اتهمت الأمم المتحدة التحالف العربي، بقيادة السعودية، بالتسبب في مقتل 42 مدنياً يمنياً خلال أسبوع من الضربات الجوية، في وقت قُتل 14 شخصاً، بينهم أطفال، في غارة جديدة أصابت، الجمعة 25 أغسطس/آب 2017، حياً سكنياً جنوب صنعاء.
ودمرت الغارة مبنيَين تسكنهما عائلات في حي فج عطان، الواقع عند الأطراف الجنوبية للعاصمة اليمنية الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين، بحسب ما أفاد به شهود ومصور وكالة الأنباء الفرنسية.
واتهم الحوثيون عبر قناة "المسيرة"، الناطقة باسمهم، التحالف العربي بشن الغارة، إلا أن متحدثاً باسم التحالف قال إن قيادة العمليات العسكرية تقوم حالياً بالتحقيق في المسألة وستعلن النتائج في وقت لاحق.
في موقع الغارة، قال محمد أحمد الذي يسكن أحد المبنيَين: "أخرجناهم من تحت الأنقاض الواحد تلو الآخر، بعضهم أطفال من أسرة واحدة".
وأكد مسعفون يمنيون في الموقع أن 14 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم في الضربة التي وقعت نحو الساعة 03.15 (00.15 بتوقيت غرينتش)، بينهم 6 أطفال وامرأتان.
وأفاد مصور وكالة الأنباء الفرنسية بأن المبنيَين، المؤلف كل منهما من 3 طوابق، دُمّرا بالكامل. وأظهرت صور التقطها المصور أنقاضاً في موقع الضربة.
وكانت الجرافات لا تزال تعمل على إزالة الأنقاض، بعد ساعات على وقوع الضربة، بينما يقوم مسعفون وسكان في الأبنية المجاورة بالبحث عن مفقودين. وجلس ناجون من المبنيَين فوق أنقاض يتابعون بحسرةٍ، عمليات البحث ونقل المصابين في سيارات الأسعاف.
وبين الألبسة المتقطعة والمحترقة، والمفروشات الخشبية المتضررة، سار رجل مرتدياً ثوياً أبيض تغطيه الدماء وهو يشرح لسكان الأبنية الأخرى كيف نجا من الضربة.
على بُعد أمتار قليلة منه، جلس محمد أحمد بعدما أنهكته عمليات البحث ونقل القتلى والمصابين.
وقال أحمد: "عندما ضُرب الصاروخ، دُمر أحد المبنيَين فوراً؛ فأدى ذلك إلى تدمير المبنى المجاور له أيضاً. بعض السكان نجوا، وآخرون علقوا تحت الأنقاض، بينهم من استُشهد، وبينهم من أصيب".
الثمن الأكبر
ويشهد اليمن منذ 2014 نزاعاً دامياً بين المتمردين الحوثيين والقوات الحكومية.
وقد سقطت العاصمة صنعاء بأيدي المتمردين في سبتمبر/أيلول من العام نفسه.
وشهد النزاع تصعيداً مع تدخُّل السعودية على رأس تحالف عسكري في مارس/آذار 2015، بعدما تمكن الحوثيون من السيطرة على مناطق واسعة في البلد الفقير.
والمدنيون هم من يدفعون الثمن الأكبر للحرب. فمنذ بداية التدخل السعودي، قُتل أكثر من 8 آلاف شخص بينهم آلاف الأطفال والنساء، وجرح 47 ألف شخص آخرين على الأقل، بحسب أرقام منظمة الصحة العالمية. كما نزح مئات آلاف اليمنيين من منازلهم.
ووقعت غارةٌ، الجمعة بعد يومين من مقتل 30 شخصاً على الأقل، بينهم مدنيون، في سلسلة غارات استهدفت صنعاء ومحيطها ونُسبت إلى التحالف العربي، بينها غارة في مديرية أرحب شمال العاصمة.
وسبق أن اتُّهم التحالف بالوقوف خلف ضربات جوية تسببت في مقتل مدنيين.
والجمعة 25 أغسطس/آب الجاري، ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن ضربات جوية، شنها التحالف، أدت إلى مقتل 42 مدنياً خلال الأسبوع الماضي، بينهم عدد من الأطفال.
وقالت الناطقة باسم المفوضية ليز ثروسل، للصحفيين في جنيف، إنه "في الأسبوع الذي يمتد من 17 إلى 24 أغسطس/آب، قُتل 58 مدنياً، بينهم 42 بأيدي التحالف الذي تقوده السعودية"، مشيرة إلى ضربات استهدفت مواقع غير عسكرية.
وتناولت المفوضية تفاصيل بعض الضربات التي وقعت خلال الأسبوع الماضي، وقالت إن 33 شخصاً قُتلوا في ضربة أرحب، والتي ذكرت أنها أصابت فندقاً يقع على مقربة من نقطة تفتيش للمتمردين استُهدفت قبل إصابة الفندق بدقائق ولم تؤدِّ إلى وقوع إصابات.
لكن العقيد ركن طيار تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف، قال لوكالة الأنباء الفرنسية إن جميع من قُتلوا في الضربة التي استهدفت "هدفاً عسكرياً مشروعاً" هم "عناصر انقلابية مسلحة".
وعن غارة الجمعة، أفاد بأن التحالف يحقق في المسألة.
وأوضح: "ستقوم قيادة التحالف بمراجعة عملياتها كافة في المنطقة المحددة والوقت المحدد، وستعلن حالما تنتهي مراجعتها ما تصل إليه من نتائج".
احترام القانون الإنساني
ومن بين الغارات الأخرى التي نسبتها الأمم المتحدة إلى التحالف، ضربة استهدفت منزلاً في العاصمة الأربعاء وقُتل فيها 6 مدنيين، وضربة أخرى الثلاثاء أصابت منزلاً قرب صعدة (شمال العاصمة) وقُتل فيها امرأة وطفلان.
وكان تقرير للأمم المتحدة نُشر في الشهر الحالي، أفاد بأن عدد الضربات الجوية في اليمن، خلال النصف الأول من عام 2017، تخطى عدد الضربات الجوية التي شهدها العام الماضي بالكامل.
ودعت مفوضية حقوق الإنسان التحالف العربي إلى "ضمان احترام القانون الإنساني"، مطالِبة بتحقيقات موضوعية في الغارات التي وقعت خلال الأيام الماضية.
من جهته، شدد العقيد المالكي على أن التحالف يتبنى "قواعد الاشتباك طبقاً لقواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني"، وأنه ملتزم "بواجب حماية المدنيين وتجنيبهم آثار الصراع".
وتزامن تكثيف الضربات مع توتر بين الرئيس السابق علي عبد الله صالح والمتمردين الحوثيين المسيطرَين على العاصمة، التي شهدت الخميس 24 أغسطس/آب الجاري احتشاد، مئات الآلاف من مناصري صالح في الذكرى الـ35 لتأسيس حزبه "المؤتمر الشعبي العام".
ويخوض الحلف بين صالح والحوثيين، منذ نحو عامين ونصف العام، حرباً ضارية ضد السعودية وحلفها العسكري.
ويضع النزاع مدن اليمن، وبينها صنعاء، على حافة المجاعة. كما يشهد اليمن انتشاراً للكوليرا؛ ما أدى إلى وفاة أكثر من 2000 شخص، وسط تدهور كبير في القطاع الصحي.