كلنا مصابون برهاب الفلسفة

جُبل الإنسان بتركيبة نفسية معقدة، حيث تتكون نفسية الإنسان وشخصيته من متناقضات ومشاعر كثيرة، تكوّن -إذا ما اجتمعت- شخصية الإنسان بوصفه متفرداً، فالتركيبة النفسية للإنسان كبصمة إبهامه، لا يمكن أن يتشابه فيها ككل مع غيره، ولكنه يمكن أن يتشارك شيئاً من صفاته مع غيره.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/24 الساعة 05:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/24 الساعة 05:49 بتوقيت غرينتش

جُبل الإنسان بتركيبة نفسية معقدة، حيث تتكون نفسية الإنسان وشخصيته من متناقضات ومشاعر كثيرة، تكوّن -إذا ما اجتمعت- شخصية الإنسان بوصفه متفرداً، فالتركيبة النفسية للإنسان كبصمة إبهامه، لا يمكن أن يتشابه فيها ككل مع غيره، ولكنه يمكن أن يتشارك شيئاً من صفاته مع غيره.

يعد الخوف إحدى الصفات النفسية التي يتميز بها البشر، ولكنها تتفاوت من شخص لآخر، والأهم أنها إذا ما نقصت عن الحد المطلوب للقدرة على البقاء والحفاظ على الحياة عند شخص يتغير اسمها ويوصف الشخص بالتهور، وإذا ما ارتفع منسوبها في شخصية إنسان تحولت من الخوف المعقول والمطلوب في إدارة الانفعالات، إلى الجبن وعدم القدرة على المواجهة المحدودة والتي لا تهدد حياة الشخص ولا تشكل خطراً على واقعه.

يتخذ الخوف صوراً عدة، ويتكرر بوصفه متحكماً في الكثير من تصرفات الإنسان وسلوكياته، ويسيطر بأشكال مختلفة على انفعالات الإنسان وأشكال تعبيره، فيجعله يُحجم عن أمر أو يُقدم عليه، ويجعله يتجنب الوقوع في تجربة معينة خوفاً من عواقبها، أو يوعز إلى الإنسان بقدرته على خوض هذه التجربة، عبر بثِّه شعوراً بالأمان أو الخطر.

وكأنه جرس إنذار، يوحي للإنسان بما يتماشى مع تركيبته النفسية وقدرته على التحمل بإمكانية خوض أمر ما أو الابتعاد عنه، مضطلعاً بدور المحرك للتصرفات والأفعال والقائم بإدارة صمام الأمان المحيط بالنفسية، ومتنبئاً بردود الفعل والعواقب التي تترتب على هذه الأفعال، ومشيراً إلى أن القيام بأي فعل أو تجربة سيبقيك في خانة الأمان بما يتعلق بالمشاعر والأحاسيس، أو يمكن أن يعرضك لصدمة تنأى بها وتثقلك وتعجز مشاعرك عن تقبُّلها.

ومن ذلك أن أكثر الأشخاص يعانون رهاب الفلسفة، والذي يعني بمفهوم بسيط الخوف من سبر أغوار نفسه ومحاولة تفسير مشاعره وأحاسيسه، فكل شخص يحاول صنع هالة من حوله توحي للآخرين بما يودُّ الإيحاء به عن نفسه، حيث إنه من الصعب؛ بل مما يبدو مستحيلاً للإنسان تفسير تصرفاته أو إحساسه وانفعالاته جميعها تفسيراً منطقياً أو إخضاع مشاعره وما يدور في خلده إلى الحقائق العلمية والمقنعة بشكل دائم، فترى الإنسان -ومهما تطورت سبل الحياة- يقف في أغلب الأحيان عاجزاً مضطرباً ومستغرباً من سلوكياته وأفعاله.

فالأحاسيس التي تفرز الانفعالات والأفعال لا يمكن على الدوام تفسيرها، فترى أنك إذا ما قمت باستبيان عن معنى الشعور بالحب تحصل على إجابات متباينة وبعيدة كل البعد بعضها عن بعض؛ بل ويمكن أن تكون متضادة، فالأحكام نسبية ولا يمكن أن تكون مطلقة، وما يجده البعض أمراً يمكن تحمُّله من الشريك، يراه الغير كارثياً ولا يمكن استحماله، وما يتميز به أحدهم، يمكن أن يعيب الآخر، وكل قصة محكومة بظروفها والعوامل المحيطة بها.

بالإضافة إلى أن الشعور بالحب لا يمكن، بحال من الأحوال، ربطه وجعله نتيجة منطقية لسبب ما أو تفسيره تفسيراً عقلياً؛ ومن ثم لا يمكن تفسير الأفعال الناتجة عنه تفسيراً علمياً واحداً ينطبق على كل الأشخاص.

يشعر الإنسان، إذا ما استمع إلى وصف إنسان آخر لمشاعره أو انفعالاته، وكأنهما من كوكبين منفصلين، وكأن أحدهما بشري والآخر فضائي! كما يحدث عندما تستمع لتفاصيل شجار حصل بين اثنين أو حادثة، ترى صورتين مختلفتين تماماً ويمكن أن يصلا إلى حد التناقض.

وهذا لا يعني أن أحد الرواة كاذب، إنما هي السيالات الشعورية التي تختلف من شخص لآخر، والإشارات التي تصدر للدماغ من كل منهما مختلفة تماماً، وتحكمها عدة متغيرات، فكل يحكم على الأمور من منظوره وحسب منطقه وطريقة تفكيره وحياته، ومكونات شخصيته التي تتمثل في التربية والبيئة ومستوى الثقافة والمحيط والحياة الاجتماعية ومستوى التعليم والقدرة على التواصل مع الآخر.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد