وول ستريت جورنال: قطر تعلّمت من الدروس السابقة فاستطاعت الصمود أمام الحصار

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/28 الساعة 12:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/28 الساعة 12:39 بتوقيت غرينتش

إذا كانت قطر قادرةً على الصمود في وجه الحصار واسع المدى، الذي فرضه عليها تحالفٌ من 4 دولٍ عربية بقيادة السعودية، فذلك لأن الإمارة الصغيرة تعلَّمت دروساً من خلافٍ سابق لها مع الدول المجاورة، وفق ما ذكر تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

ففي عام 2014، سحبت كلٌ من السعودية، والإمارات، والبحرين سفراءها من قطر، إذ كانوا يعارضون دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين، وأرادوا أن تنهي الدوحة التغطية الإخبارية لقناة الجزيرة القطرية.

ولم تتطوَّر المواجهة في ذلك الوقت إلى صدور قراراتٍ مثل فرض حظرٍ على السفر والغلق الشامل للحدود البرية، والمجال الجوي، والموانئ البحرية، التي أعلنت عنها الدول الخليجية الثلاث بقيادة السعودية ومصر في 5 يونيو/حزيران.

الاستعداد للجولة الثانية

لكن بالنسبة للعديد من القطريين، كان جلياً أن مواجهة 2014 – التي جاءت نتيجةً للتنافس التاريخي مع كلٍ من السعودية والإمارات بالأخص – لم تكن استثناءً. لذا حرصت قطر منذ ذلك الحين على إعداد نفسها للجولة الثانية. لقد ساعدها بالطبع كونها أغنى دولةً في العالم وفقاً لنصيب الفرد من الدخل القومي – ما مكّنها من تحمّل نفقات الاستثمارات الضرورية.

وقال مروان قبلان، رئيس وحدة تحليل السياسات لدى المركز العربي للبحوث ودراسة السياسات، وهو مركزٌ بحثي في الدوحة مُقرَّب من الحكومة القطرية، لصحيفة وول ستريت جورنال: "في 2014، لم نكن نتخيَّل أن قطر تستطيع الصمود إذا ما قرَّر السعوديون إغلاق الحدود. لكنهم أغلقوها الآن، واكتشف القطريون أنهم قادرون على التعايش مع هذا الحصار".

وأضاف: "سعت هذه الدول إلى حصار قطر وإجبارها على رفع الراية البيضاء باستخدام منهج الصدمة والترويع. لكنهم لم يفلحوا. لقد تعلَّم القطريون درسهم".

وفي الواقع، يتوقَّع الطرفان استمرار المواجهة والحصار العربي بقيادة السعودية ضد قطر لشهورٍ، إن لم يكن لسنواتٍ، رغم جهود الوساطة الدولية.

ولا يستطيع أهم مُبادر في هذه الحملة، وهو الأمير السعودي محمد بن سلمان، تحمُّل فكرة أن يفقد ماءَ وجهه وأن يتراجع عن المطالب المفروضة على قطر. ويجب على بن سلمان أيضاً إظهار نجاح قاطع في المشروعات الأخرى التي يرعاها، ومن بينها إصلاح الاقتصاد المحلي، وحرب اليمن.

وعلاوة على ذلك، لا ترغب قطر في الإذعان وتحويل إمارتها إلى دولةٍ تابعة للسعودية. ولهذا، ارتدت عاقبة العقوبات، التي فرضها التحالف العربي بقيادة السعودية في منتصف شهر رمضان الماضي بهدف زرع الشقاق داخل الإمارة القطرية، على الدول المُحاصِرة حتى الآن على الأقل. فقد أشعلوا مشاعر المقاومة والوطنية بين القطريين مجدداً.

وانتشرت صور الشيخ تميم، المطبوعة على ورقٍ مُفرَّغٍ والمُحَاطَة بكتابات المواطنين، الذين يتعهَّدون بالولاء للأمير، في مختلف أنحاء الدوحة، بالإضافة إلى عبارات إدانة "الدول المُحاصِرة".

وخلال خطابٍ مُتلفزٍ أُذيعَ الأسبوع الماضي، وهو الأول له منذ بداية الأزمة، وضع أمير قطر الشيخ تميم مبدأين قال إن بلاده مستعدة لحل يقوم عليهما، وهما احترام السيادة والابتعاد عن الإملاء، مضيفاً "أي حل يجب أن يكون تعهداً متبادلاً والتزاماً مشتركاً ملزماً للجميع".

وقال الأمير: "تسير الحياة في قطر بشكل طبيعي منذ بداية الحصار، والشعب القطري وَقَفَ تلقائياً وبشكل عفوي دفاعاً عن سيادة وطنه واستقلاله".

5 خطوط ملاحية جديدة

وبخلاف الوضع في 2014، لدى قطر حالياً ميناءٌ بحري جديد، وهو ميناء حمد، يستطيع استقبال سفن الشحن الكبيرة. وسمح لها هذا بتعويض الحظر المفروض على سفنها في دبي، والتي ظلّت حتى وقتٍ قريب الميناء الرئيسي للحاويات البحرية المتجهة إلى قطر.

وقالت الشركة القطرية لإدارة الموانئ "موانئ قطر" (حكومية)، السبت 8 يوليو/تموز 2017، إنها أطلقت 5 خطوط ملاحية مباشرة بين ميناء "حمد"، وعدد من الموانئ في المنطقة وخارجها، في أقل من 20 يوماً، وفق ما ذكر تقرير سابق لعربي بوست.

ويعد أبرز الآثار الاقتصادية للعقوبات، التي فرضها التحالف العربي بقيادة السعودية، هو اختفاء منتجات الألبان السعودية، التي اعتادت أن تُشكِّل الغالبية العظمى من سوق منتجات الألبان القطري البالغ حجمه 1.6 مليار دولار. لكن قطر عوَّضَت هذا النقص عبر استيراد منتجات الألبان من تركيا، وأذربيجان، ولبنان، وعبر شراء أبقارٍ خاصة بها.

وفي مزرعة "بلدنا" المترامية الأطراف في صحراء شمال الدوحة، يواصل العمال القادمون من جنوب آسيا العمل لبناء حظائر لاستقبال 14 ألف رأس من أبقار الهولستين الهولندية. وتأكل 165 بقرة، وصلت في أول طائرة شحن، حالياً غذاءها على مهلٍ في الهواء المكيَّف في أول حظيرة مكتملة البناء.

وكانت "بلدنا" تُخطِّط للمضي قدماً في تنفيذ مشروع تربية الأبقار لإنتاج الألبان قبل الحصار السعودي، لكنها توسَّعَت في المشروع على نحوٍ كبير بعد اندلاع الأزمة. وتتوقَّع الشركة أن تنفق استثماراتٍ في المشروع بحوالي 545 مليون دولار.

وقال جون دوري، المدير التنفيذي لشركة بلدنا لصحيفة وول ستريت جورنال: "يُشكِّل الحصار فرصةً لملء الفراغ. في ظرفٍ آخر، كنَّا سنضطر إلى التنافس من أجل اقتناص حصةٍ سوقية". وأضاف دوري أنه يستبعد أن يتمكَّن السعوديون من استعادة عملائهم القطريين حتى بعد زوال الأزمة.

وتابع: "انظر إلى الحماسة الوطنية هنا. هذا الشعب لن ينسى الحصار".

ورغم الحرب الكلامية بين الطرفين، لا زالت بعض الأنشطة التجارية مستمرةً بين قطر وخصومها الخليجيين. وتواصل شركة قطر للغاز – التي تُشكِّل مصدراً هاماً للغاز الضروري لتوليد جزءٍ كبيرٍ من الطاقة الكهربائية في الإمارات – ضخ الغاز إلى دبي عبر خط دولفين. ولم تسحب دولٌ خليجية أخرى أموالها من البنوك القطرية، وتواصل الفروع التابعة للمؤسسات المالية القطرية ممارسة نشاطها في مصر والإمارات.

وقال عبدالله باعبود، رئيس برنامج دراسات الخليج في جامعة قطر: "تمكَّنت قطر من امتصاص الصدمة. نعم، هناك تكلفةٌ اقتصادية للحصار، لكن قارن هذا بتكلفة خسارة سيادة الدولة. لن تتخلى قطر عن سيادتها بهذه السهولة".

تحميل المزيد