تواجه محاولة المملكة العربية السعودية للحد من اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط عقبةٌ كبيرة، بحسب ما تشير وكالة بلومبرغ الأميركية.
فبعد مرور أكثر من عامٍ على كشف الرجل المهيمن على المملكة، وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، عن مخططٍ لعصر ما بعد النفط؛ زاد انخفاض أسعاره من شكوك خبراء الاقتصاد حول ما إن كان تحقيق بعض الأهداف المتوسطة الأجل في الخطة ممكناً.
ويكمن السبب في أنَّ انخفاض عائدات النفط يحرم الحكومة من المال اللازم لموازنة دفاترها بحلول عام 2020، في الوقت الذي تحاول فيه تحفيز النمو لتخفيف وطأة التحوّل الاقتصادي على السكان.
وقد شدَّدت بيانات صندوق النقد الدولي الصادرة يوم الجمعة الماضي، 21 يوليو/تموز، على التحديات التي تواجه المملكة، إذ خفَّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي السعودي هذا العام إلى "قرابة الصفر"، ويتوقع محللون في بنك سيتي غروب، والمجموعة المالية هيرميس، وشركة ستاندرد تشارترد البريطانية، مستقبلاً أكثر قتامة للاقتصاد السعودي، ويتوقعون انكماش الاقتصاد للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2009، وذلك وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة بلومبرغ الإخبارية.
اشتداد الأزمة الاقتصادية سيكون اختباراً للقيادة السعودية وعزمها على المُضيّ في إجراءات الإصلاح، ساعيةً في الوقت ذاته للسباحة عكس تيار التاريخ، الذي يوضح أنَّ نجاح جهود تنويع مصادر الاقتصاد يعتمد إلى حدٍ كبير على وضع السياسات قبل حدوث تغيرٍ مفاجئ في الأسعار.
وصرَّحت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، في حوارٍ صحفي قائلةً: "ما لم تبدأ بعض العوامل الدافعة للنمو الاقتصادي في الظهور، والتي يجب أن تبادر بها الحكومة وتتطلب ارتفاع أسعار النفط، فمن المُرجَّح أن تصبح وتيرة الإصلاحات المالية أبطأ حتى مما كانت عليه في عام 2016″، حين خفضت السلطات الإنفاق وبنود الدعم المُكلِّفة.
الخطر الرئيسي
وتابعت مونيكا: "إنَّنا نرى إمكانية حدوث نموٍ منخفض جداً أو ركود البيئة الاقتصادية مع بقاء العجز مرتفعاً". وأضافت: "هذا خطرٌ كبير".
وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو السعودي هذا العام من 0.4% إلى 0.1%. وبينما يتوقَّع الآن أن ينمو الناتج المحلي الإجمالى غير النفطى بنسبة 1.7% بعد توقفه في العام الماضي، فإنَّ الأرقام الجديدة لا تزال أقل من تقديراتٍ ماضية وصلت إلى 2%.
ويرى محمد أبوباشا، الاقتصادي المقيم في القاهرة، الذي يعمل في المجموعة المالية هيرميس، أنَّ النشاط غير النفطي لا يزال أضعف بكثير من تعويض الخسائر.
إذ قال: "نحن لا نرى تقدماً ملحوظاً أو ذا قيمة، فنمو الائتمان منعدم، وإيرادات المشروعات ضعيفة، فيما يتجاوز الانكماش في استهلاك الأسمنت 10%".
وصرَّح الأمير محمد بن سلمان بأنَّه مثلما حوَّلت اكتشافات النفط المملكة السعودية (فقد عمَّرت الصحراء العربية بمدنٍ كبرى، وعزَّزت النفوذ السياسي للمملكة)، بإمكان الأسعار المنخفضة توفير الفرصة لإعادة تشكيل الاقتصاد السعودي. وفي العامين الماضيين، خفضت السلطات الإنفاق، وقلَّلت من دعم الطاقة المكلف، وأعلنت خططاً لبيع حصصٍ حكومية في شركاتِ متعددة، بما في ذلك شركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط.
هل هذا كافٍ؟
لكن حتى ارتفاع الأسعار إلى 55 دولاراً للبرميل لن يكون كافياً لتحقيق التوازن في واحدٍ من أعلى عجوزات الميزانية ضخامةً في الشرق الأوسط بحلول عام 2020. ولتحقيق ذلك، وفقاً لديما جردانة، رئيسة بحوث الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة "ستاندرد تشارترد" بدبي، فإنَّه "من المُرجَّح أن تحتاج المملكة زيادةً تدريجية في أسعار النفط إلى نحو 70 دولاراً".
ويعوق انخفاض أسعار النفط الخام خطط ولي العهد الاقتصادية، في الوقت الذي تُهدِّد فيه تحديات السياسة الخارجية بتكلفته رأس المال السياسي. فجيشه غارقٌ في حربٍ مكلفة في اليمن منذ أكثر من عامين، ويقود كذلك 3 دولٍ أخرى منخرطة في مواجهةٍ دبلوماسية مع قطر لا يعلم أحد متى ستنتهي.
وقد أثنى صندوق النقد الدولي بدون شك على جهود الإصلاح السعودي، وقال إنَّه يتوقع أن ينخفض عجز الميزانية إلى 9.3% من الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام، بدلاً من 17% في عام 2016، وإلى ما يزيد قليلاً على 1% بحلول عام 2022. وأضاف البيان أنَّ هذا يفترض "مُضي الإصلاحات الرئيسية غير النفطية فى الإيرادات وزيادات أسعار الطاقة التي حدَّدتها الحكومة فى العام الماضي كما هو مخططٌ لها".
وقد فرضت الحكومة ضرائب على عدة منتجات مثل التبغ والصودا، فضلاً عن فرض ضريبةٍ على أسر المغتربين هذا العام، ومن المُقرَّر أن يجري طرح ضرائب القيمة المضافة اعتباراً من عام 2018. ووضع المسؤولون كذلك خططاً لإطلاق برنامج مدته أربع سنين بقيمة 200 مليار ريال سعودي (53 مليار دولار) لدعم نشاط القطاع الخاص هذا العام.
غير أنَّ السلطات عكست قراراً بخفض مكافآت القطاع العام في نيسان/أبريل 2017، مستشهدةً ببياناتٍ لميزانية جاءت أفضل مما كان مخططاً لها خلال الربع الأول من العام. ومن المُرجَّح أن تُؤخِّر المملكة الجولة الثانية من خفض الدعم إلى وقتٍ لاحق من عام 2017 أو مطلع العام المقبل، وفقاً لأشخاصٍ مطلعين على المسألة.