أسباب التأخر الحضاري للمنطقة العربية

مما سبق نستطيع أن نرى ونحدد ما هي عوامل الاضمحلال التي أدت إلى تأخر الشرق الأوسط، ولكن ليس ككتلة واحدة، فهناك دول كانت آية في التفوق والرقي والتقدم وأصبحت حالياً تتملظ بكل أريحية في مستنقع الجهل، وهناك قطاعات كبيرة في الشرق كانت متأخرة جداً وحالياً تركض لمكانها بين الدول العظمى.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/17 الساعة 03:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/17 الساعة 03:16 بتوقيت غرينتش

مما لا شك فيه أن المشرق الإسلامي، أو ما اصطلح على تسميته الشرق الأوسط، يعاني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من تأخّر حضاري شديد، انهيار في منظومة القيم وضآلة في كمية المعروض الثقافي، وارتفاع نسبة الفقر في الإبداع
مع تدنّي مؤشرات التنمية الاقتصادية في ظل وجود ثروات عظيمة هي معضلة عقلية يصعب استخلاص أسبابها.

حقيقة علم الاجتماع السياسي يخبرنا لماذا الشرق الأوسط يعيش على حافة هاوية حضارية، ومن يرشدنا في هذا العلم الواسع إلى ضالتنا سوى مؤسسة عبد الرحمن محمد بن خلدون المولود في بداية منتصف القرن الرابع عشر في تونس.

لقد حدد ابن خلدون عوامل إطلاق للنهضة الحضارية في كتابه المقدمة (بفتح الدال) -هذا الكتاب العبقري- من خلال دائرة مغلقة جميع مكوناتها وجودية الأساس وهي كالآتي: (الشريعة / القانون العادل + النظام السياسي الأكمل قدر المستطاع + الأفراد الكوادر النوابغ + نظام اقتصادي قوي + التنمية المتجددة الجيدة + نظام قضائي عادل + جيش قوي إيجابي الدور).

ولقد اتبع ابن خلدون في فلسفته السياسية المدرسة الإفضائية بمعنى أن أمراً ما أفضى إلى أمر آخر، وهذا الآخر أفضى إلى أمر جديد وهكذا.

لم يحدد ابن خلدون أي مكون يأتي أولاً، فلا يجب أن يأتي عنصر الكوادر لاحقاً للنظام الاقتصادي وليس شرطاً وجودياً أن يسبق النظام السياسي الكوادر، هذه الميكانيكية تدّعي عوامل الإطلاق الحضاري لنهضة أي أمة أهم شرح لها إنها سببية دائرية كل عامل يؤثر في الآخر داخلها لمدة ثلاثة أجيال، أي 120 سنة (بمعايير عصر ابن خلدون).

لم يحدد هذا العالم الفذ عوامل إطلاق ثابتة لكل المجتمعات، هذه أمور متغيرة من حضارة لأخرى، فما نفع اليابان ليس بالضرورة يصلح لتشيلي وقطعاً لا يصلح للنيجر وهكذا.

في المقابل، يرى أيضاً ابن خلدون أن هناك عوامل سقوط حضاري، فالأمر معكوس تماماً كما في النهضة هناك عوامل فأيضاً هناك عوامل في الاضمحلال.

يرى ابن خلدون أن سبباً واحداً كافياً ليكون عامل إطلاق لنهضة أمة، وأيضاً التقصير في سبب واحد يكون كافياً جداً لإطلاق الاضمحلال في حضارة ما.

مما سبق نستطيع أن نرى ونحدد ما هي عوامل الاضمحلال التي أدت إلى تأخر الشرق الأوسط، ولكن ليس ككتلة واحدة، فهناك دول كانت آية في التفوق والرقي والتقدم وأصبحت حالياً تتملظ بكل أريحية في مستنقع الجهل، وهناك قطاعات كبيرة في الشرق كانت متأخرة جداً وحالياً تركض لمكانها بين الدول العظمى.

إن الانقلاب العسكري في سوريا الواقع في مارس/آذار 1949 على يد حسني الزعيم يعتبر أهم عامل إطلاق للاضمحلال الحضاري الذي أصاب كلاً من سوريا والعراق ومصر واليمن وليبيا ووضعهم على بداية هاوية التأخر، فتمزيق النسيج المجتمعي واستعداء أطياف مجتمعية كبيرة بجانب صعود بخار الديكتاتورية الذي لا يلمع فيه إلا كل منافق فاشل معدوم الموهبة ثم إنفاق عسكري غير مراقب أفضى كل ذلك إلى هزيمة عسكرية لا تزال الأمة تعاني من تبعاتها حتى يوم الناس هذا.

وعلى الصعيد الآخر، كان أربكان بجوار الخميني أكبر عوامل البعث الحضاري لتركيا وإيران على التوالي، قمع المؤسسة العسكرية وإطلاق الرؤى التنموية ذات القوام الملموس بجانب الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي أفضى بهاتين الدولتين إلى
التقدم والصعود الاقتصادي والعسكري، وأخذا في المضي قدماً في طريق تكوين القوة العظمى التوسع في المقاطعات وزيادة عدد الأتباع فكرياً وليس مالياً، وذلك عكس دول وممالك معروفة في منطقتنا تقوم على شراء الولاء والتبعية بالمال دون تقديم أي نموذج يحتذى به في النهضة مع قلة الخبرة السياسية وزيادة التهور العسكري بما تحت أيديهم من أسلحة متقدمة، فسرعان ما يؤدي ذلك إلى انهيار تام، وليست تجربة عراق صدام عنا ببعيدة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد