الصحابة وفهم التاريخ!

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/06 الساعة 03:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/06 الساعة 13:39 بتوقيت غرينتش

عندما أقول السنة النبوية، فإنني لا أعني فقط الثابت من أقوال النبي وأفعاله وإقراراته، وإنما أعني أيضاً الثابت مما قاله كبار الصحابة ويحمل نفحة نبوية لا يخطئها الذوق السليم.

وسبق أن ذكرت مرة أن من هواياتي المحببة تجميع أقوال الصحابة (رضي الله عنهم) لأعرف كيف كانوا يفهمون الإسلام ولماذا تحمسوا له بهذا الشكل.

ودائماً ما يداخلني الشعور بأن أي صحابي، حتى ولو لم يقل إن كلماته أحاديث نبوية، يمكن أن تجد فيما يقول نفحات نبوية واضحة جداً، خاصة فيما يتعلق بفهم النقلات التاريخية اللاحقة!

فعلى سبيل المثال عندما قتل عثمان (رضي الله عنه) كان ثُمامة بن عدي القرشي (رضي الله عنه) عاملاً لعثمان على صنعاء، فلما أتاه نبأ مقتل عثمان وقف خطيباً فبكى، وقال‏:‏ "اليوم انتزعت خلافة النبوة من أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) وصارت ملكاً وجبرية من غلب على شيء أكله".

وهذا للحقيقة أدق توصيف للتحول التاريخي الذي نتج عن قتل عثمان (رضي الله عنه). والكلمة كما ترى تحمل غيباً وتوقعاً صحيحاً أثبتته الأحداث التاريخية اللاحقة، فإذا كان هذا صحيحاً فمن أين له به إلا أن يكون قد سمع شيئاً من النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم صاغ بأسلوبه، ومع ذلك فالنفحة النبوية واضحة جداً.

وعندما قرر الإمام عليّ الخروج من المدينة إلى الكوفة لقيه عبد الله بن سلام (رضي الله عنه) فأخذ بعنان الفرس وقال للإمام عليّ: "يا أمير المؤمنين، لا تخرج منها، فوالله لئن خرجت منها لا ترجع إليها ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبداً".

وهذا ما حدث بالضبط وكان آنذاك غيباً فمن أين عرف؟ وهنا سأكرر الفكرة نفسها هذه معانٍ نبوية سمعت في موقف ما ووعتها نفس الصحابي فلما جاءت مناسبة قدمها كفكرة خاصة به، وليس كحديث نبوي، ولكن النفحة النبوية كما سبق واضحة جداً.

وعندما يقول الإمام عليّ في إحدى خطبه: "الناس نيام، فإذا ما ماتوا انتبهوا". فهو يتحدث كما ترى عن الموت وما بعده، وهذا غيب. فمن أين له علم الغيب وهو ليس بنبي يوحى إليه؟ فإذا كانت النسبة صحيحة فالمنطق يقول إنه ولا بد سمع هذا المعنى من النبي (صلى الله عليه وسلم) ونطق به في سياق خطبته تلك دون أن ينسبه للنبيّ (صلى الله عليه وسلم) أي لم يقل إنه حديث نبوي وقليلاً ما كان يفعل!

لا شك أن النبي قال الكثير مما لم يصل إلينا بطريق مباشر، ولا تتبين هذا إلا بمثل تلك النفحات النبوية التي جعلت فهم بعض الصحابة لحركة التاريخ آنذاك على هذه الدرجة من الدقة والوضوح، ومع ذلك كما سبق لم يقل أي منهم إن مقولاتهم تلك أحاديث نبوية.

والحقيقة فإن هذا ما كان يفعله كبار الصحابة الذين لم يرووا الكثير من الأحاديث النبوية، ولكنهم تشربوا الكثير من كلام النبي، وكل إناء ينضح بما فيه كما يقال.

لذا فكلام هؤلاء الصحابة -وأفعالهم- مهم جداً في فهم الإسلام، ويمكن أن تعد ضمن الإطار الواسع للسنة النبوية.

وكان بعض علماء السلف يقول بضرورة الاستدلال بفعل الصحابة فيما لم يرد به نص. وهنا أريد أن أضيف: قبل قتل عثمان رضي الله عنه.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبد السلام حيدر
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
تحميل المزيد