فسحة أون لاين

كل بضع دقائق تقوم بالتفتيش على مَنْ تحب إن كانوا معك في هذه الفسحة، ويا ويلهم إن لم يكونوا، يبدأ الأدرينالين بالصعود إلى عقلك الخارجي، وقد يطير الموبايل ليقع على الأرض، فالحبيب لم يسجل الحضور، والصديقة سجلت الخروج، والابنة لم تغلق في الوقت المحدد، هيستريا القرن الواحد والعشرين أصبحنا نعيشها في هذا العصر مع قليل من هذه الفسحة الإلكترونية، كيف أصبحت مشاعرنا؟ بلهاء أم حقيقية، مخادعة أم صادقة، الأهم سيطر هذا الجنون علينا كاملاً، فكم يأخذ منّا في اليوم؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/09 الساعة 03:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/09 الساعة 03:03 بتوقيت غرينتش

ماذا لو كانت حياتك فسحة on line؟!
والشيء الوحيد الذي تحمله في يدك موبايلك الرقيق، في العمل، في المطعم، في النادي، في طريق الذهاب والعودة، في المطبخ، دوماً فسحة أون لاين.

كل بضع دقائق تقوم بالتفتيش على مَنْ تحب إن كانوا معك في هذه الفسحة، ويا ويلهم إن لم يكونوا، يبدأ الأدرينالين بالصعود إلى عقلك الخارجي، وقد يطير الموبايل ليقع على الأرض، فالحبيب لم يسجل الحضور، والصديقة سجلت الخروج، والابنة لم تغلق في الوقت المحدد، هيستريا القرن الواحد والعشرين أصبحنا نعيشها في هذا العصر مع قليل من هذه الفسحة الإلكترونية، كيف أصبحت مشاعرنا؟ بلهاء أم حقيقية، مخادعة أم صادقة، الأهم سيطر هذا الجنون علينا كاملاً، فكم يأخذ منّا في اليوم؟

ففي هذه الفسحة قد تُهدد بالحجب إن لم تكن متفاعلاً، وحتى ولو كان التعامل بعجينة بيتزا والصوص.

هذا إذا لم تدخل بالمآسي التي تحصل على مدار الساعة، وتصبح الفسحة من داخل أفكار غيرك إلى رأسك مباشرةً، إلى غزوٍ بجميع أنواع السحر والمس من مجنونٍ آخر لتتقلب في فراشك ليلاً وأنت تفكر في كل هؤلاء، وجنون عالم لم ولن تَفهمهُ أبداً.

مَنْ وراءَ هذه الفسحة؟ أنت، أم الغزو الإلكتروني؟ كما كان الغزو بالرياضة والموسيقى عالمياً.

دفعت البشرية أغلى ثمن، وحضارة وراء حضارة لتمحو من على جبينها وصمةَ العبودية الإنسانية، لتزلَ قدمها في نظامٍ أكبر من رفضها لهذه العبودية، ولبست طوق العبودية بيديها ليكون تاجاً فوق رأسِ كلِّ واحدٍ منّا في مملكتهِ الإلكترونية الخاصة، ومَنْ يَخدمهُ هو الشاهد والمراقب في كل اللحظات لهذه الخصوصية.

فهل نحن في خصوصية فعلاً؟!
أم فقدنا السيطرة على عقولنا، لنتحول إلى مشروع مقامرة في فسحة أون لاين.

فحضارة التكنولوجيا لم تقم عن عبث، بل سبقتها سنوات من الدراسات على مختلف الأصعدة الإنسانية، للوصول إلى زبدة الموضوع، أنَّ فسحة أون لاين هو مفهوم متناظر للأساليب الاستخباراتية القديمة التي كانت تقوم على الإلهاء والتواجد في جميع السُبل المتاحة.

في عصر فسحة أون لاين والقرية الصغيرة، لم يعد هناك ضوابط للدين والجنس والأخلاق…ستسير البشرية نحو الجنون المحكوم بالقواعد والقوانين، والقوة العشوائية التي يمثلها قانون الغاب، مما يُنتج إمكانية للحكومات بضبط الشعوب لمائة عامٍ قادمة، والقادم مع التطور أكبر.

فالذي أهدانا هذه الفسحة درس اقتصاد العالم بدقة، وأتاحها للجميع بأبسط التكاليف، لتذهبَ الرغبات الجنسية والنفسية والروحية مع المواقع والشات إلى عالمِ التجربة الجديد مشوّهة بكامل صورها.

ولن نقول وداعاً مما نحنُ نُستثمرُ فيه، ونَتعطلُ فيه!

نحن نغردُ في هذه الفسح، صادقون أو غير صادقين، فهي ليست منفذاً بل وسيلة لتُنتج برمجة عقلية جديدة لإنسان شبه لا يتأثر بالاصطدام بألواح هذه الفسحة، ولا مهرب من القطيع فيها أو دونها.

فالإنسان المتواجد ضحية للعقول المخططة لهذه البرامج إلى غيرها، كفئران التجارب لمنشئية بشرية جديدة للعصور القادمة، مُروَّضة بأعلى الأساليب والأجهزة والتصاميم النافذة إلى عقله وروحه ومكانه أينما وجد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد