كما بدأ بسرية تامة أُنهي أيضاً في سرية تامة، بقرار من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كُتب السطر الأخير في برنامج دعم وتزويد المعارضة السورية المسلحة بالإمدادات اللازمة لإنهاء حكم بشار الأسد، لكن الأمر تغير بعد حالات الفشل المتكررة لتلك الفصائل؛ ما دفع ترامب لوقف هذا البرنامج.
وقالت صحيفة "وأشنطن بوست" الأميركية، الأربعاء 19 يوليو/تموز 2017، إن ترامب أنهي البرنامج السري لدعم فصائل الجيش السوري الحر بعد فحصها، والذي اتخذه سابقه أوباما قبل 4 سنوات؛ نظراً إلى ما وصلت إليه النتائج بعد هذه الفترة من الحرب الطاحنة في سوريا، والتي لم يتمكن فيها معارضو الأسد من الإطاحة به، وكذلك بعد رغبة قوية من الأردن، الجار الجنوبي لسوريا.
واتُخِذَ القرار منذ أكثر من شهرٍ؛ إذ بدأت جهود إمداد المعارضة بالأسلحة في الانخفاض تدريجياً منذ ذلك الحين، وفقاً لما صرح به المسؤولون للصحيفة الأميركية.
وقبل مواقفة أوباما على هذا المشروع، أجريت عدة تحقيقات لتقييم الموقف، وكان هذا الأمر صلاحيةً لوكالة الاستخبارات الأميركية لتنفيذ البرنامج، الذي تستطيع الإدارة الأميركية إنكار أي اتهامات بشأنه أمام القضاء، لكن سُرعان ما تسرَّبت أنباء البرنامج المثير للجدل.
وبحسب "نيويورك تايمز"، وليست هذه هي المحاولة الفاشلة الأولى للإدارة الأميركية، في دعم جماعات مسلحة تسعى للإطاحة بالحكومات التي ترى واشنطن أنها تضر بمصالحها. وكان من أشهر هذه المحاولات، الجهود الكارثية التي قامت بها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، جون كينيدي، والتي سعى خلالها إلى الإطاحة بحكومة فيدل كاسترو في كوبا.
وحتى الآن، لم يُدلِ البيت الأبيض بتعليقٍ حول الأمر. لكن من المُتوقَّع أن يحظى القرار بترحيب الروس، الذين يدعم جيشهم نظام الأسد ويشن هجوماً لا هوادة فيه على جماعات المعارضة المسلحة، التي تزوِّدها الولايات المتحدة بالإمدادات اللازمة، تحت غطاء الإسهام في اجتثاث جذور الإرهاب، بحسب الصحيفة الأميركية.
واتهم وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الولايات المتحدة بالضلوعِ في زعزعة استقرار المنطقة، ووصف إيران بأنها تدافع فقط عن مصالحها. في المقابل، ترى واشنطن دعم إيران لنظام بشار الأسد كجزءٍ من جهودها الرامية إلى استعادة دورها كقوةٍ إقليمية كبرى في المنطقة.
شكوك في جدوى البرنامج
وتضيف الصحيفة الأميركية أنه كانت هناك شكوكٌ، منذ البداية، بشأن نجاح مهمة تسليح قواتٍ غير منظمة وتعاني غالباً خلافاتٍ داخلية. واعترف مسؤولون في إدارة أوباما بأن ما مِن طريقةٍ لضمان الولاء المستقبلي لهؤلاء الذين يتلقون الأسلحة الأميركية، رغم عملية الفحص الطويلة التي يخضعون لها.
وأدت هذه المشكلة -وهي تسليم الأسلحة للجهات المناسبة وضمان عدم تمريرها إلى آخرين واستخدامها ضد القوات الأميركية وحلفائها- إلى إحباط جهود الإدارة الأميركية مباشرةً بعد تقديم مقترح بالبرنامج من قِبل هيلاري كلينتون، عندما كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية، ورئيس وكالة الاستخبارات آنذاك ديفيد بترايوس.
وكانت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أول من أعلن عن قرار ترامب إنهاء البرنامج. لكن كانت التكهُّنات بهذا القرار قد أُثيرَت منذ أبريل/نيسان الماضي؛ عندما قالت إدارة ترامب إن الإطاحة بالأسد، الذي تقاتل حكومته في حربٍ أهلية أودت بحياة نحو نصف مليون شخص، لم تعد أولويةً بالنسبة لها.
وبدلاً من هذا، تناقش الولايات المتحدة وروسيا إنشاء مناطق لوقف إطلاق النار في البلاد، وقد دخلت أول منطقةٍ منها حيز التنفيذ خلال الشهر الجاري.
وباتت هذه المناقشات ممكنةً؛ لأن الأسد، الذي صار مُؤمَّناً بفضل دعم موسكو وطهران له، لم يعد يرى تهديداً جوهرياً لبقائه في السلطة.
ويعد قرار ترامب اعترافاً بأن أي تطويرٍ للبرنامج، الذي بدأ في 2013 بالتعاون مع مسؤولين استخباراتيين في السعودية، وتركيا، والأردن- لن يحقق نتائج مختلفةً على الأرجح، بحسب "نيويورك تايمز".
هدف البرنامج الأساسي
وتشير الصحيفة الأميركية إلى أن الهدف الأساسي من البرنامج هو إجبار الأسد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لعقد سلسلةٍ من المحادثات، التي كان يأخذها وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جون كيري، على محمل الجد في نهاية عام 2015. لكن لم تجنِ أيٌ من هذه الاتفاقيات -وهي وقف إطلاق النار، وتحديد موعد نهائي لتنفيذ "خارطة طريق" سياسية لإجراء انتخابات في البلاد- سوى الفشل.
كان كيري غاضباً من عزوف أوباما عن ممارسة نوعٍ من الضغط العسكري على الأسد، والذي ربما كان سيوفر الدعم للجهود الدبلوماسية. من جانبه، كان أوباما حذراً من دخول حربٍ أخرى في الشرق الأوسط، لا يستطيع التحكم أو التنبؤ بعواقبها.
وبحسب "نيويورك تايمز"، صاح كيري بأن البرنامج غير مُجدٍ، بعد أن كثَّف الروس وجودهم في سوريا، مستهدفين جماعات المعارضة المدعومة من وكالة الاستخبارات الأميركية بغرض إضعافها بشدة بعد أن كانوا الأقوى بين مقاتلي المعارضة.
وساعد هذا نظام الأسد على استعادة قوته وتعزيز مكاسبه عبر السيطرة على المزيد من المناطق.
وقال تشارلز ليستر، المُحلِّل لدى معهد الشرق الأوسط في واشنطن، لـ"نيويورك تايمز": "إنه قرارٌ هام، لكن كان من المُتوقَّع حدوثه منذ فترةٍ طويلة. إنه أكبر دليل حتى الآن على أن الإدارة الأميركية فقدت أملها في المعارضة. في نهاية الأمر، تعد الجبهة الجنوبية أكثر حليفاً معارضاً للأسد يمكن الوثوق به"، في إشارة إلى قوات المعارضة التي تحارب الأسد في الجزء الجنوبي من البلاد.
وتابع: "وكان إنهاء العمل بالبرنامج أيضاً نتيجةً لجهودٍ أردنية قوية؛ إذ سعت عمَّان إلى تجميد عمله منذ وقتٍ طويل. لذا كان القرار حتمياً على الأرجح، لكنه أيضاً هامٌ للغاية. لقد كان خطأً كبيراً في رأيي".
وقال خبراءٌ مستقلون آخرون إنه لم يتضح بعد ما إذا كان قرار ترامب سيؤثر على قدرة المقاتلين على الدفاع عن المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة.
وفي ذروته، كان يُدار البرنامج عبر غرفِ عملياتٍ في الأردن وتركيا لدعم قوات المعارضة التي تحارب تحت لواء الجيش السوري الحر، الذي لم يكن يُعتَبَر متطرفاً آنذاك.
لكن الضغط المفروض على الأسد لم يكن كبيراً بدرجةٍ كافيةٍ لإجباره على الدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب الأهلية. ولم يكن كافياً كذلك لتمهيد الطريق أمام جماعات المعارضة المسلحة للسيطرة على مدنٍ كبرى والتقدم صوب العاصمة دمشق. وكان البرنامج يهدف أيضاً إلى دعم ما يُعرَف بالمعارضة المُعتَدِلة في مواجهة الفصائل المتطرفة مثل فرع تنظيم القاعدة في سوريا، بحسب "نيويورك تايمز".
وبعد خروج مسلحي المعارضة من الجانب الشرقي لمدينة حلب خلال العام الماضي، بات واضحاً أنهم لا يُشكِّلون تهديداً لحكم الأسد.
لكن وقف البرنامج السري، الذي ساعد بشكلٍ رئيسي مسلحي المعارضة بالقرب من الحدود التركية في شمال غربي سوريا والقوات الموجودة بطول الحدود الأردنية في الجنوب- لن يؤثر على المعركة ضد جهاديي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) شرق البلاد. ويُوفِّر برنامجٌ آخر، يديره البنتاغون، الدعم اللازم لميليشيات العرب الأكراد المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية.