يحمل الجنود شخصاً ويحاولون إلقاءه وسط سيل من السباب والضرب من فوق جرف وهو يقاومهم متشبثاً بالحياة، فتفشل محاولتهم الأولى، بينما ينجحون في المرة الثانية في إلقائه ليقع على جثة أخرى أسفل الجرف يبدو أنها لضحية سابقة، وبعد أن يسقط يطلقون عليه وابلاً من الرصاص كأنهم يتأكدون من موته.
المشهد السابق من فيديو انتشر على نطاق واسع مؤخراً، ليكون واحداً من بين العديد من الصور والفيديوهات لعمليات قتل خارج إطار القانون ينفذها الجيش العراقي والميليشيات المتحالفة معه في الموصل بحق مشتبه في انتمائهم لتنظيم داعش، وفق تقارير حقوقية أشارت أيضاً إلى أن "القوات العراقية تشعر أنَّها لم تعد تحتاج لإخفاء هذه الأفعال عن عيون المراقبين الدوليين".
بيد أن تقريراً نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية أمس الإثنين 17 يوليو/تموز 2017، راح يسرد مزاعم عدد من المصادر التي تشير إلى مبررات الجنود خلف هذه الانتهاكات، وتتلخص في أنهم يعتقدون أن مقاتلي التنظيم سيُقدِّمون رشاوى إلى السلطات في بغداد لإطلاق سراحهم إذا ما أُرسلوا إلى السجون هناك.
وقال مصدرٌ عراقي: "لهذا، يُفضِّل الجنود العراقيون قتلهم رمياً بالرصاص أو عبر إلقائهم من فوق المباني والمرتفعات". وزعم مسؤولٌ عراقي سابق رفيع المستوى أن بإمكانه تحديد قدر المال الذي يستطيع مُقاتلٌ في تنظيم داعش شراء الأوراق الرسمية به، الأوراق التي تمكنه من التحرك بحريةٍ في أنحاء العراق، على حد قوله.
ويطرح هؤلاء هذا كمبرر يُفسِّر العثور على جثث لأشخاص مشتبه بانتمائهم لتنظيم داعش، وهم مُصابون بالرصاص في الرأس أو في أجسامهم، وهي تطفو أسفل مجرى نهر دجلة المتدفق من مدينة الموصل.
ومع سيطرة القوات العراقية على مدينة الموصل قبل أسبوع، ارتفعت وتيرة الفيديوهات التي توثق لانتهاكات يقوم بها الجنود، ولكنها ليست الأولى، ففي مايو/أيار الماضي، كشف مراسل صحيفة دير شبيغل الألمانية علي أركادي الذي رافق القوات العراقية ليوثق معركة استعادة الموصل، عن انتهاكات وحشية ترتكبها تلك القوات، بعد أن صدم بواقع مغاير لما كان يتأمله.
معارضو داعش يؤيدون
وتزعم مشاركات منشورة على شبكات التواصل الاجتماعي في بغداد أن الانتحاريين، الذين فجَّروا أنفسهم، كانوا مُحتَجَزين لدى قوات الأمن قبل إطلاق سراحهم مقابل المال.
وكُتِبَ في إحدى هذه المُشَاركَات: "نموت في العراق بسبب الفساد". فيما تقول تغريدةٌ على موقع تويتر: "تدفع داعش أموالاً للحكومة وتقتلنا في بغداد".
ويُطلق سكان الموصل المعارضون لداعش نفس المزاعم حالياً. ويقول سالم محمد، أحد سكان حي النبي يونس في شرق الموصل: "أعرف رجلين في منطقتي السكنية، يشتهران بكونهما عضوين في تنظيم داعش وقد أطلقت الحكومة سراحهما مؤخراً. واعتاد أحدهما الانضمام إلى دوريات داعش، التي كانت تجوب السوق هنا بحثاً عمَّن يُدخِّنون السجائر".
وأضاف أن الناس يخشون أن يكون المتعاونون المشتبه بهم، والذين أُطلِقَ سراحهم، أعضاء في "الخلايا النائمة" لتنظيم داعش أو أنهم جُنِّدوا كجواسيس للحكومة العراقية.
يقول سالم إن هناك سبباً مهماً لانعدام الثقة بين المعارضين الدائمين لداعش وهؤلاء الذين التحقوا بالتنظيم أو تعاونوا معه، وهو أن المتعاونين تمكَّنوا من تطوير أعمالٍ تجارية مزدهرة خلال السنوات الثلاث التي سيطرت فيها داعش على مدينة الموصل.
وأضاف: "يمتلك العديد من هؤلاء المتعاونين متاجر في الأسواق ويشتري الناس منهم البضائع، لكنهم يتجنَّبون التعامل معهم أيضاً".
يقول سالم: "إن أكثر ما يثير غضب السكان في الموصل هو أن عائلات داعش الثرية يُطلَق سراحها لتعود وتعيش في شققٍ ذات أثاثٍ فاخر، بينما لا يزال الفقراء يعيشون في المخيمات".
وعلى عكس ما يزعم سالم، اتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش، المدافعة عن حقوق الإنسان، قوات الأمن العراقية بالتهجير القسري لما لا يقل عن 170 أسرة من أسر من يُزعم أنهم أعضاء في داعش، ووضعهم بما أطلقت عليه السلطات "مخيم إعادة تأهيل" مغلقاً، في شكل من أشكال العقاب الجماعي.
وقالت لمى فقيه نائبة مدير قسم الشرق الأوسط في "هيومان رايتس ووتش": "المخيمات المخصصة لمن يُطلق عليهم أسر أعضاء تنظيم (الدولة الإسلامية) لا علاقة لها بإعادة التأهيل؛ بل هي فعلياً معسكرات اعتقال لبالغين وأطفال لم يُتهموا بارتكاب أي مخالفة.. هذه الأسر يمكن السماح لها بأن تنتقل بحرية للعيش حيث تجد الأمان".
وافتتحت السلطات العراقية أول ما وصفته بمخيمات "إعادة التأهيل" في مدينة البرطلة شرق الموصل. وتقول المنظمة إن الغرض الرسمي للمخيم هو إتاحة الفرصة لإعادة التأهيل النفسي والفكري، لافتة إلى أنها زارت مخيم البرطلة والتقت مع 14 أسرة، كل منها يصل عدد أفرادها إلى 18 فرداً.
واستطردت: "قال السكان الجدد إن قوات الأمن العراقية أحضرت الأسر إلى المخيم، وإن الشرطة تحتجزهم دون إرادتهم؛ بسبب اتهامات بأن لهم أقارب على صلة بتنظيم (الدولة الإسلامية)".
وتابعت: "قال العاملون بالصحة في المخيم إن 10 نساء وأطفال على الأقل توفوا وهم في الطريق إلى المخيم أو بداخله، أغلبهم بسبب الجفاف"، منوهة إلى أن "قوات الأمن والجيش العراقية لم تبذل ما فيه الكفاية لوقف الانتهاكات، وفي بعض الحالات مارستها بنفسها!".