من المرأة الأكثر تعرضاً للقهر في العالم العربي، إجابة هذا السؤال موجودة لدى الأمم المتحدة بالفعل، ولكنها قد تفاجئك حقاً.
فقد ذكر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمة له بمناسبة يوم المرأة العالمي، في الثامن من مارس/آذار 2017، أن دراسة أجرتها المنظمة الدولية أوضحت أن "أكثر نساء العرب قهراً هن المصريات والسوريات".
تقرير للنسخة الأسترالية لموقع ABC حاول تقصِّي أوضاع المرأة المصرية تحديداً، عبر تتبُّع قصص بعض النساء المصريات، وحقيقة معاناتهن التي تتحدث عنها دراسة الأمم المتحدة.
يريدونني فتاة عادية
هناء، وهي فتاة مصرية تبلغ من العمر 27 عاماً، قام معدو التقرير بتغيير اسمها ككل الشخصيات الواردة فيه، وهي تواجه ضغوطاً شديدة من عائلتها حتى تلتزم بما يعتقدونه أمراً طبيعياً بالنسبة للفتاة المصرية.
تقول هناء: "إنهم يريدونني أن أكون فتاة عادية وفق مفهوم المجتمع المصري فحسب، وأن أكون مجرد فتاة تقليدية– أن أتزوج، وتُصبح لي عائلتي الخاصة، وأُنجب الأطفال، ولا أعمل كثيراً، وأنا لا أريد أن تتمحور حياتي حول تكوين عائلة فحسب".
تُبيِّن هناء سبب ذلك قائلةً "عندي أهداف كثيرة ومختلفة، أُريد تحقيقها. أريد أن أعمل في الوظيفة التي أحبها، لكي أُطور نفسي عاطفياً وأصبح شخصاً أفضل. لا أريد أن أُنجب الأطفال، وهو ما سبب صدمةً لأمي".
ضجرت هناء من القيود المفروضة عليها من عائلتها، التي كان من ضمنها منعها من الخروج من المنزل عندما تتأخر في العودة من العمل، أو من لقاء أصدقائها.
تقول هناء: "لقد بدأ يسيطر عليَّ اكتئابٌ شديد، فكَّرت في الانتحار في نهاية المطاف لأضع حداً لهذا البؤس. لذا غادرت المنزل"، حسب ما نقل عنها موقع ABC الأسترالي.
وجدت هناء نفسها تعيش في غرفة ضمن شقة مشتركة وسط القاهرة، مع مجموعة من الفتيات اللاتي يعشن بعيداً عن أسرهن، وهو أمر نادر الحدوث في مصر، بالنسبة للنساء غير المتزوجات، ومرفوض من الغالبية العظمى من الناس.
فوفقاً لتقرير هيئة الأمم المتحدة لشؤون المرأة الصادر عام 2017، أكثر من 8% بقليل من الرجال، وحوالي ثلث النساء، يعتقدون أن المرأة غير المتزوجة يجب أن يكون لها حق العيش وحدها مثل الرجل غير المتزوج.
إلا أن حالة هناء استمرت في التدهور، حسب وصف التقرير.
تقول هناء: "بعد أسبوع من تركي للمنزل، أتت عائلتي إلى مقر عملي، ومن ثم بدأوا يضربونني خارج المكتب. كان أبي يصرخ قائلاً، إنها ابنتي، إنها ابنتي، ومن ثم بدأ بعض الأشخاص العابرين صدفةً في الشارع يشتركون في ضربي".
استطاعت هناء الفرار، وذهبت إلى أقرب مركز شرطة في الجوار. أخبر ضابط الشرطة والديها أن لها الحق القانوني في العيش وحدها، ولا يحق لهم ضربها بهذا الشكل في الشارع. انتهى النقاش بأن غادرت هناء مركز الشرطة وحدها دون توجيه أي اتهامات.
تقول هناء: "في مجتمعنا، يجب أن تعيش النساء مع عائلاتهن إلى أن يتزوجن أو يمتن. لا يمكن لهن مغادرة المنزل ما لم يذهبن إلى منزل الزوج، أو إلى القبر".
إلى أي مدى ينتشر التحرش؟
يُعد العنف والتحرش القائم على الجنس أمراً شائعاً بشكل مقلق في مصر. فقد كشف تقرير هيئة الأمم المتحدة لشؤون المرأة لعام 2013، أن 99.3% من النساء اللاتي شملهن الاستقصاء، قد تعرضن للتحرش الجنسي في الشارع.
في مايو/أيار 2017، أزاحت هيئة الأمم المتحدة لشؤون المرأة الستار عن أول تقرير من نوعه بالتعاون مع منظمة بروموندو غير الحكومية، إذ تم استطلاع آراء 10 آلاف رجل وامرأة من جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن آرائهم حول مسؤوليات الجنسين.
وبينما كان القاصي والداني يعلم مدى تفاقم التحرش الجنسي وغيره من أشكال العنف القائم على الجنس في مصر، فقد بحث التقرير آراء الرجال للمرة الأولى، تحت عنوان "الاستقصاء الدولي للرجال والمساواة بين الجنسين".
وصرَّحت شيرين الفقي، المحررة المشاركة في إعداد التقرير ومؤلفة كتاب "الجنس والقلعة"، لموقع ABC، أن البيانات المستقاة من هذا الاستقصاء، غاية في الأهمية لفهم سطوة الرجل على المرأة.
تقول الفقي: "لقد سألنا أسئلة مثل: هل يحق للمرأة أن تعيش وحدها دون زواج مثل الرجل؟ هل يحق للمرأة الدخول إلى الإنترنت مثل الرجل؟".
تضيف الفقي: "عندما سألنا عن حق المرأة في العمل والاستقلال المادي، كان النساء يفضلن العمل في المجال السياسي. ولكن عندما تطرقنا إلى النواحي الجنسية، كانت النساء متحفظات جداً، ربما أكثر من الرجال".
على سبيل المثال، عندما سُئل الناس عن "عدم مقاضاة الرجل الذي تزوج امرأةً بعد اغتصابها"، كانت نسبة النساء اللاتي وافقن على ذلك 33%، بينما كانت نسبة الرجال 28%.
وعندما سألنا أيضاً عما إذا كان "يجب على المرأة المُغتصَبة أن تتزوج مُغتصِبَها"، وافق قرابة 60% من النساء على ذلك، بينما كانت نسبة موافقة الرجال 64%.
"إذا أخبرت والدتي أنني تعرَّضت للتحرش الجنسي، ستُلقي اللوم عليَّ"
تعرضت شروق للاعتداء الجنسي من أحد أفراد عائلتها، ومن أحد أصدقاء العائلة بعد وفاة والدها، خلال سنوات مراهقتها.
بسبب الجو العام الخانق في المنزل، قررت شروق الانتقال للعمل في أحد منتجعات البحر الأحمر، والذي يبعد عن القاهرة بساعات، بعيداً عن أسرتها.
تقول شروق: "لقد حبستني أمي في المنزل لمدة عام، ومنعتني من الخروج، ومن مقابلة أصدقائي، ومن العمل. لم تسمح لي بعمل أي شيء سوى الدراسة".
وتضيف: "في مصر، الأم دائماً محقة. بغض النظر عما تقوله أو تفعله، هي دائماً على حق". وتابعت: "لا يمكنك عمل أي شيء دون الحصول على موافقة عائلتك".
تقول شروق: "إذا كنت في الخارج ورمقني أحدهم بنظرة استهجان، أو تعرضت للتحرش الجنسي في الطريق، أو فعلت أي شيء، أو حتى تساقط شعري، فهو خطئي لأنني أنثى أعيش في مصر. إذا أخبرت أمي أنني قد تعرضت للتحرش، سوف تلومني".
وقالت شروق إنها شعرت بتحسن كبير، بعد أن حصلت على وظيفة، وأصبحت مستقلة مالياً عن عائلتها. وتوضح ذلك قائلةً: "إنه أفضل شيء حدث لي على الإطلاق، بدأت أفكر بشكل مختلف، أصبحت لدي حرية مالية، وأصبحت أملك مالي الخاص".
وتضيف شروق أن شقيقها الصغير الذي يبلغ 18 عاماً، يقول إنها عاهرة، وذلك لأنها ترغب في الاستقلال والابتعاد عن منزل العائلة. وتتحدث شروق إلى عائلتها بين الحين والآخر حالياً.
لا يقتصر الاعتداء على الأسر فحسب، فقد أصبح التحرش الجنسي في الشوارع منتشراً بشكل لا يُصدق، ففي يوم واحد فقط من عام 2015، خلال عيد الأضحى، وَثَّقَت مجموعة مناهضة للتحرش الجنسي، تُطلق على نفسها "شاهدت تحرش"، أكثرَ من 200 واقعة تحرش تنوعت بين اعتداء لفظي وجسدي على النساء.
تتعرض النساء للاعتداء اللفظي والجسدي في الأماكن العامة بشكل يومي. إلا أن سلوكيات الاعتداء الجنسي البغيضة قد وصلت إلى أعلى مستويات السلطة في مصر، حسب وصف التقرير.
ففي مارس/آذار عام 2011، وفي أعقاب الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، تم اعتقال مجموعة من 17 امرأة، وتم ضربهن وإجبارهن على إجراء اختبارات العذرية من قبل الجيش، وفقاً لما ورد في الموقع الأسترالي.
وقد دافع الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي كان ذا منصب رفيع في الجيش آنذاك، عن تلك الممارسات.
وقال: "تجري هذه الإجراءات لحماية الفتيات من الاغتصاب، فضلاً عن حماية الجنود من الاتهام بالاغتصاب".
بالنسبة لهناء، كانت تجربتها الأولى مع الاكتئاب، بعد فترة وجيزة من تعرضها للضرب على يد قوات الشرطة أمام البرلمان، خلال اعتصام كانت تشارك فيه، بعد أن اقتادتها مجموعة من البلطجية المنحازين للحكومة إلى السلطات.
وتقول هناء: "شعرت بالضعف الشديد، وتساءلت: لماذا يتم التعامل معي بهذه الطريقة؟ إننا نعبِّر عن احتجاجنا سلمياً. ومن ثم بدأت صراعاً طويلاً مع الاكتئاب. لقد راودتني الكوابيس على مدار ثلاثة أشهر، ولم أكن أستطيع النوم إطلاقاً. عندما ذهبت إلى الطبيب النفسي، قال إنني أُعاني من اضطراب ما بعد الصدمة".
من المسؤول؟
تقول شيرين الفقي إن الأمر لا يتعلق بالمصريين فحسب، بل بالمنطقة العربية كلها، كما لا يتعلق الأمر بالقوانين التي تحمي المرأة نفسها، بل بطريقة تطبيق هذه القوانين، أو عدم تطبيقها.
تضيف الفقي: "إلا إنني أعتقد أن المشكلة الكبرى في مصر والمنطقة العربية تتلخص في الضغط الناجم عن الإذعان. فدائماً ما يتعلق الأمر بالآباء".
تشير الفقي إلى التساؤلات التي دائماً ما يبديها الآباء، مثل "كيف سيبدو الأمر؟ كيف سيؤثر ذلك على سمعة العائلة؟ كيف سيكون مظهرك أمام الأصدقاء والجيران؟ لذا، فإن الضغط الحقيقي ينشأ من رسم وتأكيد صورة معينة للفتيات. ومن ثم سعي العائلات إلى حماية سمعتها وفقاً لهذه الصورة. إنها مشكلة كبيرة. يهتم الناس بما يرونه أمامهم، وليس بما يحدث بالفعل، ولا يوجد قانون يستطيع حل هذه المشكلة".