تم الإعلان منذ بضعة أيام عن انتحار تشستر بننغتون المغني الرئيسي في فرقة لينكن بارك الشهيرة، فليترحم عليه من يشاء وليشتمه من أراد.. لكن السؤال الذي حيرني وما زال منذ سماعي خبر انتحاره هو: بحق الجحيم لماذا انتحرت يا تشستر؟
تشستر يبلغ من العمر 41 عاماً، ويتمتع بصحة جيدة، ولديه عائلة مكونة من ست أبناء، وأنتج وفرقته أنجح ألبومات الروك في العقود السابقة، حاز على أثرها عشرات الجوائز، فيكفيه أن يبحث عن اسمه في جوجل ليجد ملايين المعجبين في جميع أنحاء العالم، الذين يعشقونه، ويرددون أغانيه، فضلاً عن آلاف المجموعات الخاصة لتبادل صوره وفيديوهاته.
ماذا ينقص تشستر ليقدم على تعليق مشنقته بيده في منزله وينهي حياة مليئة بالإنجازات والنجاحات؟
ليس تشستر فحسب من فعل ذلك، بل هناك أيضاً روبن ويليامز واحد من أشهر الممثلين الكوميديين في تاريخ السينما الأميركية والحائز على جائزة الأوسكار عام 1988، وله عشرات الأفلام الكوميدية والدرامية الهادفة والعائلية التي رسمت البسمة والسعادة على وجوه ملايين البشر في جميع العالم، قام هو الآخر بإنهاء حياته بحزام بنطاله قبل ثلاثة أعوام.
الحقيقة هي أن كلاً من تشستر وروبن ويليامز عانيا من اكتئاب مرضي شديد، ليس ذلك الاكتئاب الذي قد يصيب المرء عقب فشله في أحد الامتحانات أو عند تعطل سيارته، وإنما هو حالة نفسية مزمنة تلازم المرء صباح مساء تعمي بصيرته، وتحول كل ما يراه لسواد، ويصيبه شعور دائم بالحزن واللامبالاة وانعدام وجود هدف للحياة.
قد يسألني سائل الآن: فليذهب تشستر للجحيم.. ماذا تريد الآن؟
أود القول إن هذا الاكتئاب المرضي يصيب الكثير من الأشخاص باختلاف أعراقهم ودياناتهم، ففي حالة تشستر وروبن ويليامز قادهما هذا الاكتئاب إلى إنهاء حياتيهما ليسكتا هذا الوحش الصغير داخل رأسيهما، لكننا وفي مجتمع متدين قد يكون الانتحار خياراً مستبعداً بالنسبة لهؤلاء المصابين بالاكتئاب، لكن هذا يجعله يظهر في صور أخرى كثيرة: كالعنف الأسري، وعقوق الوالدين، وتعاطي المخدرات، والفشل الدراسي، والعزلة، وجرائم القتل وغيرها الكثير من المظاهر السلبية.
هذا النوع من الاكتئاب منتشر في جميع أنحاء العالم، ومجتمعنا كباقي المجتمعات معرض له في ظل الظروف المادية الصعبة والبطالة والتشتت العائلي، على كل أب وأم ومدرس وأخ وصديق أن يستشعر بوادر هذا الاكتئاب في الأشخاص المحيطين له، ويحاول قدر الإمكان الاستماع لهم ومساعدتهم وإرشادهم لاستشارة مختصين، فصديقك هذا إن لم ينتحر فإن الاكتئاب سيجد طريقة أخرى ليدمر حياته بها.
علينا أن نبدأ بلفت نظر الناس إلى مثل هذه الحالة المرضية التي لا تقل ضرراً عن باقي الأمراض النفسية الأخرى، فبعلاج مكتئب بطريقة سليمة قد يلتئم شمل عائلة، أو قد يقلع شاب عن إدمانه على المخدرات.
الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية انتشاراً في القرن الواحد والعشرين وبدأ يغزونا فعلاً.
في آخر لقاء إذاعي أجراه تشستر، قال: "هناك داخل رأسي شيء فظيع يجذبني دائماً للجحيم؛ لذلك أخاف البقاء لوحدي لكي لا يستفرد بي هذا الوحش.. آه كم أود الاستيقاظ صباحاً كالآخرين لأستمتع بكوني أباً وزوجاً وأخاً..".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.