اعتبرت مجلة الإيكونوميست البريطانية في عددها الصادر السبت، 22 يوليو/تموز 2017، أن منطقة الخليج دائماً ما تضيق ذرعاً بمن يحاول أن ينتقد الحكام هناك، ومن ثم يبحثون دوماً عن مكان آمن يستطيعون من خلاله التعبير عن آرائهم.
وتحدثت المجلة البريطانية عن المعارض السعودي غانم الدوسري، قائلة: على مدى عامين، قدَّم الدوسري على الإنترنت نظرةً ساخِرة على الأخبار، في برنامج يُدعَى "فضفضة"، يسخر فيه من أصحاب السمو الملكي في المملكة.
ويُصوِّر الدوسري ولي العهد الشاب والحاكم الفعلي للملكة محمد بن سلمان، مرتدياً حفَّاضات، ويصفه بـ"الدب الداشر". وتجتذب قناته على موقع يوتيوب ملايين المتابعين، أغلبهم من السعوديين. ويقول: "لو عدتُ إلى الوطن لفقدتُ رأسي". لكنَّ الدوسري يبث من ضاحيةٍ آمنة في شمالي لندن، يأمل أن تكون بعيدة عن متناول السيف الملكي.
ومنذ أن انطلقت صحيفة "الشرق الأوسط" العربية في بريطانيا عام 1978، أصبحت لندن بمثابة مركزٍ إعلامي عربي. وقد وجد الصحفيون الفارّون من الرقابة في أوطانهم الحرية في المنفى. لكنَّ حملاتٍ جديدة من القمع والرقابة والحرب تتجدَّد مرةً أخرى بين صفوفهم، بحسب المجلة البريطانية.
وكجزءٍ من حملتها على قطر، طالبت السعودية بإغلاق محطة الجزيرة الفضائية الرائجة التي تُموِّلها الدوحة، وهدَّدت أي شخصٍ يُغرِّد تعاطفاً معها بالسجن مدة 5 سنوات أو غرامة ضخمة. ورفعت دولة الإمارات العقوبة إلى 15 سنة.
وتفرض السعودية والإمارات والبحرين، منذ الخامس من يونيو/حزيران 2017، حصاراً برياً وجوياً وبحرياً على قطر، بتهم دعم الإرهاب، الأمر الذي تنفيه الدوحة مراراً وتكراراً.
كما شنَّت الدول الثلاث المحاصرة لقطر حملات أمنية مشددة على مواطنيها خوفاً من تعاطفهم مع قطر، وأجبرت الأجهزة الأمنية السعودية كبار المغردين على تويتر، على التوقف عن التغريد، أو في حالة التغريد تكون تلك المنشورات داعمة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يقود بنفسه الأزمة الخليجية ضد قطر.
وحول حرية الإعلام في دول الخليج، قالت المجلة البريطانية، إن سلطنة عمان سجنت عدداً من المُحرِّرين قبل عدة أشهر، وفي البحرين أغلقت السلطات صحيفة الوسط، آخر الصحف المستقلة في البلاد الشهر الماضي، يونيو/حزيران.
وكانت محطة "العرب" الفضائية المملوكة للأمير السعودي الوليد بن طلال، التي انطلقت في البحرين عام 2014 قد أُغلِقَت في يومها الأول بعد مقابلةٍ مع معارضٍ شيعي.
أما الصحفي السعودي المخضرم جمال خاشُقجي، المدير العام لقناة العرب، فهو واحد من مئات الصحفيين منعته الحكومة السعودية من التحدُّث بشأن قطر، وفي حالة خاشُقجي تحديداً، منعته من الحديث عن أي شيءٍ آخر كذلك.
ومنذ قرابة العام منع خاشقجي من الحديث لوسائل الإعلام، وكذلك التغريد على حسابه بتويتر، ولا يعرف أين يوجد تحديداً، ولكن وسائل إعلام عربية، وكذلك مغردون مشهورون قالوا إن خاشقجي استطاع الخروج من السعودية، ويمكث الآن في العاصمة الأميركية واشنطن، وقريباً سيعود للكتابة على الشبكات الاجتماعية مرة أخرى.
وكان حساب على "تويتر" يسمي نفسه "العهد الجديد"، قال إن خاشقجي غادر "السعودية قبل أيام عبر منفذ رسمي (بطريقة غير رسمية)، وسيستقر في أميركا، علماً أنه كان ممنوعاً من السفر".
خرج جمال خاشقجي من البلد قبل أيام عبر منفذ رسمي (بطريقة غير رسمية) وسيستقر في أمريكا، علما أنه كان ممنوعا من السفر (ولكن كل شيء بالـ?يمشي).
— العهد الجديد (@Ahdjadid) July 20, 2017
وسائل الإعلام العربية تعود إلى أوطانها
وقبل عقدٍ من الزمن، كانت وسائل الإعلام العربية تعود إلى أوطانها قادمةً من المنفى، ويغريها افتتاح "المدن الإعلامية" البرَّاقة، فانتقلت محطة MBC، وهي محطة فضائية شعبية كان مقرَّها في لندن، إلى دبي. وانطلقت المحطات الجديدة والغريبة بالنسبة للمنطقة مثل الجزيرة، والعربية، وسكاي نيوز عربية في الخليج. لكن في عام 2011، اندلع الربيع العربي، وردَّ المستبدون العرب بتكميم منتقديهم.
وواجهت الجزيرة، التي نقلت ودعمت ثورات الربيع العربي في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا، جام غضب الشيوخ. وحينما فشل إغلاق مكاتب المحطة وسجن صحفييها بمصر في دفعها للامتثال، وقَّعت حكومات الخليج اتفاقاً مع قطر في 2013 لكبح وسائلها الإعلامية.
وأوقفت الجزيرة في حينها فرعها المصري، وبعد تعتيمٍ مؤقت، أُلقي باللوم فيه على صعوباتٍ تقنية، جرى البث لفترة وجيزة من لندن. ونقلت قطر عملياتها الجديدة إلى الخارج. فقد أُطلِق موقع "العربي الجديد" في غربي لندن، إلى جانب منصات إعلامية أخرى. ويقول صحفي بالجزيرة إنَّ لندن تبقى قناةً احتياطية إذا ما غزا السعوديون والإماراتيون على سبيل المثال، بحسب المجلة البريطانية.
لماذا لندن؟
ويُعَد استدعاء لندن تقليداً. فمنذ كارل ماركس، أصبحت المدينة هي الموطن المُفضَّل للمعارضين. إذ حكم القُضاة البريطانيون مِراراً ضد ترحيل النشطاء. وقاومت بريطانيا الضغط الإماراتي لحظر الإخوان المسلمين، وتستضيف شخصياتٍ بارزة من الجماعة أكثر بكثير من قطر.
واستقر العشرات من النشطاء الشيعة الذين أُرغِموا على مغادرة البحرين في بريطانيا، ووجَّهوا احتجاجاتهم صوب الخليج. وأطلقت فرقة "مشروع ليلى"، وهي فرقة لبنانية لموسيقى الروك البديل، تسخَر أغنياتها من المحظورات الجنسية والسياسية، وتتعرَّض لحملةٍ أردنية تهدف لحظرها في أنحاء العالم العربي، آخر ألبوماتها كان في لندن.
ويُقدِّم مهرجان الفنون العربية "شباك" منصةً لنشطاء حقوق الإنسان -مثل المؤلفة المصرية بسمة عبد العزيز- الذين يخشون الحديث في بلدانهم. ويجري الحديث عن صحيفة جديدة مستقلة، بحسب الإيكونوميست.
وتقول المجلة البريطاينة، مع ذلك، فإنَّ للطغاة أذرعاً طويلة. إذ تُموِّل الحكومات الخليجية منافذها الإعلامية في لندن، وتغري الصحفيين للانضمام إليها، ومن ثَمَّ تمتلك النفوذ. فقد أصبحت صحيفة الشرق الأوسط، التي استحوذ عليها ولي العهد السعودي في عام 2015 صوتاً لسيدها.
وكان المديح يُكال في السابق لصحيفة الحياة، وهي صحيفة أخرى مملوكة للسعودية ومقرَّها لندن، باعتبارها أكثر الصحف العربية مهنية، لكنَّها الآن تميل لإطاعة الأوامر.
وفي 18 يوليو/تموز الجاري، حاول مؤيدون للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التشويش على نقاشٍ بشأن الجزيرة في نادٍ للصحفيين بلندن، عن طريق المقاطعة بأسئلتهم وتعليقاتهم. وما زال غانم الدوسري حريصاً على سرية عنوانه في لندن. ففي عام 1987، أُردي ناجي العلي، أعظم رسَّام كاريكاتير فلسطيني قتيلاً في شوارع لندن.