعاف مضاعفة كما يشرح إسماعيل في تصريحه للهاف بوست "نشتري الدولار في السوق الموازية بستة أضعاف السعر الرسمي، أي حوالي 8.5 دينار ليبي لكل دولار في حين يبلغ سعر صرفه الرسمي الذي حدده البنك المركزي الليبي فقط 1.37 دينار.. تخيلوا حجم خسائر الحجاج الليبيين، لكن ما باليد حيلة".
معاناة إسماعيل وشقيقته يؤكدها رزق الكاسح صديق العائلة الذي نصحهم بعدم الاعتماد على الحكومة أو البنك المركزي، ففي كل موسم حج تتجدد نفس المشاكل التي في نظره لا تسعى الحكومة إلى حلها بشكل جديد وتترك الحاج الليبي "تحت رحمة تجار العملة الذين يستغلون الفرصة لإشعال أسعار السوق السوداء وامتصاص دماء الحجاج".
رزق الكاسح حج السنة الماضية وعاش نفس المشاكل ليتطوع هذه السنة من أجل مساعدة الحجاج وإرشادهم إلى السبل الكفيلة لتفادي مشكل السيولة ومشاكل تنظيمية أخرى بالجملة بسبب غياب إدارة ليبية موحدة لملف الحج.
مشاكل بالجملة
إضافة إلى مشكل السيولة الذي برز بشكل واضح هذه السنة فإن مشاكل الحجيج الليبي في كل موسم تكرر نفسها داخل ليبيا وخارجها حين وصولهم إلى المملكة العربية السعودية كما يؤكد محمد عبد الله المسؤول سابق في لجنة الحج.
في نظره فإن غياب الإدارة والتخطيط السليم في ظل الفوضى التي تشهدها البلاد إثر انقسام سياسي عقب سقوط نظام القذافي قبل ست سنوات مما خلف برلمانيين وثلاث حكومات وحروب أسهمت بشكل مباشر في تدهور الاقتصاد الليبي مما انعكس على كل جوانب الحياة ومن ضمنها الحج.
فبالإضافة إلى المشاكل المالية يجرد عبد الله عراقيل أخرى إدارية وتنظيمية تواجه الحجاج تبدأ من بيروقراطية إدارات البلاد المختلفة خاصة مصلحة الجوازات، مروراً بلجان الكشف الصحي والتصاريح الطبية للحجيج وصولاً إلى ضعف الإمكانات والتنسيق للجان المرافقة والمشرفة على بعثة الحجاج الليبيين في الأراضي المقدسة والمنقسمة بدورها انقسام الحكومات والبرلمانات.
وحتى بعد تجاوز أزمة السيولة والعراقيل التنظيمية والإدارية تبرز مشكلة أخرى تتمثل في شركات الطيران المسيرة لرحلات الحج، حيث أعلنت شركة الخطوط الجوية الليبية عن إلغاء إحدى رحلاتها المبرمجة إلى مطار جدة.
الشركة في بيان أصدرته ألقت المسؤولية على اللجنة العليا للحج واتهمتها بعدم تأمين جوازات السفر الخاصة بالحجاج لتعطل استخراجها من السفارة السعودية بدولة تونس، حيث يتم استخراج تأشيرات الحج بعد توقف عمل البعثة الدبلوماسية في ليبيا بسبب الظروف الأمنية السيئة.
تسهيلات إدارية
بعد انتهاء عملية القرعة التي شارك فيها حوالي نصف مليون ليبي واختيار 7000 مرشح محظوظ قامت حكومة الوفاق الوطني المتمركزة في العاصمة طرابلس باتخاذ مجموعة إجراءات إدارية لتسهيل مهمة الحجاج الليبيين.
أولى هذه التسهيلات تمثلت في الاتفاق الذي وقعه عضو المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق رئيس لجنة الحج أحمد حمزة ورئيس مجلس الإدارة بالخطوط الجوية الليبية فتحي الشطي، حيث تكفلت الشركة بنقل الحجاج من وإلى الأراضي المقدسة من مختلف المطارات الليبية مقابل الصكوك المصرفية المصدقة بدلاً عن الدفع النقدي مراعاة لمشكلة نقص السيولة في البنوك.
مصرف ليبيا المركزي، السلطة النقدية الأعلى في البلاد، أكد بدوره تسّلم المصرف في 30 يوليو الماضي إذن الصرف الصادر عن وزارة المالية بحكومة الوفاق، بناءً على قرار المجلس الرئاسي رقم(649) لسنة 2017 ، بشأن تخصيص مبلغ مالي لصالح لجنة رعاية موسم الحج لعام 2017 .
البنك أكد في بيان له أن الصرف المُشار إليه نفذ بعد 24 ساعة من وصوله إدارة المصرف في حين وصلت مطلع أغسطس الجاري حوالات لجنة الحج، وكذلك إذن الصرف الخاص بمصروفات بعثة الحج، وتمَّ تنفيــذها في نفس اليوم بحسب المصرف.
المركزي أكد وبعد الرجوع إلى إدارات المصرف كافة، عدم وجود أيَّة معاملات مالية لصالح لجنة الحج موقوفة أو متأخرة لدى مصرف ليبيا المركزي، بما في ذلك حوالات شركات الطيران .
من بين التسهيلات التي تعهد بها البنك المركزي كذلك، استكمال إجراءات تحويل المبلغ المُخصص لصالح الحجاج، حيث سيتم تسليم مبلغ خمسمائة دولار لكل حاج حسب سعر الصرف الرسمي (1.37) نقداً بالعملة السعودية بعد وصوله الأراضي المقدسة.
غير أن هذه التسهيلات لم تنجح في محو كل تخوفات الحجاج الليبيين حسبما يؤكد صبري الفرجاني رئيس اللجنة الإدارية لبعثة الحج حيث يؤكد في تصريح للهاف بوست على عدم وصول أي حوالة لحساب الوديعة المصرفية في جدة السعودية من مصرف ليبيا المركزي لغاية الآن من أجل صرفها للحجاج المتواجدين هناك.. مما يجعل أحمد اسماعيل ممتناً في النهاية لنصيحة صديقه الكاسح.