للمرة الأولى علماء ينجحون في إزالة الجينات المميتة من أجنَّة بشرية.. ما الذي يمنعهم من “تخليق أطفال خارقين”؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/03 الساعة 07:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/03 الساعة 07:59 بتوقيت غرينتش

يبدو أن الحلم أو الكابوس الذي تُبشرنا به أفلام الخيال العلمي، بقدرة العلم على تعديل جينات الأجنة لتخليق أطفال بدون أمراض وبصفات محسنة أو حتى خارقة قد اقترب ولو قليلاً.

ففي تجربة تاريخية، نجح علماء أميركيون في تعديل جينات أجنة بشرية لإزالة طفراتٍ جينية تُسبِّب قصور القلب لدى الشباب الأصحاء، وذلك في إثباتٍ تاريخي على إمكانية نجاح تلك العمليات المثيرة للجدل، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

وتُعَد تلك هي المرة الأولى التي تخضع فيها جينات الأجنة البشرية للتعديل خارج الصين، حيث أجرى العلماء هناك عدداً من الدراسات الصغيرة كانت نتائجها متباينة، ليروا ما إذا كان ذلك النهج قد يمنع انتقال الأمراض الموروثة من أحد الأجيال إلى الجيل التالي.

الجينات السليمة من الأم


ونشر هذا الحدث المهم قبل أيام في دورية نيتشر البريطانية، بعدما أكدته الأسبوع الماضي جامعة أوريغون الأميركية للصحة والعلم، التي تعاونت مع معهد سالك ومعهد العلوم الأساسية في كوريا، لاستخدام تكنولوجيا تعرف باسم (كريسبر-كاس9) لتصحيح طفرة جينية مسببة لأحد أمراض القلب، حسب ما ذكرته وكالة رويترز.

وتعمل تكنولوجيا (كريسبر-كاس9) مثل مقص للجزيئات، تتيح التخلص من الأجزاء غير المرغوب فيها من الطاقم الجيني البشري الكامل (الجينوم)، لتحل محلها أجزاء جديدة من الحمض النووي الوراثي.

واستخدم العلماء هذه الأداة التقنيّة القوية لتعديل الطفرات الموجودة في أجنةٍ أُنتِجَت من حيواناتٍ منويّة لرجلٍ مُصاب بمرضٍ وراثي بالقلب، يُسمّى اعتلال عضلة القلب.

ويُصيب هذا المرض، الذي يؤدي لزيادة سُمك الجدار العضليّ للقلب، واحداً من بين كل 500 شخص، وهو سببٌ شائع للإصابة بالسكتات القلبية المفاجئة بين الشباب.

ويعتقد العلماء أنَّ هذا النهج ذاته قد ينجح في شفاء أمراضٍ أخرى تسببها الطفرات الجينية، مثل التليّف الكيسي، وأنواعٍ معيّنة من سرطان الثدي.

وقال خوان كارلوس إزبيسوا بيلمونت، الأستاذ في مختبر للجينات تابع لمعهد سالك، والمشارك في الدراسة "أثبتنا إمكانية تعديل الطفرات في الجنين البشري بأسلوب آمنٍ، وبدرجة محددة من الكفاءة".

وتم تعديل الطفرة في الدراسة الأخيرة بطريقة لم يستخدمها العلماء من قبل، إذ تنسخ الخلية الحمض النووي السليم من بويضة الأم، بدلاً من الحمض النووي الجاهز لديها.

واكتشف العلماء أن الجنين استخدم النسخة السليمة من الجين، الموروثة من الأم، لتعديل الجزء المصاب بالطفرة.

كما اكتشف فريق معهد سالك وجامعة أوريغون، أن تعديل الجين لم يسبب ظهور أي طفرة في أجزاء أخرى من الجينوم، وهو أمر كان يثير قلقاً كبيراً في مجال تعديل الجينات.

والسؤال الذي يحتاج العلماء إلى اكتشاف إجابته الآن هو: ما إن كان يمكن تعديل الطفرات المحمولة في البويضة بسهولة، مثلما يحدث مع الطفرات المحمولة في السائل المنوي.

ولم تصل نسبة نجاح استخدام هذه التكنولوجيا إلى 100%، إلا أنها زادت عدد الأجنة التي خضعت لتعديل طفراتها الجينية، من 50% إلى 74%.

انبهار


وأثارت الدراسة انبهار علماء آخرين في المجال، وذلك لأنَّ التعديل الجيني لم ينجح في التجارب السابقة إلّا بشكلٍ جزئي، واستهدف طفراتٍ ضارة ببعض الخلايا، لكن ليس بغيرها.

كما كانت تظهر مشكلةٌ أخرى عندما تُعدّل جيناتٌ غير مقصودة بالخطأ، لكنّ العلماء لم يجدوا دليلاً على حدوث هذا الخطأ في الدراسة الأخيرة.

وقال ريتشارد هانز، وهو عالم جينات بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا اشترك هذا العام في الإشراف على تقريرٍ هام يتناول تعديل الجينوم البشري لصالح الأكاديمية القومية للعلوم بالولايات المتحدة: "حقق العلماء نتائج إيجابية على نحوٍ ملحوظ، وهذا تقدمٌ كبير. نقترب بذلك من إجراء التجارب السريرية (لاختبار أثر علاج معين على البشر بطريقة يتم مراقبته علمياً على نحوٍ صارم)، إلّا إنَّ كثيراً من العمل ينتظرنا قبل الوصول لتلك المرحلة".

ما الذي يمنع تخليق أجنة معدلة؟


وفي حين أنَّ أيَّاً من تلك الأبحاث لم تُخلِّق حتى الآن أطفالاً من أجنةٍ مُعدَّلة، وهي الخطوة التي من شأنها أن تكون غير شرعية في الكثير من البلدان، إلّا أنَّ هذا العمل يُمثِّل معلماً مهماً في جهود العلماء، الرامية للتحكُّم في ذلك الأسلوب والاقتراب خطوة أكثر من احتمال بدء التجارب السريرية على البشر.

واليوم، يمكن للأشخاص المصابين بأمراضٍ جينية اختيار التلقيح الصناعيّ وتُفحَص أجنتهم لاكتشاف أية طفراتٍ جينية ضارة.

لكنّ تلك العملية قد تساعد فقط ما إنّ وُجِد احتمالٌ بأن تكون بعض الأجنّة سليمة من الطفرات.

ووفقاً لشوكرات ميتالبوف، الذي ترأس البحث الأخير، فإنَّ التعديل الجيني قد يعزّز أعداد الأجنّة السليمة المتاح نقلها إلى رحم الأم.

وأشار تقرير الغارديان إلى أن هناك حاجة لإجراء المزيد من الدراسات، لإثبات كون التعديل الجينيّ آمناً لممارسته على البشر، لكن حتى وإن بدا آمناً، سيواجه العلماء عقباتٍ تنظيمية كبرى قبل البدء بالتجارب السريرية.

ففي الولايات المتحدة، منع الكونغرس الأميركي إدارة الغذاء والدواء من حتى مجرد التفكير بإجراء تجارب على البشر، باستخدام أجنةٍ معدلة وراثياً.

ومن غير القانونيّ كذلك في المملكة المتّحدة تخصيب النساء بأجنّةٍ معدّلة جينياً.

العملية كذلك مثيرة للجدل لأنَّ التعديلات الجينية المُجراة على الجنين لن تؤثر على الطفل المُتكوِّن فقط، بل على الأجيال المستقبلية أيضاً.

وفي هذا الإطار، قال ميتاليبوف: "ما زال الطريق طويلاً أمامنا. وليس واضحاً متى سيُسمَح لنا بالاستمرار".

وقالت جانيت روزانت، كبيرة العلماء والرئيسة الفخرية لقسم الأبحاث في مستشفى الأطفال في تورونتو بكندا: "ستكون خطوة كبيرة للأمام إذا أمكن تحقيق الأمر مع جينات مختلفة، وحين تكون الطفرة موروثة من الأم".

وحين سُئلَت عن احتمالية أن يكون للتعديل الجيني دورٌ في خلق أجنة بمواصفاتٍ بعينها، قالت روزانت، الكاتبة المشاركة في تقرير التعديل الجيني الذي أصدرته الأكاديمية الوطنية للعلوم، إنَّه احتمالٌ بعيد، وفسرت ذلك بالقول: "ما زلنا بعيدين للغاية عن التفكير بشكلٍ جدي في استخدام التعديل الجيني لتحسين صفات الأطفال".

وأردفت قائلة: "نحن لا نفهم الأساس الجيني للعديد من الصفات البشرية التي تعد هدفاً للتحسين، وحتى لو فهمنا، قد يكون التعديل الجيني لتحسين صفة ما له عواقب سلبية غير متوقعة على صفة أخرى، وربما تصبح العواقب صفات موروثة في الجيل القادم".

وختمت: "تقرير الأكاديمية الوطنية للعلوم كذلك يقف ضد أي نوع من أنواع التعديل الجيني المُصمم لتحسين الإمكانات البشرية".

علامات:
تحميل المزيد