تصاعدت حدة الجدال حول التعديلات المحتملة على الدستور المصري، التي طرحها بشكل غير رسمي نواب مؤيدون للنظام مؤخراً، لإعادة صلاحيات لرئيس البلاد، ومؤسسة تشريعية سابقة، على نحو يبدو منه العودة لما كان قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
هذا التوجه البرلماني المحتمل، أيَّده رؤساء لجان برلمانية، وسياسيون مؤيدون للنظام، بينما عارضه آخرون، أبرزهم الفريق المتقاعد أحمد شفيق، الذي يُطرح اسمه كمرشح رئاسي محتمل في رئاسيات 2018، ورئيس لجنة تعديل الدستور الحالي، عمرو موسى، المرشح السابق في رئاسيات 2012.
وكانت صلاحيات الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981-2011) الذي أطاحت به ثورة 2011، موسعة، ولديه غرفة برلمانية ثانية تعرف باسم مجلس الشورى.
وبعد الثورة، اتَّجه الدستور الحالي، إلى نظام برلماني أكثر منه رئاسي، يقيد صلاحيات الرئيس بإجراءات برلمانية تستلزم أغلبية عددية، فضلاً عن إلغاء مجلس الشورى.
ومن صلاحيات الرئيس التي قُيدت بموافقة برلمانية على غير ما كان قبل 2011 "التكليف بتشكيل الحكومة، أو تغيير أعضائها، وتقييد إعلان حالة الطوارئ لمدة 3 شهور بدلاً من عام"، وفق ما نصَّ عليه الدستور المصري.
غرفة ثانية وصلاحيات 2010
قبيل أسابيع من معاودة انعقاد جلسات البرلمان، أعلن نواب مؤيدون للنظام، عن نيتهم التقدم بتعديلات دستورية، تشمل إعادة العمل بمجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان سابقاً)، وإعطاء مزيد من الصلاحيات للرئيس السيسي، تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً وإقالة وزراء، بجانب تعديل مدة الرئاسة الحالية من 4 إلى 6 سنوات.
وأواخر 2016، تحدث رئيس البرلمان، علي عبد العال، في تصريحات صحفية، عن ضرورة عودة مجلس الشورى؛ لإحداث توازن تشريعي مع البرلمان.
وخلال الشهر الجاري، طالب علاء عابد، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب "المصريين الأحرار"، صاحب أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب بــ65 نائباً من أصل 596 نائباً، في تصريحات صحفية، بإعادة الغرفة التشريعية الثانية تحت مسمى مجلس الشيوخ (مجلس الشورى سابقاً).
وعلى خطى هذا المطلب، سار النائب المقرب من السلطات مصطفى بكرى، قائلاً في تصريحات صحفية، مؤخراً: "نحن بحاجة ماسة لمجلس الشورى، وكان إلغاؤه قراراً خاطئاً، فقد كان مجلس كفاءات وخبرات يساعد البرلمان على أداء مهامه".
الأمر لم يتوقف على عودة الغرفة التشريعية الثانية، التي كان لها دور بارز قبل ثورة يناير في دعم نظام مبارك، بل امتد لمد فترة الرئيس.
ومؤخراً، أعلن النائب المؤيد للنظام، إسماعيل نصر الدين، اعتزامه تقديم تعديل دستوري لمد فترة الرئيس من 4 إلى 6 سنوات.
وفي بيان صحفي سابق، أرجع طرحه المحتمل إلى أن "الدول حديثة العهد بتحولات الديمقراطية والاقتصاد، تحتاج لخطط طويلة لبناء الدولة الحديثة، ما يستدعي أن تكون مدة السلطة التنفيذية طويلة نسبياً".
وتبدو المفارقة في أن أول من سيطبق عليه هذا التعديل حال إقراره هو الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، الذي قاد انقلاباً عسكرياً على أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة 25 يناير، الدكتور محمد مرسي، بعد عام واحد فقط من وصوله للحكم.
ولرفض هذا التوجه، أطلق 40 شخصية عامة بمصر منتصف الأسبوع الجاري، حملة توقيعات رفض اقتراحات تعديل الدستور، خاصة فيما يتعلق بالدعوات المطالبة بتمديد فترة رئيس الجمهورية.
وشدَّد الموقعون على البيان، ومن بينهم المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، وعبد الجليل مصطفى، منسق لجنة صياغة الدستور الحالي، أن الرئيس لم يواجه أي مشكلات حتى نلجأ للتعديل.
كما انتقد المرشح الرئاسي المصري الأسبق، أحمد شفيق، أمس الأول الثلاثاء، اقتراحات تعديل الدستور بمصر، ووصفها بـ"التصرفات غير المسؤولة، وغير الواعية للآثار السلبية المترتبة على هذا الإجراء".
عودة للوراء
هذه المقترحات البرلمانية المحتملة، يراها مجدي حمدان، نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية (ليبرالي)، لا تختلف كثيراً عما كان في 2011.
وفي حديث للأناضول، يرى أن تلك المقترحات قد "تمرر سريعاً" في ظل ما يراه بأن "البرلمان الحالي، لا يتمتع بالحرية في اتخاذ القرار"، في إشارة إلى أغلبية مؤيدة للرئيس المصري.
وفيما يتعلق، بطرح فكرة إعادة العمل بمجلس الشورى، توقع حمدان أن "ينجح مجلس النواب في إعادته"، معرباً عن قلقه من هذه المقترحات وسياقها العام.
وذهب تصور حمدان إلى ما هو أبعد من تلك الصلاحيات، قائلاً بتهكم "ستكون الخطوة المتوقعة القادمة، منح مجلس النواب، السيسي، كل الصلاحيات المطلقة لإدارة البلاد".
فيما يرى مصطفى خضري، رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "(غير حكومي/ مقره القاهرة)، أن الإلحاح الإعلامي بشأن هذه التعديلات "ترسيخ للسلطة المطلقة".
ومدللاً على إمكانية أن يمرر البرلمان صلاحيات أكثر للرئيس وإعادة مجلس الشورى، يشير خضري للأناضول، إلى سابقة الموافقة على اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير بالمجلس، والتي بموجبها نقلت مصر سيادتها على الجزيرتين إلى السعودية، رغم رفض شعبي وسياسي وبرلماني.
وعادة ما يؤكد الرئيس المصري، على الفصل بين السلطات الثلاث بالبلاد؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية، ونزاهة البرلمان.
جس نبض
ولم يبتعد عمرو هاشم ربيع، الخبير في الشؤون البرلمانية، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (حكومي)، عن هذه المخاوف، معتبراً الأهداف والدوافع، بشأن مزيد من الصلاحيات للسيسي، وإعادة مجلس الشورى "غير عقلانية".
وفي حديثه للأناضول، يشدد ربيع على رفضه إعطاء مزيد من الصلاحيات للسيسي، قائلاً: "السيسي لا يحتاج إلى مزيد من الصلاحيات، هو في الأساس لديه سلطات أكبر من الممنوحة له في الدستور الحالي (…) هو المتحكم الفعلي مثلاً في تشكيل الحكومة، وليس نظام حزبي أو أغلبية نيابية قوية".
وبشأن مجلس الشورى، يعتبر ربيع أن "وجود مجلس الشورى بجانب مجلس النواب، سيرهق البلاد مادياً (في إشارة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد)، وسيعطل كل منهما الآخر، ولن يكون هناك إنجاز في التشريع".
وفيما يتعلق بمد فترة الرئيس، يؤكد ربيع، أنه "لا يجوز مد فترة السيسي"، واعتبرها "جس نبض".
وتنص المادة 266 من الدستور المصري "لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات".
أولويات بعيدة عن الصلاحيات
في المقابل، يستبعد محمد أبو حامد أن تكون أولويات مجلس النواب، عقب معاودة الانعقاد، في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مناقشة صلاحيات السيسي أو إعادة العمل بمجلس الشورى.
ويوضح أبو حامد، للأناضول "قد يكون بعض النواب، قالوا أفكاراً تعبر عن رأيهم، لكن الكتل البرلمانية الكبرى لم يصدر عنها أي تصريح، يفيد بأنها ستتبنى عودة مجلس شورى، أو مزيداً من الصلاحيات للرئيس السيسي".
ويشدد البرلماني المصري: "لدينا دستور ومؤسسات دستورية، تم انتخابها وبالتالي المرحلة الانتقالية انتهت، ولن يكون هناك مزيد من التعديلات".
ويشير إلى أن المجلس سيناقش في دورة انعقاده القادمة "تعديل قوانين الإجراءات الجنائية، والمحليات والتأمين الصحي والتأمينات الموحد".
ورسمياً، لم يعلن البرلمان المصري، عن إدراج أي مشاريع قوانين لمناقشتها في دور انعقاده المقبل، في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، باستثناء قانون الإجراءات الجنائية، المتعلق بإجراءات التقاضي في مصر.
وحسب الدستور، تلزم موافقة خُمس أعضاء مجلس النواب (120 عضواً من إجمالي 596) على مقترحات تعديله، قبل مناقشتها والتصويت عليها، بموافقة ثلثي الأعضاء، وتصبح نافذة بموافقة الأغلبية في استفتاء شعبي.