ملاحظات عامة على القصة وانحياز كاتبها للفكر الليبرالي ومعاداته للتيار الإسلامي
نستكمل ما بدأناه في الحلقات الثلاث السابقة عن قراءتي لرواية باب الخروج للدكتور عز الدين شكري فشير، وفي الحلقة الرابعة تبقى ملاحظات سريعة حول الرواية، من أهمها أن الكاتب لم يشِر في الرواية إلى أي شعيرة إسلامية، وكأننا في بلد لا يدين أغلب سكانه بالإسلام، أو أن صلوات الجُمع والجماعات لم تقم في ميدان الثورة "ميدان التحرير أثناء ثورة يناير/كانون الثاني 2011″،
والفعاليات التي تلتها، بل وكانت ترتبط أسماء الفعاليات بالجمع، مثل: "جمعة الغضب" وغيرها.. ولا يمنع ذلك تنظيم صلوات أو قداسات للمسيحيين شركاء الوطن، بل تجلت روح الوحدة الوطنية بأن يصب المسيحي لأخيه المسلم الماء للوضوء، ويقوم بحمايته أثناء الصلاة، وهو ما ردَّ عليه المسلمون بحماية المسيحيين أثناء إقامة القداس في ميدان التحرير، وكذلك تولي المسلمين حماية الكنائس أثناء أعياد الميلاد والمناسبات الدينية المسيحية عقب الثورة.
وثانياً: أن الكاتب أشار إلى الانحلال الخلقي أو الحرية الجنسية لمعظم شخصيات روايته، وكأنها أمر عادي ليس محرماً ولا مستهجناً في مجتمعنا المصري الملتزم بالأحكام الدينية التي تحرم هذه العلاقات خارج الزواج، وتأباها أخلاق المجتمع وعاداته وتقاليده، وقد يقول البعض إنه إقرار لواقع، ونرد على ذلك بأن الكاتب نصّب نفسه حكماً على الأشخاص؛ لذلك وجب عليه انتقاد أي خروج عن أحكام وتقاليد وعادات المجتمع مثلما فعل في معظم أحداث الرواية.
وثالثاً: الفترة بين الثورتين وعدم إظهار دور العسكر في تدبير المؤامرات وإشعال الأوضاع وتبغيض الناس في الثورة وتبعاتها، وشيطنة الثوار، وإرجاع كل المصائب والقلاقل لثورة يناير وإلصاقها بالثوار.. باستثناء ما ورد على لسان صديق، بطل الرواية العسكري المسؤول في الرئاسة، وتلميحه بعلم المؤسسة العسكرية بدخول صواريخ لقطاع غزة وتغافلها عن ذلك لإشعال الموقف والإطاحة بالإسلاميين من الحكم.. وعدم إظهار الكاتب لأي قدر من التعاطف، أو التفاعل مع القضية الفلسطينية التي هتف لها الثوار في ميدان التحرير، عقب صيحات الفرح والانتشاء لسقوط مبارك وبيان التنحي، وقيام الثوار في ميدان التحرير بالهتاف: "الشعب يريد تحرير فلسطين"،
وكذلك العلم الفلسطيني الذي رفعه الثوار كثيراً في أرجاء ميدان التحرير أثناء ثورة يناير، ومعظم الفعاليات التي تلتها، وبالمقابل إنزال علم إسرائيل من فوق سفارتها بالقاهرة، وهو ما يعني أن الثورة لم تغفل القضية الفلسطينية بل كانت في عقل وقلب ووجدان ثوار يناير/ كانون الثاني، لكن يبدو أن قضية فلسطين ليست محورية أو مصيرية أو لا تستحق أن تنال قدراً ولو ضئيلاً من اهتمام د. فشير رغم أنه أحد المتخصصين في تحليل الصراع العربي – الإسرائيلي، وكذلك تصوير حركة حماس بأنها انتهازية، وكأنها هي التي تبادر بالهجوم والاعتداء بالصواريخ على الكيان المحتل،
التي تم تهريبها عبر الأنفاق في عصر الرئيس "بيومي"، وتغافلت المؤسسة العسكرية عن تهريبها لاستدراج حركة حماس والمقاومة الإسلامية لإنهاء حكم الرئيس الإسلامي، وكأن كل ما سبق لا يستحق التعليق بالرفض والاستنكار من د. عز الدين الذي يروي قصته من وجهة نظره، وليس بتجرد وحياد كما يجب أن يكون، ولذلك استحق النقد والعتاب في ذلك لتحيزه في معظم، إن لم يكن كل أحداث ومشاهد الرواية ضد التيار الإسلامي، وهو ما نتج عنه أو تبعه عدم تعاطف كاتبنا مع المقاومة الفلسطينية الإسلامية ضد الكيان المحتل للأراضي العربية والمقدسات الإسلامية.
رابعاً: عدم معاتبة أو إنكار د. عز الدين على القوى اليسارية بعد تعطيلها لجهود الإخوان والقوى الإسلامية أثناء حكم الرئيس بيومي.. وكأن هذا التعطيل لا يتعارض أو لا يهدم مبدأ إعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح والأغراض الحزبية والشخصية، وكأن هذه التصرفات لا تخلو من شرف الخصومة السياسية، ولم يعلق د. فشير على هذه المواقف غير الشريفة وغير الوطنية ولو بالنقد أو الاستهجان، مثلما أشبع الإسلاميين نقداً وتقريعاً وغمزاً ولمزاً بالحق والباطل وبمناسبة وبدون مناسبة، سواء في مصر أو في فلسطين..
خامساً: الكاتب لم يشعر القارئ برفضه الحكم العسكري سوى في خواتيم الرواية.. وهو أمر مستغرب ومستهجن من د. فشير.. قد يكون اضطر إليه كاتبنا لسبب أو لآخر مثل كونه ابناً لأحد قادة هذه المؤسسة، أو تجنباً للعداء مع العسكر الذين استعانوا بالدكتور فشير لتجميل وجه حكمهم القمعي الديكتاتوري، بتعيين د. عز الدين بعد انقلاب 3 يوليو/تموز عضواً في لجنة حماية المسار الديمقراطي قبل أن تنهار هذه اللجنة عقب إقرار قانون التظاهر الذي عارضه فشير.
والغريب أن كاتبنا لم يستقل من اللجنة بعد مذابح نظام السيسي المتكررة في ربوع مصر مثل الحرس الجمهوري والمنصة ورابعة والنهضة والدقي ورمسيس ومسجد الفتح وقنص المتظاهرين في الشوارع والميادين على مرأى ومسمع من الجميع بمن فيهم د. عز الدين.
سادساً: وهي نقطة جوهرية ومفصلية في تقييم الرواية لإشادة البعض بها دون تمحيص أو تدقيق، وهي توقعات الكاتب التي أشاد بها الجميع والتي لم تصب كلها بل كانت خبطاً عشوائياً صدق بعضه وطاش أغلبه، مثل المذبحة على الإسلاميين، وهي كما قلنا إنه وقع مذبحة للسلفية الجهادية بينما حدثت المذبحة في الواقع ضد الإخوان بالدرجة الأولى..
وأيضاً توقعه لطيش الإسلاميين في الحكم، وعبثهم بأمن مصر وهو ما لم يحدث أيضاً.. وكذلك توقعه حرباً بين أميركا وإيران وهو ما لم يحدث حتى الآن، بل حدث العكس وهو توقيع اتفاقية أو تفاهمات عن المشروع النووي الإيراني بين طهران وواشنطن، وبناء على هذا الاتفاق تم إطلاق يد إيران في منطقة الخليج العربي.. ولا يخالف ذلك فرض عقوبات أميركية على إيران؛ لأن هذه العقوبات مفروضة منذ فترة طويلة، ولم ينتج عنها حرب ولا قتال بين الولايات المتحدة وإيران.
وأكرر القول بأن ما يبرر ذكر هذه المآخذ على الرواية هو أن كاتبها نصب نفسه حكماً على الأوضاع، ومتوقعاً لما سيحدث في مستقبل الثورة المصرية، معبراً عن فكر تياره الليبرالي. ولم يكن حيادياً أو غير منحاز، ولذلك جاز لنا أن ننتقد فكره وطريقة سرده للأحداث وتصويره للشخصيات والتيارات السياسية وتفاعلها مع الأحداث عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.