شهدت السعودية الأسبوع الماضي أهم عملية إعادة هيكلة عسكرية مع فصل أجهزة الأمن الرئيسية في المملكة عن وزارة الداخلية. وهناك تحرّك مماثل في الأفق يستهدف الحرس الوطني.
وفي ضوء الارتفاع السريع لقوة الأمير الشاب محمد بن سلمان، سيكون من السهل القول إن إعادة التنظيم هذه مجرد انتزاع آخر للسلطة، وفق تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني.
وبدلاً من ذلك، ينبغي أن يُنظر إلى هذا التغيير باعتباره إصلاحاً طَالَ انتظارُه للقوات المسلحة السعودية التي كانت مبعثرة في 3 وزارات دون أن يكون هناك تنسيق كبير فيما بينها.
فمعركة "انتزاع السلطة" قد انتهت. وأصبح محمد بن سلمان القائد في المملكة -وفي العائلة المالكة أيضاً- منذ تلك الليلة الرمضانية عندما خلع ابنَ عمه، وليَّ العهد السابق وزير الداخلية محمد بن نايف، من السلطة دون استخدام دبابةٍ واحدة.
وفي الواقع، فإن المعركة وقعت وراء أبواب مغلقة في قصر الصفا بمكة المكرمة. وكانت أدواته هي توزيع الأموال والوظائف بين أفراد العائلة المالكة فقط. وهم صانعو القرار النهائي عندما يتعلق الأمر بمسائل الخلافة في السعودية. أما الشعب أو أفراد القوات المسلحة فليس لهم أي علاقة به.
في المملكة لم يكن لمحمد بن سلمان حزبٌ، ولا لمحمد بن نايف أيضاً. وكل من يعتقد أن الولاء سيحميه فإنه سيخسر مع أدنى تغيير في السلطة.
لم تتمكن أي من الأجهزة الأمنية التي كانت تحت سيطرة ولي العهد السابق (وهي المخابرات المحلية السعودية، وقوات الطوارئ، والقوات الخاصة، وقوات التدخل السريع، وقوات الطيران الأمنية) من إنقاذه.
وفي الأسبوع الماضي، وُضِعت كل هذه القوات تحت رئاسة أمن الدولة، وهو منصب جديد يخضع الآن للملك، وهو القائد العام للقوات كافة، وهو تغيير كبير تم بموجب مرسوم ملكي بسيط.
الوصيّ المقدّس
يخطئ المحللون السياسيون الغربيون خطأً شائعاً جداً عندما يطبقون ما يعرفونه عن الجمهوريات العربية التي يحكمها الجيش على السعودية التي لا يزال يحكمها "الوصيّ المقدس" وما يحمله المصطلح من معنى الولاء.
وفي واقع الأمر، فإن المملكة لم تتخلَّ حتى الآن عن تقاليد السلطة المطلقة التي تأتي من الحكم الإسلامي التقليدي للإمام أو الخليفة.
فعلى سبيل المثال، لا يمكن مقارنة العلاقة بين أفراد العائلة المالكة بحالة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وشقيقه رِفعت الذي شكّل قواته المسلحة. فقد حاول الإطاحة بشقيقه عام 1983 وخسر معركةً قُتل فيها كثير من الناس. وانتهى به المطاف لأنْ يكون لاجئاً من كبار الشخصيات في باريس.
وفي المملكة، ينبغي أن يكون جميع القادة والأركان، كرئيس هيئة الأركان المشتركة أو رئيس جهاز المباحث العامة، مُخلِصين للملك، الذي يجب أن يطاع باسم الإسلام، وليس لقائدهم المباشر حتى لو كان أميراً.
ولا تزال وحدة الأسرة المالكة أهم مظهر من مظاهر الحُكم في المملكة، ولعلّ هذا هو سر بقائها حتى يومنا هذا. ومن الحكمة المطلقة أن يحافظوا عليها، رغم أنها تعرضت مؤخراً لهزة عنيفة بعد سوء المعاملة تجاه ولي العهد السابق محمد بن نايف الذي لا يزال يُحترم داخل الأسرة التي قبلت رغبة الملك في أن يعطي السلطة لابنه، لكنها قد لا تقبل المعاملة المهينة لسلفه.
إن محمد بن سلمان يحتاج إلى إيجاد حل سريع لهذا قبل أن يزداد الأمرُ سوءاً.
وبفضل قانون "الولاء للملك فقط" الذي تم تأكيده في ليلة 21 يونيو/حزيران عندما أطيح بثاني أقوى رجل في المملكة، لا يُتوقع أن يقاوِم رئيسُ الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالعزيز "إصلاحاً" آخر من شأنه أن يعيد هيكلة قواتِه هيكلةً جذرية. وذلك لأنه يعلم أن رجاله لن يطيعوه إذا حاول مثل هذه الحماقة.
والآن كل ما يستطيعه هو انتظار تلك "الإصلاحات" القادمة إلى وزارته، التي ربما لن تكون حتى وزارةً إن لم يكن والدُه ملكاً، وإن لم يكن قد أعدَّ نفسَه ليكون حيث ابن عمِّه الذي يصغره سناً محمد بن سلمان موجودٌ الآن.
ولذلك، ينبغي وضع نظريات "مراكز السلطة" في المملكة جانباً، وإيلاءُ اهتمام إيجابي لجهود بن سلمان لإعادة هيكلة فروع القوات المسلحة السعودية الثلاث.
الإصلاح المتأخر
قرار ولي العهد أو قرار الملك (لا فرق هنا) بفصل تبعية العديد من الهيئات والسلطات العسكرية عن وزارة الداخلية كان إصلاحاً طال انتظاره، ويتعين الآن انتهاز الفرصة لتطبيقه.
لقد غدت وزارة الداخلية ذات قوة عملاقة. فتشرف من مبناها المميز في الرياض الذي يشبه الهرم المقلوب على كل ما يتعلق بالمواطن السعودي، من شهادة ميلاده وحتى شهادة وفاته.
كما تراقب الوزارة مكالمات المواطن الهاتفية دون موافقته، وتحارب الإرهاب، وتنظم الحج. وشكلت جيشاً كبيراً لتنفيذ هذه المهام العديدة والصعبة.
وقد طُرحتْ فكرة تقسيم الوزارة منذ عهد وزيرها القوي نايف بن عبدالعزيز، شقيقِ الملك الحالي، الذي تُوفي قبل أن يتمكّن من اعتلاء العرش. ومع ذلك، بالطبع، لم يجرؤ أحد على أن يطلب منه القيام بذلك. وبدلاً من تقسيم الوزارة، تم تشكيل 3 قوات مسلحة سعودية.
وترأس وزارةَ الدفاع وليُّ العهد الراحل سلطان بنُ عبدالعزيز، والحرسَ الوطني الملكُ الراحل عبدُالله، وترأس وزارةَ الداخلية الأميرُ نايف. وكانت تلك هي مرحلة تقاسم القرارات بين الأمراء الذين هم إخوة متساوون في السلطة، ويطيعون الملك ويحترمونه.
وهي تتشاطر معاً قراراتٍ حاسمةً، لكن مع القليل من التخطيط المشترك وصُنع السياسات. وقد اتُّخِذت الكثيرُ من القرارات المكلفة نتيجة لإرادة الأمير القوية وقناعته ورغبته في أن تكون متميزة. لهذا السبب، هناك قوة جوية ليس فقط في الجيش السعودي، لكن أيضاً في وزارة الداخلية والحرس الوطني، على سبيل المثال. وكانت هناك مدارس ومستشفيات مستقلة لثلاثتهم بميزانيات ضخمة لم يسبق لها مثيل.
إنهاء الازدواجية
إن إعادةَ هيكلةِ محمد بن سلمان للفروع الثلاثة للقوات المسلحة السعودية أمر ضروري ومفيد للمملكة. فقد كشفت الحرب اليَمَنية عن عدم وجود غرفة واحدة للتحكم والقيادة. وأصبح الحرس الوطني، على سبيل المثال، جيشاً في حد ذاته ولديه قدرات تقنية للقيام بعمليات حتى خارج الحدود، وليس فقط العمليات الدفاعية الداخلية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة أكبر إلى إعادة النظر في مبررات وجود كل وحدة مسلحة والدور المخصص لها والمنوط بها. وكثير من هذه الوحدات تؤدي أعمالاً متكررةً غالباً ما تتداخل مع بقية القوات.
الحرس الوطني نفسه بحاجة إلى إعادة النظر في سبب وجوده منذ تشكيله من أجل احتواء المتطوعين الذين قاتلوا مع الملك المؤسِّس والذين شكلوا كتائب قبلية. كان هذا أمراً مقبولاً في الماضي. أما اليوم، فوجود القوات العسكرية التي تسمح بالولاء القبلي ليس أمراً حكيماً في الشرق الأوسط؛ حيث أصبح الناس عرضة للانقسامات السريعة.
وبما أن محمدَ بنَ سلمان قد فاز بـ"لعبة العروش"، فليقم بشيء مفيد ويُعِدْ تنظيم الجيش السعودي، لاسيما في ظل التحديات التي تواجهها المملكة والمنطقة. ومع هذه الاستراتيجية الجديدة تأتي الرغبة، بالطبع، في أن يتماشى ذلك مع قرارات سياسية أكثر حكمة.