في حُكمٍ قد يُسفر عن عواقب مهمة واسعة المدى على كيفية تعامل الاتحاد الأوروبي مع المهاجرين في المستقبل، أيَّدت محكمة العدل الأوروبية، الأربعاء 26 يوليو/تموز 2017، حقَّ الدول الأعضاء، التابعة للاتحاد الأوروبي، في ترحيل طالبي اللجوء إلى أولى دول الاتحاد الأوروبي التي يدخلونها.
ويُعَدّ هذا الحُكم بمثابة رفضٍ قاطعٍ لسياسة "الباب المفتوح" المثيرة للجدل التي تنتهجها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تجاه اللاجئين، والتي أدت إلى نزوح أكثر من مليون طالب لجوء إلى ألمانيا، وفقاً لما ذكرته صحيفة التلغراف البريطانية.
وكانت كل من سلوفاكيا والمجر قدمتا خطةً ملزمةً لإعادة توطين لاجئين عبر دول الاتحاد الأوروبي.
وكان البلدان، بدعم من جارتهما بولندا، يريدان من المحكمة أن تبطل مخططاً وضعه الاتحاد الأوروبي عام 2015 يلزم كل دولة من الدول الأعضاء باستضافة عدد من اللاجئين؛ للمساعدة في تخفيف الأعباء عن اليونان وإيطاليا، اللتين تصل إليهما أعداد هائلة من المهاجرين عبر البحر المتوسط.
وأرسلت المفوضية طلباً رسمياً لهذه الدول بتطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي وأمهلتها شهراً للرد. وإذا لم تجد المفوضية الردود مُرضية فإنها قد تقاضي هذه الدول.
وقضت المحكمة باستمرار تطبيق لوائح اتفاقية دبلن التي أقرتها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي تقتضي وجوب سعي اللاجئين لطلب اللجوء في أول دولةٍ تابعة للاتحاد الأوروبي يصلون إليها، رغم التدفُّق غير المسبوق في عام 2015.
وبهذا الحُكم، تكون المحكمة قد تجاهلت نصيحة مُدّعيتها العامة البريطانية إليانور شاربستون، التي حذَّرت من أنَّ هذا النظام قد يُصيب الدول الحدودية بـ"عجزٍ في التعامل" مع أزمة اللاجئين.
وأصدرت المحكمة حكمها في قضيتين تخصان شقيقتين أفغانيتين ورجلاً سوريّاً كانوا قد دخلوا بلاداً تابعة للاتحاد الأوروبي خلال أزمة عام 2015.
وكانت خديجة الجفري، وشقيقتها زينب الجفري، قد دخلتا الاتحاد الأوروبي عبر كرواتيا بعد فرارهما من أفغانستان مع أطفالهما، وفي ذلك الوقت، كانت ميركل قد فتحت حدود ألمانيا أمام المهاجرين، وكانت النمسا تتبنى سياسةً مشابهة.
وسمحت كرواتيا آنذاك للشقيقتين وأطفالهما بعبور أراضيها للوصول إلى إحدى الدولتين، سواء ألمانيا أو النمسا.
وكانت الشقيقتان قد طلبتا حق اللجوء في النمسا، ولكنَّ الحكومة النمساوية تراجعت عن موقفها تجاه اللاجئين لاحقاً وأعادت العائلتين إلى كرواتيا، وأمرتهما بطلب اللجوء هناك.
ولكنَّ الشقيقتين طعنتا في القرار؛ بحجة أحقيتهن في طلب اللجوء بالنمسا؛ لأنَّ كرواتيا سمحت لهما فقط بعبور أراضيها، ولم يدخلاها بطريقةٍ شرعية.
وفي قضيةٍ ثانية، طعن رجلٌ سوري -لم يذكُر اسمه- في قرار ترحيله من سلوفينيا إلى كرواتيا في ظروفٍ مماثلة.
ورفضت المحكمة هذين الطعنين، قائلةً إنَّ حقيقة أنَّ كراوتيا سمحت للمهاجرين بعبور أراضيها لا تعني إلغاء لوائح اتفاقية دبلن.
سيلقى الحكم ترحيباً في دول أوروبا الوسطى مثل النمسا وسلوفينيا، حيث توجد معارضة سياسية كبيرة ضد استقبال المزيد من اللاجئين.
ولكنَّه سيثير القلق في البلدان التي يدخل معظم المهاجرين إلى دول الاتحاد عن طريقها، مثل إيطاليا واليونان، وتشكو هذه الدول من أنَّ هذا النظام سيُثقل كاهلها بأعباءٍ كبيرة.
وكان قرار المحكمة غير متوقَّع، بعد أن اتخذ القضاء خطوةً غير عادية بتجاهل نصيحة المدعية العامة.
سلوفاكيا والمجر قدمتا الطعن
لكن المحامي العام للمحكمة، إيف بوت، رفض المرافعات الإجرائية التي قدمتها براتيسلافا وبودابست بأن الحصص الإلزامية غير قانونية.
وقال: "القرار محل النزاع يساعد تلقائياً في تخفيف الضغط الكبير على أنظمة اللجوء بإيطاليا واليونان في أعقاب أزمة الهجرة صيف 2015… ومن ثم، فإنه مناسب لتحقيق الهدف الذي يسعى إليه".
ومن المتوقع أن يصدر حكم نهائي من المحكمة بعد عطلة الصيف. والمحكمة ليست ملزمة بتنفيذ الرأي الاستشاري للمحامي العام، لكنها بوجه عام تأخذ به.
ورفضت الحكومات القومية المتشككة في الاتحاد الأوروبي بوارسو وبودابست استقبال لاجئ واحد بموجب الخطة. وأرجأت سلوفاكيا والتشيك أيضاً استقبال لاجئين؛ تعللاً بمخاوف أمنية بعد سلسلة الهجمات التي نفذها إسلاميون في الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة.
وسبَّب عدم استعداد هذه الدول لمساعدة دول الحدود الخارجية الجنوبية ودول أغنى مثل ألمانيا التي استقبلت مئات الآلاف من اللاجئين- نزاعات مريرة في التكتل وأضعف وحدته.
وقال رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو، في بيان، إن حكومته ستلتزم بقرارها رفض الحصص الإلزامية، ووصف رأي المحامي العام بأنه "غير ملزم".
المجر ترفضه
ورفضت المجر الحكم ووصفته بأن له دوافع سياسية.
ونسبت وكالة الأنباء المجرية إلى بال فولنر، وكيل وزارة العدل، قوله: "العناصر الرئيسة للبيان سياسية وتُستخدم لإخفاء حقيقة أنه لا توجد حجة قانونية وراءه".
ومن ناحية أخرى، قالت المفوضية الأوروبية في بروكسل الأربعاء، إنها صعَّدت معركتها القانونية ضد التشيك والمجر وبولندا؛ بسبب عدم رغبتها في استقبال اللاجئين.
وقالت المفوضية: "رغم تكرار الدعوات باتخاذ تحرك… تواصل هذه الدول انتهاك التزاماتها القانونية وتجاهلت التزاماتها تجاه اليونان وإيطاليا وغيرها من الدول الأعضاء".