قال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إن السعودية قد جنَّدت آلافاً من اليمنيين اليائسين للدفاع عن حدودها ضد المتمردين الحوثيين، في الوقت الذي تبتعد فيه القوات السعودية عن القتال، مكتفيةً بشن الضربات الجوية على أهداف يمنية.
وقد أخبر المرتزقة العائدون موقع ميدل إيست آي كيف حصلوا على تدريب استمر أسابيع قليلة فحسب، ووُزِّعوا على فِرَقٍ تُموِّلها السعودية لحماية الحدود، أغلب قوامها من اليمنيين، ويُدفَع لهم حوالي 800 دولار شهرياً لقتال المتمردين الحوثيين الذين يفوقونهم بمراحل.
وتكشف هذه الممارسة عن عجز الحكومة السعودية، أو عدم رغبتها في وضع مواطنيها على خطوط النار، في حربٍ أسهمت فيها في إحداث أسوأ أزمة إنسانية في الشرق الأوسط، إذ يتعرَّض ملايين اليمنيين للمجاعة، وأصيب مئات الآلاف في أسوأ أزمة كوليرا في العالم.
وأخبر أحمد (29 عاماً)، الذي قاتل بصفته مرتزقاً على حدود نجران، موقع ميدل إيست آي، كيف وجد نفسه بعد عامين من الحرب أمام خيار من اثنين: إما القتال إلى جانب السعوديين، أو العيش في قريته المُعدَمة في محافظة تعز.
لكنه قال إنَّ راتب شهرين كان يساوي قيمة مهر زواج. وقال: "كنت أعرف أنَّ القتال على الحدود سوف يكون أصعب من المشاركة في المعارك المحلية، لكنَّ القتال على الحدود السعودية كان أفضل فرصة أتيحت له للوصول لأحلامي. كان من الأفضل لي أن أموت على أن أعيش عبئاً على والدي".
وشُحِنَ أحمد إلى جبهة نجران على الحدود السعودية لمواجهة الحوثيين المدعومين من بقايا الجيش اليمني الاحترافي، وذلك بعد أسابيع قليلة من تدريبٍ تلقاه في محافظة مأرب، وهي الخبرة العسكرية الوحيدة التي حصل عليها هو ومن هم على شاكلته.
لا سعوديين على مرمى البصر
ظنَّ أحمد، قبل أن يصل إلى الخطوط الأمامية السعودية، بنهاية شهر سبتمبر/أيلول، أنه سوف يقاتل كتفاً بكتف مع القوات السعودية، وكان يسمع بانتظام في نشرات الأخبار أنَّ القوات السعودية تحصد الحوثيين بالعشرات.
ومع ذلك، فعندما وصل أحمد إلى نجران، لم تكن القوات السعودية موجودة على مرمى البصر. وقال أحمد: "لم أجد سوى يمنيين يقاتلون على خطوط الجبهة".
وسدَّدَ توفيق، وهو يمني آخر جنَّده السعوديون، رصاصةً على قدمه للهرب من الجبهة. وقال لموقع ميدل إيست آي إنه لم ير قط أي جندي سعودي على الحدود السعودية، وإنه شعر بالخيانة من قبل هذا البلد الذي يستخدم يمنيين من أصحاب التدريب الضعيف لحماية مصالحه الخاصة.
وقال توفيق لميدل إيست آي: "تريد السعودية محاربة الحوثيين باستخدام قوات يمنية بينما يتجنَّب السعوديون القتال على جبهات قتالهم نفسها. يريدون أن يعيشوا بينما يموت اليمنيون. إنني أُفضِّل خسارة قدمي على أن أخسر حياتي"، وأضاف أنه ينصح اليمنيين الآخرين بأنَّ الموت جوعاً في الوطن أفضل من القتال لصالح قوة أجنبية.
وأكَّدَ أحمد، بشكل منفصل، قصة توفيق. وقال: "لا أعرف عدد اليمنيين الذين يقاتلون على الحدود السعودية، لكن هناك أكثر من 300 مقاتل في مجموعتي وحدها".
وأضاف: "حين سألت عن القوات السعودية، أخبرني المقاتلون اليمنيون أنهم على بُعدِ كيلومترات كثيرة يطلقون الصواريخ على الحوثيين دون أن يقاتلوهم فعلاً على جبهات القتال. وعند هذه اللحظة بدأت أُفكِّر في العودة إلى اليمن".
من "المقاومة الشعبية" إلى القتل من أجل المال
تقاتل السعودية الحوثيين وحلفاءهم، الأعضاء السابقين للقوات الأمنية اليمنية المرتبطة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح، منذ بداية هجماتهم الانتقامية ضد المملكة منذ أكثر من عامين.
وقد شنَّت السعودية، والتحالف الخليجي في معظمة، آلاف الضربات الجوية على مدار العامين الماضيين، واستخدمت عدداً قليلاً من القوات البرية على الحدود اليمنية السعودية لطرد الحوثيين وإعادة سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي أُجبِرَ على الفرار من البلاد عندما هجم الحوثيون على ميناء عدن المحوري.
وازداد انتقام الحوثيين، باطرادٍ، عن طريق ضربات صاروخية عابرة للحدود على أهداف في عمق المملكة.
وعندما اندلعت الحرب في اليمن، قرَّرَ الكثير من الناس القتال إلى جانب لجان المقاومة الشعبية المدعومة من السعودية في بلداتهم وقراهم، أو الانضمام إلى ميليشيا الحوثي المدعومة من قبل إيران.
وبينما يغادر اليمنيون بانتظام خطوط الجبهات على الحدود السعودية، فإنَّ آلافاً آخرين مستمرون في الانضمام للقتال، بما في ذلك الكثير من موظفي الخدمة المدنية اليمنيين الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ شهور.
حرب تقودها السعودية ويقاتل فيها الأجانب
وبحسب التقارير، فإنَّ معظم القوات المحاربة في التحالف السعودي في اليمن هي الأخرى من الأجانب. إذ زعم مسؤولون في الحكومة اليمنية عام 2015، أنَّ مصر قد أرسلت قواتٍ برية للقتالِ إلى جانب القوات الحكومية، بينما أخبر أحد كبار القادة الأمنيين موقع ميدل إيست آي أوائل العام الجاري، أنَّ الجيش الباكستاني قد أرسل لواءً من القوات القتالية لحماية الحدود الجنوبية السعودية الهشة من الهجمات الانتقامية التي يقوم بها الحوثيون.
وقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أنَّ الإمارات، وهي جزء من التحالف السعودي، قد جنَّدَت مئات المرتزقة من كولومبيا وبنما والسلفادور وتشيلي، للقيام بالأعمال القذرة في اليمن نيابة عنهم.
وقال شان مكفيت، الزميل بالمجلس الأطلنطي ومؤلف كتاب المرتزق الحديث: "المرتزقة خيارٌ جذَّاب للدول الغنية التي تريد شنَّ حرب، لكن لا تريد شعوبها القتال. ويعتبر مرتزقة أميركا اللاتينية علامة على ما سوف يحدث".
محاولة الفرار
كانت الأيام الأولى من القتال صعبةً على أحمد، إذ رأى الموت عن قرب. وقال أحمد: "عندما ترى زميلك يُقتَل، لا تريد أي شيء سوى الهرب. لم نتدرَّب على القتال إلا لمدة 40 يوماً، ومن ثم كانت خبرتنا محدودة للغاية. لكنَّ الحوثيين كانوا يقتلون العشرات منا كل مرة. كانت الأباتشي والضربات الجوية هما الطريقتان الوحيدتان لإيقافهم".
عندما حاول أحمد الفرار، منعته فرق حماية الحدود، وآخرون، من المغادرة ما لم يتعرَّض للإصابة أو يقاتل لستة أشهر على الأقل.
وقد كان أحمد، طوال المدة التي قضاها على الخطوط الأمامية يفكر في أسرته، والنصيحة التي وجَّهَها له والداه بالبقاء إلى جانبهما. وقرأ أحمد القرآن ودعا الله، شاعراً بالندم على عصيان أمرهما، أن يُعد شهيداً لو مات.
وفي غضون ذلك، لجأ بعض من أصدقاء أحمد إلى إصابة أنفسهم عمداً ليُسمَح لهم بالعودة إلى ديارهم.
وطنيون أم مرتزقة؟
وبينما تُعارض بعض القيادات داخل حركة المقاومة المؤيدة لهادي فكرة إرسال يمنيين للقتال على الحدود السعودية، مجادلين بالحاجة إلى أولئك المقاتلين في الداخل، يؤيِّد آخرون ذلك.
وبحسب علي عبد القادر، عضو حركة المقاومة الشعبية في تعز، فإنَّ اليمنيين ملزمون بالمساهمة في حماية الحدود السعودية ضد الحوثيين، بنفس القدر الذي ساعدهم به التحالف الذي تقوده السعودية.
وقال عبد القادر لموقع ميدل إيست آي: "نحن ممتنون للسعودية لدعمها لقتالنا ضد الانقلاب والمتمردين. ينبغي أن نرسل اليمنيين للقتال على الحدود".
وقال شخصٌ من حركة المقاومة المؤيدة لهادي، لم يفصح عن هويته، إنَّ وسائل الإعلام المحلية قالت، في شهر سبتمبر/أيلول 2016، إنَّ حوالي 5 آلاف يمني قد غادروا اليمن في سفن التحالف السعودي، متجهين إلى الموانئ السعودية الجنوبية لصدِّ هجمات المتمردين الحوثيين على الحدود السعودية.
وبحسب هذا التقرير فإنَّ معظم المقاتلين اليمنيين جُنِّدوا من محافظات جنوب اليمن، التي تتحكَّم فيها القوات المؤيدة لهادي والتحالف الذي تقوده السعودية.
وقد نفت مصادر سعودية رسمية هذا التقرير وقت نشره، بينما لم تُعلِّق الحكومة اليمنية على الأمر.
ومع ذلك، لا يزال الكثيرون داخل المقاومة مختلفين مع عبد القادر، ويقولون إنَّ معظم المقاتلين على الحدود السعودية هم في حقيقة الأمر مرتزقة.
وقال عدنان الصيفي، أحد المقاتلين الآخرين المؤيدين للقوات الحكومية في تعز، لموقع ميدل إيست آي: "نحن بحاجةٍ لأولئك المقاتلين اليمنيين على الحدود السعودية لقتال الحوثيين هنا في تعز. ونحن نعرف أنهم لا يقاتلون من أجل اليمن، وإنما من أجل المال".
وقال الصيفي إنهَّ لم يفكر في الانضمام للحدود السعودية لأنه لا يقاتل من أجل المال، وإنما يقاتل لحماية محافظته من هجمات الحوثيين. وقال الصيفي، الذي شرح كيف أنَّ القتال في السعودية ليست له كبير علاقة بالمصالح اليمنية: "أنا لست مرتزقاً لكي أسمح للحوثيين باجتياح بلدي، بينما أقاتلهم في بلد آخر".
أحلامٌ تتحقق
وأخيراً، عاد أحمد إلى قريته، في أول شهر يوليو/تموز، بعد أن أمضى تسعة أشهر على الخطوط الأمامية. وقد نجح في إدخار 25 ألف ريال (حوالي 6600 دولار)، وهو ما كفاه لبناء بيت، وافتتاح محل والزواج.
وقال أحمد: "كانت تسعة شهور صعبة للغاية، وقد فقدت بعض الأصدقاء في أرض المعركة، لكنني نجحت في ادخار المال الكافي لتحقيق أحلامي. إنني أبني بيتاً، وقد افتتحت محلاً صغيراً بالفعل وسوف أتزوج العيد القادم".
وعلى الرغم من أنَّ أحمد راضٍ عن إنجازاته، فقد وعد أسرته بألا يعود إلى الخطوط الأمامية السعودية أبداً، إذ صار يعتبر الحرب عبثية، يقاتل فيها اليمنيون بعضهم بعضاً دون أي سبب وجيه.
وقال أحمد لموقع ميدل إيست آي: "تدعمنا الدول الأخرى لتدمير بلدنا بدلاً من دعمنا لبنائه. إنني أنصح كل اليمنيين ببناء بلدهم بدلاً من قتال بعضهم البعض".
تغيَّرَت الأسماء في هذا التقرير لأسباب أمنية.