لا تزوجوهنَّ لأول طارق

لكن هل يعتبر رفض الفتاة للشريك الذي اختاره لها والداها عقوقاً؟ إلى أي مدى يحق للوالدين اختيار رفيق حياة ابنتهما؟ ماذا إن أجبراها على الزواج من أحد أقاربها ولم يكن هو الاختيار النهائي في ذهنها الذي ترغب في الارتباط به؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/26 الساعة 03:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/26 الساعة 03:10 بتوقيت غرينتش

لا شكّ أنّ للوالدين مكانةً عظيمةً في جميع الأديان، خصوصاً في الدين الإسلامي، فالآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، تحضّ على برّ الوالدين، وتجعل عقوقهما كبيرة من الكبائر.

لكن هل يعتبر رفض الفتاة للشريك الذي اختاره لها والداها عقوقاً؟ إلى أي مدى يحق للوالدين اختيار رفيق حياة ابنتهما؟ ماذا إن أجبراها على الزواج من أحد أقاربها ولم يكن هو الاختيار النهائي في ذهنها الذي ترغب في الارتباط به؟

مناسبة طرح هذه الأسئلة ما أعيشه وأراه يومياً من ارتفاع نسب الطلاق، وذلك بحكم عملي في المحكمة الاجتماعية، ولعل أغلب الحالات راجعة إلى سوء اختيار الشريك، وإجباره على الفتاة دون مراعاة لرغبتها ورضاها في إلغاء واضح لكيانها ووجودها ففي مجتمعاتنا تعتبر المرأة مهما بلغت من علم وسن قاصرة تحتاج لوصي يتخذ القرارات بدلاً عنها، وليس عليها سوى الطاعة والإذعان.

شخصياً أرى أن تزويج الفتاة دون رضاها يمثل شكلاً من أشكال العنف الموجه ضد المرأة؛ إذ إنها تتحمل مسؤولية علاقة زوجية لم يكن لإرادتها دخل في حدوثها.

وكأني ببعض الأهل قد تعبوا وسئموا من أداء رسالتهم النبيلة المتمثلة أساساً في الرعاية والإنفاق ورغبتهم في التخلص من أعباء الفتاة عن طريق تزويجها لأول طارق لباب منزلها طالباً ودّها، فقد يختار الأهل الشاب لماله وثرائه ضاربين بعرض الحائط كل الخصال الحميدة التي أشار إليها ديننا حين جعل الخُلق والدّين هما الأساس لأي اختيار.

إن الأكثر إيلاماً للفتاة هو تزويجها لأسباب اقتصادية، فهو يمثل قمة الاستهانة بآدمية المرأة والتعامل معها كسلعة أو منتوج.

إنه لأمر مؤسف محزن أن تستغل المرأة من أقرب الناس إليها، فكونها أنثى يعني أنها عبئاً مادياً يجب التخلص منه بتزويجها.

وما هو مستغرب في زمننا هذا أن هناك من الأهل من يُجبِر بناته على الارتباط بمَن لا يرِدن ولا يشرِكهن في عملية الاختيار وترضخ الفتاة طائعة لإرضاء الأهل فينشأ عن هذا الزواج -غالباً لا يحصل التوافق- عائلة تفتقر إلى المودة والألفة، ويتعايش الزوجان قريبين جسدياً بعيدين روحياً!

على الأهل أن يفتحوا قنوات الحوار، وأن يمدوا جسور التواصل بين أبنائهم، خاصة الفتيات.. ألم يخطر ببال هؤلاء أن فلذة كبدهم قد تلتقي بشاب ما، سواء في الدراسة أو العمل أو سفر.

وإذا تمكن الحب من قلبها لا تستطيع أن تقبل الارتباط بأي شخص آخر، وقد تصطدم رغبتها برغبة أهلها في تزويجها من شخص بعينه، فاستبداد الأهل بالقرار، والصمم عن الاستماع لنبضات قلب الفتاة، ليس وراءه في النهاية إلا تعاستها.

أخيراً أود أن أشير إلى أن تدخّل الأهل في الاختيار أمر طبيعي، وعلى الأبناء القبول بذلك، فمن غير المقبول أن يتصرّف الشاب أو الفتاة في كل أمورهما، من دون أي اعتبار لأهلهما الذين ربياهما وعلّماهما وتحمّلا مشقة إعالتهما في كل حياتهما، بحجة أنهما أحرار، وأنهما مسؤولان عن تصرفاتهما واختياراتهما، خاصة في قضية الزواج، غير أن هذا التدخل لا يجب أن يتجاوز النصح والإرشاد، فلا إلزام ولا إجبار.

في النهاية لا أملك أفضل ما أختم به موضوعي كسُنة المصطفى -عليه أفضل الصلاة والسلام- إذ حدث أن فسخ الحبيب عليه الصلاة والسلام زواج الخنساء بنت خِذام الأنصاريّة؛ حيث شكت إلى النبي، وقالت: إنّ أبي زوَّجني من ابن أخيه وأنا كارهة. فقال: "أجيزي ما صنع أبوك". فقالت: ما لي رَغبة فيما صنع أبي، فقال صلى الله عليه وسلم: "اذْهبي فلا نكاحَ له، انكحي مَن شئتِ". فقالت: أجزتُ ما صَنَع أبي، ولكني أردتُ أن يعلَمَ الناس أن ليس للآباء من أمور بناتِهِم شيءٌ.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد