لأنني ريادية أعمال، أو ما يسمى بـ"Intrapreneur"، أي أنني أعمل ضمن مؤسسة كبيرة لم أؤسسها، ولكنني أستخدم مفاهيم ريادة الأعمال لإدارة العمل وابتكار منتجات ومشاريع تساهم في تقديم قيم وخدمات لم تكن موجودة قبلاً، وخلق وظائف للناس وليس المحافظة على الوظيفة الحالية التي أشغلها، وأعلم تماماً أنني إن نجحت فسأحقق نجاحاً باهراً وأصنع تغييراً كبيراً، وإن فشلت فبإمكاني دائماً أن أبدأ من جديد، فالوظيفة بكل بساطة ليست الهدف، وإنما الوسيلة التي أمارس من خلالها النشاطات ذات القيمة التي أرغب بالعمل عليها، والقيم والأفكار التي أريد إيصالها للعالم، وعلى الرغم من حصولي على الجائزة الفضية في جوائز ستيفي العالمية في مجال الأعمال كأفضل موظفة على مستوى العالم للعاملين في المؤسسات الحكومية أو غير الربحية على مدار سنتين في عام 2014 و2016، إلا أنني لا آبه البتة إن خسرت وظيفتي يوماً بسبب الطريقة التي أعمل بها أو التغيير الذي أعمل وأحارب يومياً من أجله.
"نحن لا نعمل لنحافظ على وظائفنا، نحن نعمل لنخلق وظائف للآخرين"
ولهذا، عادة ما يواجه رياديو الأعمال في الشركات الكبرى تحديات ضخمة تكاد تتفوق على تلك التي يواجهها أقرانهم الذين أسسوا شركاتهم الخاصة؛ لأنهم عادة ما يعملون في بيئات تقليدية روتينية، يضطرون فيها إلى صناعة التغيير على عدة مستويات أفقية وعمودية، والعمل طويلاً على زرع الفكر الريادي وتثقيف الإدارة وفريق العمل به، مما يخلق حواجز ليست سهلة لا سيماً عندما يبدأ الريادي بالدخول إلى منطقة راحة زملائه وإدارته من أجل تطوير العمل وصناعة التغيير.
وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن ذلك لا يوقف الريادي عن متابعة ما يقوم به؛ لأنه مجبول على التفكير الريادي والإبداعي، والإيمان المطلق بالقدرة على صناعة التغيير والثقة بالنفس، والقدرة على المجازفة والمخاطرة وتحمل نتائج الأخطاء أو الطرق الجديدة التي طبقها، والاحتفال بالانتصارات والنتائج صغيرة كانت أم كبيرة، كما أنه يؤمن بتمكين فريق عمله وتطويره؛ لأنه لا يخاف من خلق قادة ممكنّين آخرين، فهو يعلم أن هنالك مكاناً للجميع في مجال ريادة الأعمال.
العديد من الشركات العالمية تقوم بتبني ونشر ثقافة ريادة الأعمال في بيئاتها وتوظيف رياديي الأعمال في دوائرها بغض النظر عن المستوى الوظيفي؛ لما في ذلك من أثر ملحوظ جداً في تطوير الخدمات والمنتجات وزيادة إيرادات الشركة وتخفيض نفقاتها، ولعل من أبرز الأعمال والمنتجات التي ولدت في شركات كبيرة بسبب ريادة الأعمال الداخلية حسب ما نشر في مجلة Entrepreneur العالمية هي:
– Mac, iPod, iTunes, iPhone, iCloud inside of Apple
– Gmail, Google News, AdSense, driverless cars, Google Glass inside of Google
– PlayStation inside of Sony
– Saturn inside of General Motors
– Post-It Notes inside of 3M
– Java programming language inside of Sun Microsystems
وغيرها الكثير من الأعمال التي قادت هذه الشركات لتتربع على عرش الإبداع والتطور على مستوى العالم.
لذا إن أردنا فعلاً صناعة التغيير في وزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية وشركاتنا الكبرى، علينا البدء بتطبيق ريادة الأعمال فيها وتهيئة البيئة المناسبة وتقديم الدعم للرياديين الداخليين للقيام بكل ما هو لازم، من أجل خلق النقلة النوعية المطلوبة في طريقة إدارة أعمالنا وخدماتنا والتوسع في الأسواق العالمية والمنافسة فيها.
وعلى الرغم من أن تأسيس شركة خاصة قد يبدو أسهل وأكثر إغراء من العمل في مؤسسة عامة في كثير من الأحيان، فإن إيماني الكبير بأهمية بناء ثقافة ريادة الأعمال في مؤسساتنا ووزاراتنا وشركاتنا، وتسليط الضوء على أهمية استقطاب رياديي الأعمال وتوظيفهم في هذه الجهات للنهوض بها وتطويرها وتغييرها، سيكون له أثر كبير لتعزيز الاقتصاد وتحسين الخدمات والمنتجات وتقليل الفجوة بين القطاعات المختلفة في مستوى الأداء المقدم.
ولعل أجمل اقتباس قرأته عن رياديي الأعمال في الشركات هو المنشور على موقع Fast Company ويقول:
"الأمر لا يتعلق بموظفين يحاولون القيام بعمل أفضل في وظيفتهم أو الارتقاء صعوداً، بل الرغبة في خلق شيء جديد غير موجود حالياً".
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.