“الإسلاميون”.. من الفشل في توحيد أنفسهم إلى السعي لتوحيد الأمة

غير أن السؤال الذي قامت من أجله هذه المقالة يبقى ملحّاً: كيف سيستطيع الإسلاميون، بفروعهم الكثيرة، المختلفة والمتناحرة والمتعادية؛ بل والمتقاتلة، أن يوحدوا الأمة كلها بأجناسها وأعراقها ولغاتها وجغرافيتها المختلفة؟!

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/12 الساعة 04:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/12 الساعة 04:02 بتوقيت غرينتش

يطلَق مصطلح الإسلاميين على الحركات والأحزاب والتيارات التي تنادي بالمرجعية الإسلامية في الحكم والحياة.

وهو مصطلح جيد، أستغرب أن يعترض البعض عليه، ومن داخل الإسلاميين أنفسهم!
فالمعروف أن الحركات والأحزاب والتيارات الموجودة في المجتمعات الإسلامية كثيرة ومتشعبة، فهناك اليساريون بفروعهم والليبراليون بفروعهم، وغيرهم.

وكان من اللازم مع ذلك، أن يتميز المنادون بمرجعية الإسلام باسمهم كما يتميزون بمنهجهم.
ومصطلح الإسلاميين مصطلح معبّر ومنضبط وفي مكانه، فلا أحد غير الإسلاميين ينادي بمرجعية "الإسلام"، ومَن صلتهم هذه بالإسلام مرجعية ومنهجية، كان من اللازم أن ينتسبوا إليه ويُعرّفوا به.

ومن أسخف الطروحات الموجودة، أن يُعرّف حزب إسلامي على أنه "حزب ديمقراطي مسلم"، وذلك كما بات يُعرِّف زعيم حزب النهضة التونسية، الشيخ راشد الغنوشي، حزبه.
ورأيي أن ذلك مبالغة في مسايرة "غير السياسي" والضعف أمام ضغوطه وابتزازه، أو هو مبالغة في "التقيّة السياسية"؛ حيث محاولة إيهام ذلك غير السياسي بالتطور والتخلي عن بعض المبادئ والمنطلقات.

وأياً كان وصف الحالة، فإن المتابع لها سيجد الكثير مما يدعو للقلق والريبة، فإما أن يكون تخلياً وحَيْداً حقيقياً عن المبادئ والمنطلقات والأسس، وإما أن يكون ضعفاً وخوراً واضطراباً أمام ضغط الخصوم، ومحاولة لترضيتهم واستمالتهم والتعمية عليهم، وذلك مما يُحدِث غَبَشاً في الصورة لدى الأتباع والمريدين، وهو ما ينذر بالسوء.

ليس أفضل من الوضوح والصراحة والصدع بالحق وعدم الزيغ والاضطراب، مهما كانت المعركة ومهما كان الخصوم. وذلك لا يعني عدم الذكاء وإتقان اللعب داخل دهاليز السياسة، ولكن الذكاء وإتقان اللعب لا يعني بالضرورة التخلي والاضطراب.

الإسلاميون تجمعهم جميعاً غاية واحدة، ويختلفون مع ذلك في طرائق عملهم وحركتهم من أجل الوصول لهذه الغاية.

فأما الغاية الواحدة التي تجمع الجميع، فهي إقامة الدولة الإسلامية الواحدة التي تجتمع فيها الأقطار الإسلامية؛ كُلّها أو جُلّها، وتُحكم هذه الدولة بالمنهج الإسلامي في كل النواحي السياسية والاقتصادية وغيرها.

وقد اختلف الإسلاميون، مع غايتهم الواحدة هذه، في طرائق عملهم وحركتهم؛ فمنهم من انتهج العنف لذلك، عنفاً محلياً أو عالمياً؛ ظناً منهم أن ذلك المشروع الكبير لن يتحقق إلا بقوة تُنشئه وتحميه، وأن الخصوم المحليين والعالميين لن يقبلوا بهذا المشروع يوماً إلا إذا أُجبروا على ذلك مهزومين صاغرين في ساحات القتال والمواجهة.

ومنهم من انتهج العمل السياسي الحزبي القانوني على اعتبار أنه هو الطريق الأسلم لهم ولمجتمعاتهم؛ من أجل تحقيق الغاية والمشروع، وهو الطريق الوحيد في نظرهم حتى لو بدا طويلاً.

ومنهم من انتهج العمل الدعوي لتوعية الناس وتربيتهم؛ حيث إن التغيير في نظرهم لا يكون إلا من القواعد، أما تغيير الرؤوس مباشرة فهو ما تبدو تكلفته كبيرة، وهؤلاء أيضاً يظنون أن ذلك هو الطريق الوحيد حتى وإن بدا الأطولَ والأبعدَ.

الغرابة هنا ليست في الاختلاف بالطريقة والحركة، ولكن الغرابة في التناحر والتعادي بين هذه الأطياف المختلفة، إلى حد التبديع والتفسيق؛ بل والتكفير من هؤلاء لأولئك ومن أولئك لهؤلاء.
والسؤال: كيف نستطيع أن نتخيل أن يوصلنا هؤلاء المتناحرون المتقاتلون إلى غاية واحدة وهدف واحد يجتمعون عليه ويلتفون حوله؟!

أغلب الظن أن خلاف هؤلاء سيشتد حين بلوغ الغاية، وأن عداوتهم ستزداد ضراوة؛ لأن الخلاف ساعتها سينتقل من الخلاف حول المنهج إلى الخلاف حول الأصلح لتولي القيادة والرئاسة، وهنا حظوظ النفوس الغالبة ونيران الشياطين الحارقة.

أما عن أكبر الغرابة في هذه المسألة، فهو أن نجد كل اتجاه من هذه الاتجاهات الإسلامية العديدة يتشرذم يوماً بعد يوم وينقسم إلى تيارات مختلفة وأحزاب متصارعة وحركات متناحرة!
تيارات وأحزاب إسلامية، كل غايتها الوحدة بين المسلمين، وهي لا تستطيع أن توحد نفسها؛ بل ولا يستطيع كل تيار فيها أن يحافظ على تماسكه ووحدته، ويمنع انقساماته وتشرذماته!

التيار الجهادي المتطرف منقسم إلى أكثر من اتجاه وفرع، واتجاهاته وفروعه تنقسم إلى تفريعات أكثر، فها هي "القاعدة" وتنظيم الدولة وغيرها…

والتيار السلفي منقسم هو الآخر إلى أكثر من اتجاه في داخله، واتجاهاته انقسمت إلى اتجاهات وتفريعات مختلفة؛ فها هي السلفية العلمية، والسلفية الجامية والسلفية الحركية، وغيرها…

أما عن جماعة الإخوان المسلمين، التي قدمت أملاً كبيراً في حركة إسلامية عالمية واحدة، لها رؤية واستراتيجية واحدة، تجعل كل الأمل منعقداً عليها في بلوغ الغاية والهدف، فها هي الجماعة هي الأخرى تدور في دائرة الخلاف والانقسام والتشرذم، فنجد الخلافات تطول الكثير من فروعها في البلاد المختلفة، إلى حد أن يوجد أكثر من فرع للجماعة في البلدة الواحدة، وكلها فروع مختلفة؛ بل ومتعادية ومتصارعة.

فكرة عودة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة فكرة مقطوع بها بنص حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء في نهايته "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة".

والدلالة الظاهرة المستوحاة من نص الحديث، أن هذه الخلافة ستكون خلافة واحدة تنتظم فيها بلاد المسلمين جميعها كما كانت.

لكن هذه الدلالة دلالة مستوحاة من ظاهر الحديث، وليس مقطوعاً بها بالنص الصريح الواضح.

ومن ثم، فإن الطرح الذي يطرحه البعض في السنوات الأخيرة، من أنه ليس لزاماً أن تكون دولة الإسلام القادمة دولة واحدة، ومن الوارد أن تكون كل دولة قُطرية دولةً إسلامية تُحكم بمنهج الإسلام، ويقوم عليها رئيس مقام الخليفة. هذا الطرح لا يبدو مقطوعاً باستحالته، ولا يصادم نصاً قرآنياً ولا نبوياً صريحاً في المسألة.

المفهوم من ظاهر الحديث المذكور الوارد في المسألة، والمستقر عموماً في العقلية الإسلامية والروح الإسلامية، أن الخلافة الإسلامية تعني الخليفة الواحد القائم على دولة إسلامية واحدة تجمع كل شتات المسلمين أو جُلّه على أقل تقدير.

والذي عليه فهم الإسلاميين في عمومهم، والذي عليه حركتهم ورؤيتهم، هو العمل من أجل قيام هذه الدولة الإسلامية الموحدة، تحت الحكم الإسلامي الواحد.

غير أن السؤال الذي قامت من أجله هذه المقالة يبقى ملحّاً: كيف سيستطيع الإسلاميون، بفروعهم الكثيرة، المختلفة والمتناحرة والمتعادية؛ بل والمتقاتلة، أن يوحدوا الأمة كلها بأجناسها وأعراقها ولغاتها وجغرافيتها المختلفة؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد