لم أجد الكلمات المناسبة لأبدأ هذا المقال، الذي هو جزء من ردّ جميلكما في حياتي، أحببت أن أكرمكما بهذا المقال الذي سأفتح فيه قلبي للقراء، وسأزفّه للعالم فخراً بكما واعترافاً بكل ما قدمتماه من تضحيات جسام، من أجل هذه اللحظة التاريخية التي بلغنا فيها ونضجنا فيها لنفهم فيها أسرار الحياة.
هل تذكر يا أبي يوم عيد ميلادي الأول، كيف كانت سعادتك غامرة، وكيف كنت تقوم بتصويري وأنت مبتهج بصغيرك الأول، تحاول أن توزع عليَّ عطايا سعادتك، وتقول لي يا صغيري العزيز: مرحباً بك، أنرت منزلنا وأنرت الدنيا، لقد انتظرناك طويلاً لتلتحق بنا، هل تذكر حينما كنت تصطحبني معك إلى الرحلات المدرسية التي كانت تنظم من طرف المؤسسة، لقد كان الوقت ممتعاً، كنت أحس بمشاعر الفخر بك، حينما أراك تدير تلك الرحلة بكل اقتدار، وتسهر على راحة التلاميذ ولا تترك أي شيء للصدفة، وتبذل كل جهودك لأن تمر بالرحلة بأحسن الظروف.
ما زلت أذكر حينما كنت أدرس بمتوسطة ابن الهيثم، كمّ الاحترام الهائل الذي يكنه لك التلاميذ والطاقم الإداري والأساتذة ويعتبرونك قدوتهم، كم كان ذلك بالنسبة لي خاصاً وجعلني أبذل كل جهدي لأقلدك وأتحلى بمثل الصفات التي لديك من أجل أن أكون سندك وأيضاً خير خلف لخير سلف.
هل تعلم أنني لم أنسَ تلك الصفعات وذلك التوبيخ القاسي الذي وبختني إياه في مرحلة التعليم المتوسط، حينما حققت علامة متوسطة في مادة الرياضيات، أدرك شعورك يومها؛ لأنها مادتك التي تدرسها، صحيح أن الأمر آلمني، ولكنني تعلمت يومها درساً كبيراً، وهو احترام كل المواد التي أدرسها وعدم الاستهتار والتركيز فقط على المواد التي أحبها، أو ما أعتبرها ضمن موادي الأساسية المفضلة؟
هل تعلم كم شعرت بالفخر؛ لأنك حضرت حفل تكريم الطلبة المتفوقين في الثانوية التي كنت أدرس فيها، يوم حققت المركز الأول في الشعبة الأدبية، لقد كانت لحظات لا تنسى وتستحق أن ترسخ من ذهب كذكرى جميلة في عقولنا وباطننا وكان ذلك تكريماً لك؟
هل تعلم أيضاً أننا بنينا معاً الخطوة الأولى نحو طموحي يوم سافرت تونس للمشاركة في مؤتمر دولي حينما أصررت على أن توصلني بنفسك، وأيضاً يوم أن قررت السفر نحو الكويت في تجربة جديدة نحو المستقبل الذي أريد صناعته فقد شعرت بأنه دعم كبير خصوصاً معنوياً وهو أننا سنقف خلفك دوماً؟!
أمي العزيزة هل تذكرين توبيخك لي يوم حققت علامة ضعيفة في اللغة الفرنسية بالمرحلة الابتدائية؟ وبختني ليس لأنني أخفقت في اللغة الفرنسية، بل لحرصك الشديد على أن أتفوق في دراستي وأتميز، وخشيتك أن أكون في ركب الراسبين، ورسالتك التي مفادها: الدراسة خط أحمر عليك أن تجتهد وتجد.
هل تذكرين يوم كنت أحفظ عليك الدروس في المرحلة الابتدائية، وكنت دائمة الحرص على أن أراجع دروسي في وقتها، كنت تضعين لي برنامجاً للحفظ والمراجعة، كنت صارمة معي، ولذلك ولد معي حب الدراسة والنجاح والتفوق.
ما زلت أذكر حينما كنت أسافر خارج الوطن، لا تدعين أحداً يوضب حقيبة سفري إلا أنت، كنت تحرصين على أدق التفاصيل الخاصة بأغراضي، فلا تكادين تنسين غرضاً إلا أضفته وكنت كالحارس الأمين الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة.
لم أنسَ كل الأيام التي كنت فيها تسهرين على تربيتي، حينما كنت أمرض، حينما كنت حزيناً ومنكسراً، حينما كنت فرحاً وسعيداً، كنت الأمل والإلهام، كنت النور الذي يشع في قلبي متوهجاً ليعانق السماء وينثر قطرات الندى والصفاء.
شكراً أمي يا مَن ربيتني على أن أتمسك بطموحي إلى آخر رمق، كنتِ داعمتي ومناصري الأول، لم تكترثي لأصوات البعض المثبطة التي كانت تستهين بما أحلم به لأحققه، لقد كانوا يقزمون كل ما آمل تحقيقه في المستقبل، ولكنك أشعلت فيّ شعور المحارب الذي يحارب من أجل أهدافه وطموحاته وأحلامه، وأعطيتني ثقتك بأنه لا يوجد مستحيل إذا آمن الإنسان بأنه يستطيع تحقيق ذلك والوصول إليه مهما كانت العقبات والصعوبات.
هل تعلمان حينما أحقق أي إنجاز أو انتصار أو تفوق في أي مجال، كمية الفخر ومشاعري المتوهجة التي تنتابني فرحاً بكما وسعادة؟
هل تعلمان كم أحملكما في قلبي حينما أسافر، حينما تطأ قدماي أي أرض وحينما أبدأ أية تجربة، حينما أفشل أتذكركما، حينما أنكسر أستعين بكما، حينما شعرت بأن الأمور انتهت قمتما بشحن بطاريتي من جديد، وقفتما حماية لظهري، وساندتما عجزي، وبعثتماني للحياة من جديد.
عزيزيّ.. إن كل ما أبذله اليوم في سبيل رسم البسمة على محياكما، وأن تكونا سعيدين، ورضاكما هو أول مبتغاي، ربيتمانا لما كنا صغاراً، وها أنتما اليوم ترياننا نكبر أمامكم، إنني ماضٍ إلى أحلامي وطموحاتي، إنني مستعد لألف كل أنحاء العالم والقارات الخمس لأجلكما، إنني ماضٍ في طريقي لأرسم البهجة في قلبكما، ولتفخرا بأنكما أنجبتما ولداً يرى العالم نوراً وضياءً وأملاً مشعاً يلف كل البشرية.. دمتما سندي.
شكراً لكما من القلب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.