جلس محمود الزهار، أحد مؤسسي حركة حماس، الذي حلقت قوات الأمن الفلسطينية حاجبيه ولحيته ذات مرة، مستمعاً بهدوءٍ بينما كان الرجل المسؤول عن إذلاله العلني يقترح بحث سبل التعاون بينهما!
بدأ هذا المشهد الغريب الشهر الماضي يوليو/تموز 2017، من خلال فيديو سمح لمحمد دحلان -قائد السلطة الفلسطينية بقطاع غزة في عهد ياسر عرفات- بمخاطبة النواب الفلسطينيين من المنفى في أبوظبي، واقتراح رؤية لإحياء القطاع المنكوب.
وكان الزهار (72 عاماً) يحدِّق في الشاشة الكبيرة من غرفة البرلمان الفلسطيني المنحل، مثنياً على "التفاهمات" الجديدة مع دحلان، حسب تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية.
وقال دحلان في مقابلة عبر الإنترنت، بعد ظهوره في 27 يوليو/تموز 2017: "نأمل أن نتمكن من نسيان الماضي والبدء من جديد. لا ينبغي أن تستمر الكراهية والاختلافات إلى الأبد".
وبعد 6 سنوات من اختفاء دحلان عن الأضواء، جاءت عودته بالأسابيع الأخيرة في منعطف صعب بالنسبة للفلسطينيين.
فهي تأتي في خضم المخاوف بشأن صحة عباس -وهو مدخن، له تاريخ من مشاكل القلب وسرطان البروستاتا- بعد زيارة غامضة للمستشفى أواخر يوليو/تموز 2017.
وما يجمع الآن بين ألدّ الأعداء هؤلاء، هو خصومتهم مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والإيمان بأن دحلان (55 عاماً) قد يحل -بمساعدة مصر والإمارات- بعض كبرى مشاكل غزة، التي عاش بها منذ فراره من تهم الفساد التي وُجهت له بالضفة الغربية في عام 2011.
وكان قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، قد شهد السبت 5 أغسطس/آب 2017، مهرجاناً قالت وسائل إعلام مصرية إن آلاف الفلسطينيين شاركوا فيه؛ لدعم مصر في حربها ضد الإرهاب.
ويمكن أن تكون لهذا التحالف الغريب آثار أوسع على السياسة الإقليمية، بدءاً من المواجهة مع قطر في الخليج العربي، وحرب مصر وإسرائيل على المسلحين الإسلاميين، وحتى مستقبل السلطة الفلسطينية وسط التكهنات الجديدة التي تحيط بصحة قائدها أبومازن البالغ من العمر 82 عاماً، وفقاً لتقرير بلومبيرغ.
خُطط دحلان
وتشمل خطط دحلان، بناء محطة طاقة بقيمة 100 مليون دولار للقطاع الذي يعاني نقصاً شديداً في الطاقة، وتوجيه دولارات الخليج إلى فقراء غزة، وتوفير منفذ منتظم لسفر المواطنين، البالغ عددهم 1.9 مليون، والمحاصَرين من قِبل إسرائيل ومصر على مدار العقد الماضي.
يقول مخيمر أبوسعدة، وهو عالم سياسي بجامعة الأزهر يعيش في غزة، إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يشجع مشاركة دحلان؛ على أمل سحب حماس بعيداً عن المنظمة الأم للإخوان المسلمين ومقرها مصر، التي أطاح بها من السلطة في مصر عام 2013.
ويؤكد محللون مصريون أن هدف السيسي النهائي هو فتح الحدود مع غزة مقابل تعاون أمني من حماس، التي يتهمها بتحريض المسلحين في شبه جزيرة سيناء بمصر. غير أن عليه إقناع إسرائيل بأن ذلك لن يسمح بتهريب الأسلحة إلى غزة لاستخدامها ضدها.
وأوضح أبوسعدة أن قدرة دحلان على الاستفادة من ثروة أبوظبي قد تساعد أيضاً على سحب حماس من أحضان قطر، التي تحارَب من قِبل الإمارات والسعودية.
يُذكر أن قطر، التي تقاطعها الكتلة السعودية منذ شهرين بزعم رعاية الإرهاب، تستضيف قيادة حماس، وقد أنفقت عشرات الملايين من الدولارات لإعادة إعمار غزة في أعقاب الحروب مع إسرائيل، ولكنها تنفي اتهامات التحالف الذي يحاصرها.
كما أن مشاركة دحلان قد تهمِّش دور تركيا، التي تتأرجح علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل؛ بسبب دعمها لحركة حماس.
لماذا تفعل حماس ذلك؟
إن انضمام حماس إلى معسكر رجل يشتهر بقمعه للحركة، هو شهادة على مدى اليأس الذي أصاب قادتها، حسب بلومبيرغ.
ففي السنوات العشر التي انقضت منذ سيطرة حماس على غزة، أصبح اقتصاد القطاع على حافَة الانهيار بعد 3 حروب مع إسرائيل، والحصار المفروض عليه من قِبل إسرائيل ومصر، وتدمير الجيش المصري أنفاق التهريب عبر الحدود.
وقد ضيَّق عباس، مؤخراً، الخناق على القطاع، عن طريق تخفيض رواتب عشرات الآلاف من سكان غزة المدرجين على كشوف المرتبات للسلطة الفلسطينية، وإقناع إسرائيل بخفض كمية الكهرباء التي توفرها للقطاع.
ويبدو أن هدف عباس هو الإطاحة بحكم حماس للقطاع، لكن لم تظهر بوادر تُذكر على احتمال حدوث ذلك، وتبذل القوى الإقليمية جهوداً لإيجاد حل للخلافات الداخلية.
وفي هذا الإطار، يُعتقد أن زيارة العاهل الأردني، الملك عبد الله، للضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، الإثنين 7 أغسطس/آب 2017، لأول مرة منذ 5 سنوات؛ للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس- سوف تتناول هذا الأمر.
ويقوم الملك عبد الله بدور في التنسيق مع مصر وغيرها؛ لمعرفة ما إذا كان يمكن حل الخلافات القائمة منذ فترة طويلة بين حركة فتح التي ينتمي إليها عباس والمدعومة من الغرب، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وقال أبو ردينة لـ"رويترز"، إنه "إضافة إلى متابعة جهود إحياء السلام والاعتداءات على الأقصى، تأتي زيارة ملك الأردن، الذي يرأس القمة العربية، لرام الله؛ لمتابعة كذلك نتائج اللقاء الثلاثي الذي عُقد على هامش القمة العربية وشارك فيه الملك عبد الله والرئيس (المصري عبد الفتاح) السيسي، إضافة إلى الرئيس أبو مازن (عباس)، والذي تم خلاله وضع تصور ورؤية للحركة السياسية".
إنزال عباس من المسرح
وكان الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية يوني بن مناحيم قد ذكر -في مقال بموقع "نيوز ون" الإخباري نقله موقع قناة الجزيرة– أن كوادر وقيادات بحركة فتح باتوا يصفون تصرفات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالعصبية، خاصة في الفترة الأخيرة.
وأرجع ذلك إلى موقف مصر من عباس؛ لأنها رعت لقاءات مصالحة بين خصمه اللدود محمد دحلان ووفد حماس الذي زار القاهرة مؤخراً، حتى إأن عباس بات يُدخِّن بشراهةٍ ويردَّد شتائم قاسية!.
وأضاف أن مصر تستعد لإنزال عباس من المسرح السياسي، معتبراً أن القاهرة باتت تتعامل مع عباس بالحد الأدنى من التنسيق، ولا تتورع في أن تتعامل معه باستخفاف، عقب اتهامه لها بالمساس بما يعتبره استقلالية القرار الفلسطيني؛ لأن السيسي أراد إعادة دحلان إلى صفوف حركة فتح.
غزة منطلقاً للسلطة
وعلى الرغم من أن دحلان، الذي بدا نشيطاً على الشاشة بشعره الأسود ورابطة العنق الأرجوانية، ينفي سعيه لأن يحل محل عباس- فإنه حافظ على وجود ثابت في استطلاعات الرأي العام الفلسطيني كخليفة عباس المحتمل، حسب "بلومبيرغ".
ويتركز دعم دحلان في غزة، بينما هو شبه معدوم في الضفة الغربية، حيث يُتهم بالفشل في منع استيلاء حماس على غزة عام 2007 عندما كان مسؤولاً عن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية هناك.
وقال أبو سعدة: "إن دحلان يرغب في العودة إلى الوطن والتنافس مرة أخرى على القيادة السياسية من قاعدته بغزة. فهو لديه جدول أعماله الخاص ومصالحه الخاصة".
أما إسرائيل التي كانت هدفاً لعشرات التفجيرات الانتحارية التي نفذتها حماس، بالإضافة إلى الهجمات الصاروخية، فهي تتابع من كثب التحركات الفلسطينية، وسط آمال بأن يكون لدحلان تأثير مهدِّئ على حماس، التي يرأسها حالياً الرئيس السابق لجناحها العسكري يحيى السنوار.
ويعرف القادة الإسرائيليون دحلان جيداً، سواء من سجنه في الثمانينات، أو التنسيق الأمني والتفاوض بشأن اتفاقات السلام معه في التسعينات.
في حين أن شعبية دحلان في غزة واضحة، إلا أن عباس لا يزال يمارس السلطة، وحماس غير مستعدة للتخلي عن قواتها الأمنية المستقلة، وفقاً لـ"بلومبيرغ".
ويقول يوهانان تزوريف، المتخصص بالشؤون الفلسطينية في وزارة المخابرات الإسرائيلية: "الفكرة كلها هي جلب دحلان إلى غزة؛ حتى يكون لديه قاعدة جديدة للسلطة للتنافس مع عباس؛ ما يدفع الناس للتساؤل: لم لا؟ أما الأذكياء فيقولون: (لا، يجب ألا يتم الأمر بهذه الطريقة). أبومازن هو الرئيس الشرعي وهو يقول إن السلاح يجب ألا يوجد إلا في يد الحكومة".