بالرغم من موافقة مجلس الوزراء السعودي أخيراً على إنشاء مجلس التنسيق السعودي-العراقي، لتعزيز فرص التبادل التجاري بين البلدين، إلا أن رجال الأعمال السعوديين غير متحمسين للمجازفة بأموالهم في بلد أرهقتهُ الصراعات الطائفية ونيران الإرهاب.
فمنذ الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003، ما زال العراق يعيش أزمة تلو الأخرى، إضافة إلى تنامي دور الميليشيات الإيرانية في البلد، وانتشار الفساد في كافة القطاعات الحكومية الخاصة.
هذه الأسباب أدت حسب تقارير صحفية إلى فزع المستثمرين الخليجيين، وابتعادهم عن الساحة العراقية، لعقود من الزمن، وذلك بالرغم من القيمة الاقتصادية الكبرى للعراق على مستوى المنطقة.
الأمان أولاً
شعار يرفعه رجال الأعمال السعوديون، بغية حماية مصالحهم، حتى يصبح العراق من جديد نقطة جذب لهم. هذا الأمر يؤكده الخبير الاقتصادي فضل بوالعينين، في تصريح لـ"عربي بوست" قائلاً: "لا أعتقد أن العراق قادر حالياً على جذب استثمارات السعودية، وذلك لأسباب أمنية تتعلق بالوضع الداخلي، فالمستثمرون يبحثون عن الأمان دوماً".
وأضاف بوالعينين "قد يسهم المجلس التنسيقي المحدث أخيراً في رفع مستوى التجارة البينية بين البلدين، ووضع استراتيجيات للاستثمار الحكومي، التي تمهد لتوثيق العلاقات بين البلدين".
حيث شهدت العلاقات السعودية العراقية تحسناً كبيراً في الآونة الأخيرة، بزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لبغداد، في شهر فبراير/شباط الماضي، وذلك للمرة الأولى منذ 14 عاماً، حيث أكد أن هدف الزيارة هو إعادة العلاقات الثنائية بين البلدين لمسارها الصحيح.
نداءات عراقية متكررة
تحسن العلاقات جعل المسؤولين العراقيين يوجهون دعواتهم للسعوديين من أجل استئناف التعاون، فخلال زيارته لمدينة الجبيل الصناعية، في شهر أغسطس/آب الجاري، دعا وزير النفط العراقي جبار اللعيبي المستثمرين السعوديين إلى الاستثمار في بلاده، لما لديها من فرص واعدة، قائلاً: "نحن نتطلع للاستثمارات السعودية بالعراق، خصوصاً أن العراق لديه وفرة كبيرة بالثروات الهيدروكربونية والمياه.
اللعيبي أشار إلى أن مرحلة الإصلاح والبناء انطلقت بتجاوز أقوى التحديات الأمنية المتمثلة في الإرهاب، حيث أصبح العراق بيئة جاذبة ومناسبة للاستثمار.
الدعوة صدرت كذلك عن وزير الزراعة العراقي فلاح حسن، الذي عرض مليون هكتار من الأراضي الزراعية على المستثمرين السعوديين من ذوي الخبرة، خلال اجتماعه مع وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي عبد الرحمن الفضلي.
وبالرغم من تكرار تلك الدعوات العراقية التي تعكس رغبة مسؤوليه في رؤية رجال الأعمال السعوديين في بلادهم، إلا أن فهد المطلق، العضو السابق في غرفة جدة للتجارة والصناعة يرى ضرورة الانتظار لبعض الوقت، حتى يتسنى للعراق استتباب أمنه في كافة أرجائه، مؤكداً لـ"عربي بوست"، رغبته في الاستثمار الزراعي بالعراق، إلا أن تلاحق الأزمات في ذلك البلد العربي أثناه عن ذلك.
وأضاف المطلق "تعي السعودية، من منطلق دورها الريادي في المنطقة، أهمية الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة عبر فتح قنوات الاستثمار في تلك البلدان، وذلك لمساعدتهم من الناحية الاقتصادية على الوقوف من جديد، وبالرغم من حماسة رجال الأعمال السعوديين للاستثمار في العراق، لما يتمتع به من موارد طبيعية متنوعة، إلا أننا في حاجة إلى الشعور بمزيد من الاطمئنان لضخ أموالنا في مختلف القطاعات الحيوية في ذلك البلد العربي، الذي أدمته كثرة الحروب والصراعات.
المجلس التنسيقي السعودي-العراقي
تعاون بغداد والرياض من المنتظر أن يتم عن طريق المجلس التنسيقي المشترك بين البلدين، الذي يهدف إلى تعزيز التواصل بين البلدَيْن على المستوى الاستراتيجي، وتعميق الثقة السياسية المتبادلة، وفتح آفاق جديدة من التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية والأمنية والاستثمارية والسياحية والثقافية والإعلامية، وتعزيز التعاون المشترك بين الجانبَيْن في الشؤون الدولية والإقليمية المهمة، وحماية المصالح المشتركة، وتنمية الشراكة بين القطاع الخاص في البلدين، حسب وزير التجارة والاستثمار السعودي ماجد القصبي، الذي يرأس المجلس.
القصبي أضاف في تصريحات سابقة أن المجلس يسعى للارتقاء بالعلاقات بين البلدَيْن، موضحاً أن خطوة إنشاء المجلس تعبر عن رغبة السعودية الجادة لفتح جميع مجالات التعاون مع العراق، بما يخدم مصالح البلدَيْن.
الخوف من إيران
إضافة إلى عامل الأمن يبقى التخوف مما تعتبره الرياض تنامياً مقلقاً للدور الإيراني في العراق، وهو من أبرز معيقات التعاون بين البلدين. الصحيفة البريطانية "ذا غاريان" نشرت تقريراً حول المفاوضات السعودية العراقية لمنح الأخيرة دوراً أكبر لإعادة بناء المدن العراقية التي دمرتها الحرب، حيث أجرى كبار المسؤولين من كلا البلدين مفاوضات قبل ستة أشهر.
وبحسب الصحيفة، فإن الجانب السعودي طلب من نظيره العراقي التخلص من النفوذ الإيراني المتنامي منذ الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003، وقد توجت تلك المفاوضات بزيارة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر للسعودية.
وزير الدولة السعودي السابق، سعد الجابري، أشار في تصريحه للغارديان إلى أهمية زيارة مقتدى للسعودية، حيث ستسهم في عودة العراق إلى جيرانه العرب، مضيفاً "من شأن تلك الزيارة تعزيز أواصر التعاون بين الرياض وبغداد لتوفير الدعم الإقليمي للعراق، خاصة من دول الخليج، وهذا أمر ضروري بعد نجاح العراق في استعادة الموصل من داعش، وحاجته إلى إعادة إعمار المدن التي تضررت بسبب الحرب".