لقب مستكشِف أو مخترِع هو عينه من الألقاب التي تضفي على حاملها سحراً من نوع خاص، تجبر مَن أمامه على معاملته باحترام نظراً لإنجازاته، ومَن منا لا يتمنى أن يخترع أو يكتشف ما لم يأتِ به الأوائل، ولكن دعونا نتوقف قليلاً مع المثل العامي المصري القائل: "صوابعك مش زي بعضيها"؛ لنعرف الحقيقة المؤلمة وهي أن "مستكشيفنك مش زي بعضيها".
أولاً: بمجرد سماع كلمة مستكشف أو مكتشف، فإن أول سؤال يتبادر للذهن هو: وماذا أكتشف؟ ولكن السؤال الأهم هو: ماذا ترتب على اكتشافه؟ فمثلاً ويلهلم رونتغن الذي اكتشف "X-Ray" أو "الأشعة السينية"، بالصدفة البحتة قدم للعالم كله خدمة جليلة فهي تساعد على الكشف عن الأسنان والعظام وكسورها، وتحديد مواقع الأجسام الصلبة في الجسم مثل الشظايا أو الرصاص، وكذلك الكشف عن الأورام، وهو ما أسهم في التقدم العلمي، ونحن ندين له بالفضل.
ولكن هناك نوعية أخرى من المستكشفين، لم يأتِ اكتشافهم إلا بالوبال والبلاء على البشرية، وهو ما لا يمكن إنكاره حتى ممن استفادوا من اكتشافه هذا. ويأتي في رأيي على رأس هذه القائمة "كريستوفر كولومبوس" "Christopher Columbus" مكتشف العالم الجديد!
وُلد في الثاني والعشرين من شهر أغسطس/آب 1451م في مدينة "جنوة"، وجاءت فكرة الرحلة الاستكشافية في باله لعدّة أسباب من أهمها: تحقيق الشهرة، وتكوين الثروة، كما كان تعصبه الشديد لكاثوليكيته، وكرهه الشديد للمسلمين أو المحمديين كما سمّاهم في كتاباته، في محاولة منه لإيجاد طريق آخر يصل أوروبا بالهند بعيداً عن بلاد المسلمين، وهو ما سماه بحرب الحياة أو الموت ضد إمبراطورية محمد!
وقد أعلن أن هدفه النهائي هو استعادة الأراضي المقدسة، وعلى رأسها القدس، أي أن حلمَي الشهرة والثراء بالإضافة للتعصب الديني كانت هي الدافع الرئيسي الذي جعله يحاول أخذ الموافقة من حكام البلدان الأوروبية على مشروعة لاكتشاف الطريق إلى الهند!
وبعد العديد من المحاولات الفاشلة مع العديد من الحكام الأوروبيين، وتحديداً في يوم 30 أبريل/نيسان 1492م تحقق حلمه؛ حيث وقَع الملكان الكاثوليك الإسبانيان "فرناندو" و"إيزابيلا"، مع "كريستوفر كولومبوس" اتفاقية، جاء فيها أنه كمكتشف للجزر والقارات في البحر والمحيط سيمنح رتبة أمير البحار والمحيطات، ويضاف إلى ذلك أنه سيمنح 10% من الذهب والبضائع التي سيحضرها معه بدون أية ضرائب.
ووصل كولومبوس للهند، حسبما كان يظن، بينما كان قد وصل في الواقع إلى العالم الجديد، الذي ظنّ أن سكانه هم الهنود، فأطلق عليهم اللقب الذي نسميهم به إلى يومنا هذا ألا وهو الهنود الحمر، نسبة للون جلودهم الأحمر، كما يطلق على الصينيين الجنس الأصفر نسبة للون جلودهم الأبيض المائل للصفرة.
ومنذ هذا اليوم وحتى يومنا الحالي مرت شعوب العالم، وبخاصة سكان الأميركتين الأصليين والأفارقة، بظروف استثنائية لم تعهدها في تاريخها، فمن استئصال الجنس الأحمر في الأميركتين والاستيلاء على بلاده وأراضيه، بعد قتله، واغتصاب نسائه، وإبادته التي حتمت على أبناء كولومبوس من بعده خطف البشر من القارة الإفريقية واستعبادهم ونقلهم في ظروف لا أقول غير آدمية، ولكن كانت ظروفاً لا تليق حتى بالحيوانات.
فبالنسبة للهنود الحمر – بحسب تسمية كولومبوس – أو السكان الأصليين لتلك البلدان تمت إبادتهم على مراحل، سواء عن طريق التعذيب أو إطعامهم للحيوانات، أو حرقهم في أكواخهم، وصولاً للحرب البيولوجية، التي قاموا فيها بإهداء الهنود الملابس والأغطية الملوثة بالطاعون، مما أدى لوفاتهم بالجملة، حيث إن الوقت لم يكن يحتمل وقتها إبادتهم بالقطاعي.
أما الإفريقيون، فقد تم استعبادهم وخطفهم من بلادهم وبيعهم للبلدان الأوروبية والأميركتين فيما عرف بتجارة الأطلنطي، والاسم وجد -تجارة- يدل على قيمة الإنسان الإفريقي في رأيهم ومعتقدهم، فكان يعامل معاملة السلعة، ويتم الاتجار به، ويتم شحنه بالجملة في سفن تمخر عباب الأطلنطي في اتجاه أوروبا والعالم الجديد، في ظروف غير آدمية أدت إلى وفاة الملايين في الطريق سواء بسبب الاختناق أو الأمراض التنفسية وغيرها، بسبب ظروف الشحن غير الآدمية التي كانوا يعاملونهم بها، ناهيك عن المعاملة التي يلقونها لدى وصولهم لأسيادهم البيض في العالم الجديد، والتي كانت لا تقل همجيةً ووحشيةً عن طريقة نقلهم.
ويبقى أخيراً أن نُعلم القارئ أن العالم المتحضر في الولايات المتحدة وغيرها يحتفل بيوم كولومبوس في الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام ويعتبر إجازة رسمية في البلاد، يحتفلون به بالمستكشف الذي وهبهم تلك الأراضي الشاسعة على أنقاض كرامة وإنسانية وأجساد إخوانهم البشر من هنود حمر وأفارقة.
وللحديث بقية فتابعونا، وكمّ من الجرائم ترتكب باسم الاستكشاف!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.